أثناء المصادقة على مخطط عمل الحكومة بعد أن تم تمرير مخطط عمل الحكومة في الغرفتين وبالأغلبية الساحقة (الماحقة) ومرافعة الوزير الأول في رده على أسئلة النواب في نقاش هذا المخطط وقبل ذلك ما تبع النقاش العام لهذا المخطط من نقد لمجموعة معتبرة من نقاطه، يكون من اللازم أن نقول أن هذا المخطط ليس مأمول منه الكثير ولا يمكنه أن يأتي بالكثير ولا يليق بنا أن ننتظر منه الكثير ببساطة لأن من أعد وصاغ وأشرف على كتابة هذا المخطط هم أنفسهم الذين كانوا بنفس الإجتهاد والمداومة والانضباط في كتابة مختلف النصوص التي قدمتها الحكومات المتعاقبة للرئيس السابق ومحيطه، فهو نص لم يكن ليختلف كثيرا عما عرفناه من نصوص حكومات أويحيى وبلخادم وسلال وبدوي، وعليه فالمحصلة أنها عبارات وتراكيب تطرب لها الأذن، لا يجمعها الواقع ولا يستسيغها العقل تماما. ومن بين النقاط التي استرعت اهتمامي في هذا المخطط على كثرتها أقف عند تفصيلة وفصل رئيسي فيه، وهو ما يجعل من المعالجة تتجه أساسا إلى هذين العنصرين ولا تنفي مشاركتها ببعض من الأفكار والتصورات من هذا الأخير . أولا: الفصل بغض النظر عن الأفعال المستخدمة في صياغة الفصل الثالث (من أجل تنمية بشرية وسياسة اجتماعية مدعمة ) والتي كانت في مجملها أفعالا تم تصريفها في المستقبل وسبقها في المجمل حرف التاء (المستقبلي) وما يحمله ذلك من أن لغة الإنشاء و الخطاب في النص ليست قادرة على وضع "ميكانيزم" حقيقي للأداء والقياس والمراقبة، وما ينتج عنه أيضا من عموميات في المرافعة والمراجعة والنقاش، فالذي يمكن أن يفهمه المُتابع لمنهجية السلطة في إعداد السياسات العامة هو منطق الآنية وليس الإستشراف، لأن الذي يود أن يحقق كل الأفعال التائية المستقبلية (إن صح التعبير) لا يمكنه أن يستند في إدارة الدولة على التراكيب اللغوية الجميلة وغير القابلة للقياس. أما بخصوص الفصل الذي يمكن لنا ان نقول أنه كان من أكثر الفصول أهمية لو كان في النص الكثير من تفاصيل الإنجاز والتنفيذ والرقابة والتقويم. إن الفصل الأول في مخطط الحكومة والذي عنونته مصالح الوزارة الأولى (تعزيز دولة القانون وتجديد الحوكمة)، فإنه قد حمل الكثير من العناصر ذات البعد التخيلي وغير والواقعي في إدراة مؤسسات الدولة، ذلك أن رجل الدولة وصاحب المسؤولية أو المسؤوليات لا يمكنه أن يقنع أو يفاوض أو يخاطب بمثل اللغة التي حملها الفصل الأول في محاولاته لتعزيز موقعه أو سلطته، فالعناصر التي برزت كثيرا في هذا الفصل لم تختلف كثيرا عن طموحات برنامج انتخابي لحزب سياسي وليس سياسة عامة للسلطة أو الحكومة، وهذا مطب كبير وجب أن تنتبه له الجهات المسؤولة عن مثل هذه النصوص، فخطاب الدولة لا يمكنه أن يكون مرتبطا بالمواعيد أو التواريخ المفصلية في حياة السلطة (الحكومة) بل هي خيارات وسياسات تمتد إلى ما بعد السلطة وما بعد الرئيس وما بعد العهدة الإنتخابية . من بين المؤشرات الكثيرة التي يمكن أن يناقشها أو يفصل فيها المهتمون حول