المرأة في العالم الغربي لا زالت تقتحم كافة الميادين وتزاحم الرجال في معظم المهن على اختلاف أنواعها، فالنساء هناك يقدن الحافلات والشاحنات والقطارات أيضاً ومن النادر أن تجد عملاً يقتصر أداءه على الرجال...فإذا كان هذا هو حال المرأة الغربية فإن صورة المرأة العربية المسلمة ليس كذلك بسبب عوامل عدة تعود الى العادات والتقاليد وطبيعة تركيبة المجتمع التي لا تسمح للمرأة لممارسة بعض المهن. كل هذه الظروف لازالت تضغط على المرأة وتمنعها من إبراز طاقاتها لاثبات وجودها في المجتمع الذكوري... ومن بين النوادر في هذا المجال ومن بين زحمة السيارات والشاحنات يطل وجه نسوي صغير يجلس خلف مقود حافلة كبيرة مثيراً لانتباه كل من يلاحظه في ولاية الجلفة! فمن هي هذه الجلفاوية القادمة من حي "بيرو عرب" والتي تقتحم الشوارع بحافلتها وفي أول ظهور لها خصت "الجلفة إنفو" بهذا الحديث الحصري: البطاقة الشخصية : الآنسة حسن عوالي منى – من مواليد :01/01/1987 بالجلفة . التحصيل العلمي : - عامل تحصيل في الإعلام الآلي، ديبلوم إسعاف أمومة، ديلوم خياطة، ديبلوم حلاقة، شهادة ميكانيك تصليح المركبات وعن بداياتها خلف المقود قالت لنا السائقة "منى" : " لقد بدأت السياقة في سن الخامسة عشر وبعد بمبادرة وتشجيع من والدتي التي يعود لها الفضل الكبير في إتقاني لهذه المهنة ورغم اتقاني لفنون القيادة إلا انني لم اتقدم للحصول على رخصة القيادة سوى في عام 1992 حيث حصلت حينها على رخصة سياقة من فئة خصوصي . بعد حصولي على رخصة الخصوصي ، بدأت الرغبة تتملكني في الحصول على رخصة قيادة المركبات الكبرى ومن النوع الثقيل وساعدني على هذا التوجه كون لي خبرة ميكانيك في المركبات الكبرى والشخص الذي تكونت عنده يملك سيارات وشاحنات الوزن الثقيل.. وتتابع محدثتنا : لم تتوقف أحلامي في العمل على الميكانيك وهذه المرة بدأ حلم الطفولة يراودني وهو الحصول على رخصة لقيادة الطائرة ولكن للأسف لم يكتب لي ذلك، و لقد أجتهدت حتى وصلت إلى قيادة أكبر مركبة بولايتنا وهو أمر ليس بالسهل و ما شجعني هو الصدر الرحب الذي لاقيته من السيد المدير الأستاذ "سالم بن يطو" الذي أكن له كل الشكر والإمتنان وزادني حافزا للمضي قدما نحو هذه المهمة الصعبة، وتستذكر "منى" إصرارها وهي صغيرة على اخذ صورة صغيرة على مقعد الحافلة في إحدى الرحلات المدرسية ولم تكن حينذاك قد تجاوزت الثالثة عشر من العمر.. لم يشأ أهلي أن يقفوا في طريق تحقيقي لهذا الحلم أيضاً وبالفعل بدأت بأخذ دروس السياقة اللازمة التي تؤهلني للحصول على رخصة قيادة الحافلة . صعوبات المهنة وعن الصعوبات في مجال مهنة قيادة الحافلة تقول "منى" : الحمد لله لم اشعر بأي نوع من الصعوبات في أداء مهنتي كسائقة حافلة، فأنا أقوم بقيادة الحافلة من عدة نقاط بالجلفة وأمر بأحياءها بشكل طبيعي جدا لدرجة أنني مررت بجميع الخطوط المخصصة لنا بالتنقل عبرها ، ولا يفوتني أن أشكر زملائي في هذه المهنة فهم يحترمونني وفي أحياناً كثيرة يعطونني الفرصة لقيادة حافلتي قبلهم حتى لا أضطر للانتظار طويلاً في الدور. المواقف الطريفة نظرات المارة وسائقي السيارات الاخرى الذين يبدأون بالتمعن وتدقيق النظر للتأكد بأن الحافلة التي تسير في الشارع تسوقها امرأة هي من اكثر المواقف الطريفة التي اتفاجىء بها عادة الامر الذي يجعلني بأن السائق الذي يحدق بي قد يتعرض لحادث او يرتطم بشيء على جانب الطريق نتيجة عدم تركيزه للحظات