لم يكن يتوقع أحد، أن يأتي اليوم الذي تنادي فيه الحناجر بذهاب حزب جبهة التحرير الوطني، ولم يكن يتوقع أن يمر الحزب بهذا الهوان، وأن تكتسيه حلل الرداءة والابتذال وشيوع الفساد، وغزو الدخلاء من أصحاب الأخلاق والمال الفاسدين، الملطخين بالنهب والكسب غير المشروع، يهمش فيه الشرفاء، والمناضلات والمناضلين النزهاء المخلصين أصحاب المبادئ الذين يتحسرون على الواقع المرير، وعلى ما وصل إليه حال الحزب الذي كان يوما رمزا للنضال والانضباط والمواقف المشرفة، فأصبح مطية من الحثالة والأميين. الذين صرخوا، ورددوا شعارات "الافلان ديقاج" أي على" حزب الجبهة أن يرحل"، لهم كل الحق في ذلك، فالجبهة التاريخية هي ملك الجميع والكل له الحق في أن يغير عليها، لأنهم لم يتوقعوا يوما أن تصل الجبهة إلى هذا الهوان وهذا التشرذم، وبعد أن كانت مرجعية تاريخية استشهد عليها الآلاف من الشهداء الأحرار، يأتي المتربصون ويشوهونها لتصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. منذ ذهاب الأمين العام "بوعلام بن حمودة"، دخل حزب جبهة التحرير الوطني في مرحلة فتح الأبواب لمن هب ودب، وأصبح عبارة عن مستودع يجمع كل المخلوقات ويتستر على كل ناهبي المال العام، والدخلاء الذين وفدوا من كل جهة، وأصبحت قاعات الاجتماعات حلبة للصراعات والمشادات، بعد أن كانت فضاءات لتبادل الأفكار والنقاش الحضاري، وحتى وإن كان هناك اختلاف وهذا شيء طبيعي، يكون باحترام متبادل، وبمستوى المسؤولية والنضال الحقيقي. ومنذ تلك الفترة، كان يراودنا أمل على أن الأمور ستتغير، لكن العصبة التي اغتصبت قيادة الحزب، ميعت الأمور، وتجاهلت كل نصائح الشرفاء والمخلصين، واستمروا في بهدلة الحزب، حتى أصبح أقل شأنا من جمعية مساندة. أولئك الذين كانوا غير مبالين بما يحصل داخل هياكل الحزب على المستوى الوطني، وكان همهم الوحيد هو البقاء في القيادة، وليذهب البقية المخلصة والناصحة للجحيم. أتذكر جيدا، أنه عندما تمت مباشرة عملية تجديد هياكل الحزب في منتصف التسعينيات، كلفت القيادة السيد المحترم "عبد الكريم عبادة" عضو المكتب السياسي ليشرف على عملية تنصيب اللجنة الولائية لتجديد الهياكل بمحافظة الجلفة، وأشهد على هذه الفترة أن السيد عبادة، كان مناضلا مخلصا، ونزيها وضد التمييع، والسماح للدخلاء بالاقتراب من هياكل الحزب على مستوى القسمات والمحافظات، وبالتالي عرف الحزب النوعية في المناضلين، ولم يتجرأ أحد باتهامه بالمال الفاسد ولا بالتزوير. وفي تلك الفترة، عرفت محافظة الجلفة انخراط الكثير من الأساتذة والدكاترة والمحامين في قسمة الجلفة، ومنهم الذين دعوتهم وشجعتهم على الانخراط، وبعد فترة انسحبوا بسبب التلاعبات، والتهميش الذي تعرضوا له. وفي بداية الألفية وبعد اقصاء المناضل "عبد الكريم عبادة" من القيادة، جاءت مجموعة أخرى، وبالتحديد منذ اللحظة التي ترأس فيها "القياط" صاحب المهمات القذرة بالحزب، ومنذ أن أصبح يتحكم في محافظاته من هم على شاكلته، وأصبح الحزب غير جدير بالاحترام بل ليس له الحق حتى في البقاء، والمتحف أولى به، على الأقل سيبقى ذكرى للآجيال القادمة، حتى لا يتبرؤون منه هم كذلك يوما ما. كان على الحزب أن يُحل، وليذهب من يريد أن يؤسس حزبا أن يؤسسه بمستواه، وحسب مكانته في المجتمع. أقولها صادقا، إذا أردتم أن تسترجعوا ما تبقى من الحزب، وأن تصححوا المسار، وتنظفوا القذارة التي التصقت به، كالفيروسات، فعليكم بمناضلين نزهاء، مخلصين، أياديهم نظيفة، وتاريخهم مشرف، يشهد لهم بالمواقف والكفاءة والاقتدار ويمشون في الشارع وهم لرؤسهم رافعون ولا يخشون لا حراك شعبي ولا حراك داخل هياكل الحزب، أي بمعني لا يخشون إلا الله، فهاهي ارهاصات التغيير تحوم على البلد، وهنا أقترح بعض الأسماء التي تتوفر فيها شروط النظافة، والتاريخ الحافل بالنضال و الاخلاص للوطن بالدرجة الأولى، والحزب بدرجة ثانية، فهم أصحاب الأيادي النظيفة، أصحاب مبادئ و أخلاق، وقد تعرضوا للتهميش والإقصاء، ويعرفون معنى ذلك جيدا. هؤلاء يأتي على رأسهم : المناضل عبد الكريم عبادة (مسؤول التنظيم الأسبق)، والمناضل بشير خلدون و الدكتور علي بن محمد، هذا على سبيل المثال لا الحصر، لأن من هم بصفاتهم كثير وموجودون في كل الولايات، وحتما ستكون الفرصة الأخيرة لبقاء الحزب، أو وضعه في المتحف حفظا لماء الوجه، وحفظا لما تبقى مما يمثله الحزب من موروث شعبي، ضم كل الأطياف أثناء الثورة، وتفرقت به السبل بعده، ويعاني الشتات حاليا، وبينه وبين المتحف إلا خطوات، فإما نجدته بالتصحيح والتقويم، وإلا فالمتحف أرأف به، احتراما للتاريخ، ولتضحيات الشهداء، ونضال المناضلين النزهاء والمخلصين. هي نصيحة صادقة من قلب من ناضل صادقا وأقصي كما أقصي كل الملتزمون وما أكثرهم في وطننا المفدى.