ما ورد في الفصل من القضايا التي توجب الإهتمام والدراسة اللازمة، والتي تعبر عن خيارات سلطوية وليس (دولاتية) وهو ما يجعلها رهينة خيارات متحولة مرتبطة بظرف سياسي وليس بمتطلبات الدولة والمواطنة. عندما يناقش المخطط (المجتمع المدني) وفق "ما يسمح ببروز مجتمع مدني حر وديناميكي، قادر على أداء دوره الكامل كمرافق ومقيِّم للعمل العمومي الموجّه لخدمة المواطن حصريا." فإن المبدأ في ظاهره يضع الجمالية على النية ولكنه ينزع عنها الواقعية في التحقق، لأن المجتمع المدني الذي تصنعه الحكومة (على عينها) لا يمكنه أن يكون فاعلا ومرافقا ولا مقوما، بل سيظل وسيبقى أداة سياسية تتحرك بمتطلبات الظرف و اللحظة، وهنا لا نناقش عدم الخضوع للقانون بل نناقش فكرة الاستقلالية التي تتطلب آليات غير الذي أوردها المخطط. أما الفكرة التي تجعلني أقف عاجزا عن فهمها أو مستوعبا لأبعادها أو متخيلا لنتائجها هي فكرة (أخلقة الحياة العامة)،حيث جاء في المخطط (ستواصل الحكومة أعمالها من أجل مكافحة الفساد بجميع أشكاله، من خلال إصلاح مصالح الدولة، وأخلقة عمل السلطات العمومية وضمان شفافيته). فإذا كان القصد منها محاربة الفساد فكان يكفي أن نضعها في محور العدالة، وإذا كان القصد إعادة النظر في إدارة المال العام فكيف أن نحققها بآليات رقابية توضع في الفصل الثاني، وإذا كان القصد منها مواجهة تسلط المكاتب ومجمل أمراض الإدارة فإن الفصل الثالث أولى بها وإذا كان القصد منها إعادة تأهيل المجتمع أخلاقيا فإن هذا لا يمكن أن يعقد عليه العزم في مخطط سنوي للحكومة، بل هو استراتجيات واستشراف وبرامج وتشابك مؤسسي ووظيفي قد يمتد إلى سنوات وليس إلى عهدات انتخابية. وبالتالي فإن مبدأ أخلقة الحياة العامة لا يمكن لأي كان أي يعلنه كهدف إلا إذا أعد له عدة اجتماعية وثقافية واقصادية وتربوية ودينية وفي الأخير سياسية لتحقق قانون الأخلقة الذي تنشده السلطة . أما عن النقطة الأخيرة التي أناقشها في هذا الفصل فهي (عصرنة الإدارة والوظيفة العمومية)، هذا العنصر الذي رافعت لأجله أكثر من ست حكومات، ومن دون أن يتحقق أو يرى تجسيدا متكاملا وليس مجموعة تجارب إدارية معزولة عن بعضها، تفتقر للتصور الكلي والشامل لمفهوم الرقمنة. إن الرقمنة أو التحول الرقمي الذي تريد أن تحققه الحكومة لا يعني أن نقضي على استعمال الورقة في المعاملات الإدارية وفقط، بل هو مسار ينسجم مع تحول إجتماعي ومجتمعي تكون للرقمنة موقع متقدم وفاعل في إطار تحقيق التنمية الإنسانية التي تسعى لها كل المجتمعات، أما أن تقتصر نظر صانع القرار في نقلة إدارية تفتقر إلى بنية تحتية رقمية تدعمها بيئة وحاضنة اقتصادية (عامة وخاصة) ترافقها استراتيجية تعليمية وتثقيفية تواكبها، فإن الرقمنة ستبقى محصورة في الجزائر ببعض التعاملات من دون أن تكون قادرة على تحقيق الاختراق الرقمي اللازم لمفهوم مجتمع المعلومات والرقمنة والابتكار. ثانيا: التفصيلة مما رافعت عنه في مرات عديدة الحكومة والوزارة الوصية وقبلهم رئاسة الجمهورية بخصوص موضوع تطوير أداء الجماعات المحلية وجعلها قادرة على استيعاب التحولات وقادرة على خلق الثروة ولها إمكانيات في معالجة مشاكل المواطنين، تلجأ الحكومة مرة أخرى إلى أن تجعل من الجماعات المحلية رديفا للفعل الجانبي والهامشي في الأداء الحكومي والمحلي على السواء، فما معنى أن يتم التطرق لهذا الموضوع الهام وشديد الحساسية والمتداخل مع يوميات إدارة الشأن العام من خلال النقاط التالية وباختصار مخل بالموضوع والفهم؟ هذا ماورد في مخطط الحكومة عن الجماعات المحلية: - مراجعة قانون البلدية والولاية، من أجل تعميق اللامركزية وتعزيز صلاحيات الجماعات المحلية ومواردها من جهة، وإعادة تحديد صلاحيات واختصاصات الدولة والجماعات المحلية من جهة أخرى؛ - تنصيب الولايات المنشاة حديثًا؛ - تحويل الهيكل الإقليمي للبلاد من خلال إعداد تنظيم إداري يتماشى والحقائق الجديدة البلاد. ثم يأتي رد الوزير الأول على أسئلة النواب ليذكر التالي: (سنشرع في تنصيب ورشات إصلاح قانوني البلدية والولاية بداية من الشهر القادم). إن هذه التفصيلة التي قد لا تهم الكثير، ولكنها في كثير من الجهات والمستويات والمسؤوليات لها وقعها ودورها وثقلها، لأنه بكل ما يعنيه هذا التهميش و الإقلال ونقص الجدية في معالجة ملف الجماعات المحلية بروح المسؤولية والاقتدار، فإن الحوصلة تنتهي بنا إلى أن السلطة والبناء التنظيمي للدولة في الجزائر لا يزال يرى قصورا في المنتخب وأسبقية وأفضلية في المعين أو لنقل في القرار المركزي الذي يعيق ويلف القرار المحلي. وهذا الأمر ليس بالمستحدث ولا الجديد بل هو قاعدة تترسخ مع كل موعد انتخابي حيث تعالج قضايا الجماعات المحلية برؤية انتخابية ضيقة ترفع الحرج عن السلطة المركزية من خلال مبدأ (حرية الاختيار) للشخوص، وتسيير للوحداث الإقليمية وفق (منطق الإجبار) أو الإضعاف. إن ما ورد من نص في مخطط الحكومة وما تبعه من إجابة للوزير الأول لا تنسجم ولا تتفق في فهم حقيقة المشكلات ولا في آليات الحل، ولا يمكن أن تكون البلدية / الدائرة / الولاية، قادرة على أن تقوم بأدوارها في ظل تعسف مركزي لا يقبل أن تتراجع السلطة المركزية عن الكثير من صلاحيات الرفض و القبول، المنح والمنع، الإيجاب والرفض، وتجريد السلطات المحلية (المنتخبة) من كل صلاحية أو مسوؤلية فعلية يمكنها أن ترفع من قدرات وكفاءات التنمية المحلية. إن من يعلم هذا الواقع في البلديات والولايات في الجزائر لا يمكنه إلا أن يفهم وينتهي به الفهم إلى أن يعطي للسلطة العلامة الكاملة في عدم القدرة على إدارة ملف التنمية الحقيقية في الجزائر وهو الأقاليم المحلية، التي يُنتظر منها أن تكون صانعة للثروة ومدخلا لحل المشاكل المتراكمة للمواطنين، وغير ذلك فكل ما في الأمر هو تمرير مواعيد انتخابية وانتظار موعد انتخابي آخر. للبقاء على اطلاع دائم بالأخبار عبر جريدتكم "الجلفة إنفو" الإلكترونية و تلقي الإشعارات، قم بتحميل تطبيق الجلفة انفو