على مقود سيارته .. وكثيراً ما اقرأ على شفاه الناس ما يريدون البوح به ... " إمرأة تقود حافلة غريب ؟؟" وتتراوح نظرة الدهشة على وجوه الناس من شارع إلى آخر ففي الجلفة الامر يعتبر غير عادي لأن الامر ملفت للنظر في أي مكان ولكن ليس بنفس المقدار الذي هو به في الجلفة مقارنة بالعاصمة ووهران يعني كبريات المدن الجزائرية. وعن موقف الأهل تقول "منى" : إن أهلي يشجعونني وكثيراً ما نذهب لزيارة اهلي وانا اسوق سيارتنا بنفسي ولا أستطيع ان انسى الدور الايجابي والكبير لوالدي الذي إعتبرني رجل البيت بعد إخوتي ولولا دعم أهلي المعنوي لما إستطعت اكمال المشوار. أما السيد المدير العام الأستاذ "سالم بن يطو" يقول عن الموظفة الجديدة : لقد شعرت أنها تمتلك المقدرة على القيام بهذه المهمة الصعبة، لذلك قمت بتشجيعها وتهيئة الظروف الملائمة لها لكي تستطيع أن تتعلم وتعمل في نفس الوقت ، فالعمل عبادة خاصة إذا كان عملاً محترماً لا يعيبه شيء وأنا اسمع الكثير من ردود فعل الناس ، فمنهم من يشجع ويحترم الخطوة ومنهم طبعاً من يسخر او يمانع واعتقد بأن لكل شخص الحرية في إبداء آراءه حول الموضوع .. ويتابع قائلاً : الحرية والديمقراطية ليست بالمظهر او المكياج او اللباس او الخروج وغير ذلك من الامور السطحية ، ولكن الحرية تكمن في النفس العزيزة الكريمة القادرة على التواجد والعمل بشكل كريم وأعتقد بأن عطاء وامكانيات المرأة لا تقل بحال من الاحوال عنها عند الرجل فالمرأة تعتبر أختا وأما وهي تساهم بشكل كبير في بناء الأسرة. مراسل "الجلفة إنفو" رفقة المدير العام لمؤسسة النقل الحضري، و السائقة منى وعن مدى إتقان السائقة "منى" لفن القيادة وتقييمه لها قال السيد المدير العام : إنها سائقة ممتازة جداً سريعة الحدس والبديهة وتمتلك ثقة عالية وسرعة إنتباه وبصبرها لمدة 7 ساعات قيادة يومية الأمر الذي فاجئني كثيراً وأعتقد بأن إمكانياتها في القيادة تفوق كثيراً مستوى طموحها وتكاد تفوق الرجال الذين قدموا الى المؤسسة من أجل الحصول على وظيفة عمل. ويضيف السيد "بن يطو" : إن الآنسة "منى" هي أول فتاة جلفاوية تتقدم للحصول على وظيفة القيادة للحافلات الكبيرة وقد اجتازت الإمتحان النظري والتطبيقي من أول مرة وأعتبرها كقدوة للفتاة الجلفاوية التي تكمل مسيرة المرأة النضالية التي جاهدت وضحت من أجل هذا الوطن الغالي وسوف تكمل المسيرة والرسالة الثورية. وعن كلمتها الاخيرة قالت السائقة "منى": " أتمنى أن تأخذ الفتاة الجلفاوية حقها ودورها وأن لا تتراجع مهما كانت الأسباب .. ومن المهم بمكان أن تتمتع بثقة كبيرة بنفسها وفي الامور التي تقدم عليها وان لا تكترث بكلام الناس لأنه كثير ولا يشبع جوعان . وتمنت محدثتنا بأن يقف الجميع إلى تشجيع عمل الفتاة في مجالات كسياقة لحافلات والنقل الحضري والدكاكين لأن فيه من يحتاج لمثل هذا الشغل وهو محترم ومحبذ من جميع طوائف مجتمعنا وللحفاظ على تقاليدنا وشريعتنا وما عملي هذا إلا لرؤية بسمة ودعوة أمهاتنا وآبائنا، و كلما نظر إليّ أحدهم وتبسم لي تزيدني قوة و عزما وحافزا وصبرا على صعوبة مهنتي لأن المرأة بحاجة لمثل هذا الدعم في مجتمع كمجتمعنا حيث ينعكس نضوج المرأة وبلورة شخصيتها بشكل إيجابي على علاقتها بأسرتها بشكل خاص وبالمجتمع بشكل عام. أشكركم جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة لي لكي أتحدث عبر منبركم الأغر بكل حرية وأعبر عن مدى سعادتي لما وصلت إليه .