"الإحصاءات تؤدي إلى الثقة. وفقط أهل الثقة هم سدنتها وحراسها" وردت هذه العبارة في تقرير اللجنة الأممية للإحصائيات، فهي جملة تحمل في ثناياها الأبعاد الأكثر أهمية وحساسية في التعامل مع "الإحصاء" وفي صيغته التعبيرية "الرقم"، فحينما يتم ربط الإحصاءات ومخرجاتها العددية وفق بناء الثقة وتماهيها معها في تسيير الشأن العام، فهي تضع الشرط المركزي لرشادة التسيير وهي شرعية صاحب القرار وحيازته على ثقة الجمهور "الشعب"، ومن جهة أخرى فهي أيضا تلزم أن يكون هذا "الرقم الإحصائي" معبرا على صدق وعلى شفافية في تداوله والتعامل به ووفقه، فلا يليق بالقائم بإدارة الدولة أو حتى المرفق أن يدلس أو يفرض تصوراته في المُخرج العددي الذي هو محور التنمية ومنطلقها وآلية تقييمها وتقويمها. من هذه الحيثيات جاءت لائحة اللجنة الأممية للإحصائيات بالعمل على تشجيع تطوير الإحصائيات الوطنية وتحسين قابليتها، ما يعني أن يكون هذا الرقم الإحصائي مواكبا للتحول المجتمعي من جهة وللتغيرات الدولية من جهة أخرى، ومرناً في التعايش مع تقلبات السوق و الحاجيات اليومية والإستراتيجية، وهو ما يعني أن الرقم الإحصائي ليس أعدادا نُراكمها ولا أرشيفا ورقيا أو الكترونيا نحتفظ به، وليس تقارير عددية ترفع للجهات العليا للإبلاغ على المنجز الزائف أو الحقيقي، بل هي فلسفة تخطيطية إستراتيجية تتعامل مع هذا الفاعل المتحرك والمركب بحذر وشفافية ودقة. هذا الفهم وهذه الأهمية تكاد تنعدم في قضايا التنمية المحلية بل وقد يعرج عليها في التقارير التي ترفع من الأسياد إلى العبيد وفقط، فالإدارة المحلية تتعامل مع المعطيات العددية الإحصائية على أنها أداة للقدرة على توسيع دائرة الانتفاع من جهة، أو أنها آلية لحجب مقدرات الإقليم على السلطة المركزية تجنبا لمزيد من الجبهات والأشغال، وهو ما يعني أنه في الحالتين "الرقم" محاصر ومنتهي الصلاحية وغير فاعل في منظومة التنمية المحلية "الأكذوبة الرسمية" . أما المركزيين فتعاملهم مع الرقم المحلي وإحصائياته لا تكاد لا تتبدل ولا تتغير وفي أحسن الأحوال ليست صادقة، فهي إما متجاوزة عمدا أو هي مضخمة زورا أو هي بعيدة كل البعد عن الحقائق التي تصنعها الرغبة الجماهيرية في قطاعات معينة. ففي الموقعين يكون المُخرج العددي الإحصائي الصحيح والدقيق، مهمّشا بصورة مقصودة عن برامج وسياقات التنمية، وهو ما يثبته غياب ذلك الجهد الإحصائي المُحيّنُ سنويا أو دوريا لتجاوز الأخطاء و العقبات وتطوير الموجودات والإمكانات، فالغالب أن تجد الخيارات ترتبط بالعشوائية والارتجالية والتخبط الفوضوي الذي لا ينتج إلا مزيدا من متاعب المواطن في إدراك حاجياته أمام إدارة عاجزة عن رصد وتدقيق مطالبه التنموية بصورة صارمة ودقيقة. فأين البطاقات التقنية للولايات والبلديات التي تنشر للجمهور وللمهتم استثماريا أو إعلاميا ليوظفها في مشاريعه وخبراته وتقاريره. أكاد أجزم أن قضية الرقم الإحصائي قد تصل لدى المسؤول المحلي كما المركزي في سياق "سري للغاية" أو "ممنوع الاقتراب"، لأن شفافية "الرقم" تنمويا يفتح النقاش على كثير من خفايا الفساد والإفساد. ملاحظة: صورة الواجهة مأخوذة من مقارنة عبر أرقام إحصائية أعدها الأستاذ "بلقاسم جاب الله" بين ولايتي الجلفة -تيزي وزو ، و الجلفة - بومرداس من حيث عروض التكوين المهني لدورة سبتمبر 2018. وتنشر "الجلفة إنفو" في ما يلي هاته الأرقام كإسقاط لما جاء في المقال أعلاه: