في حوار لسامي كعباش مع الشاعر رابح ظريف قال عنه إنه " من أصحاب الكتابات الشعرية والروائية المؤسس لجيل إبداعي جديد عبر عدة مجموعات شعرية منها (العودة إلى الجنة) 1997، (فاكهة الجمر) 2002 عن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، (التشكل في الغمام) 2007 عن منشورات عاصمة الثقافة العربية إضافة إلى روايته «قديشة». نال الشاعر جوائز عديدة منها: جائزة رئيس الجمهورية «علي معاشي» لقب شاعر الرسالة بالبرنامج التلفزيوني «أمير الشعراء» بأبو ظبي2008. إضافة الى عمله كصحفي بإذاعة المسيلة الجهوية شارك رابح ظريف في عديد الفعاليات الثقافية وطنيا ودوليا" ومن هذا المدخل يعتبر الشاعر رابح ظريف من أهم الأصوات الأدبية في الجزائر التي نالت عدة جوائز وطنية ودولية، كما أن له رؤى متعددة في مجال الفكر والأدب، يعتبره البعض مهموما بالمثقف هذا الذي قال عنه إنه ما يزال "رهين عدة عوامل قاسية ساهمت بشكل ما في تغييبه على الساحة، منها - على حد تعبيره - الهوية التي وصفها ب”غير رسمية” والتاريخ الذي لا يزال جزء منه مسكوتا عنه، حيث أشار إلى استحالة التحرك والمبادرة لبناء الذات أو ترميمها من جديد دون الوصول إلى الحقائق الخفية". قالت عنه رجاء صديق في حوارها معه "هو مثلث متساوي الأضلاع مكون من الثقافة..التواضع...العمل الجاد.. شاعر يسوق الكلمات في تتال محكم الترتيب..الشعر لديه هو مجمل الوجود..هو الحب ..هو النبض..هو الإبداع الجميل.ينسج فرائد حروفه لتمطر من غيمة تكون كافية لتنبت ورودا في حنايا القلب" وفي حوارنا معه هذا الذي خصصناه حول ما يحدث في مصر خاصة بعد بيان المثقفين الجزائريين الذي بادر به الشاعر رابح ظريف، واتجهنا إلى محاولة فهم طبقة من المبدعين والمثقفين الجزائريين وكيفية تعاملهم مع هذه الأحداث السياسية التي لا تخلو من ثقافة، لأن الثقافة هي الآلية العليا لفهم الأدوار الحقيقية التي يخوضها المبدع، وليس هناك –كما يعتقد البعض- مباني عالية من الإسمنت بين الثقافة والسياسة. - في البداية وكغيري من المتابعين أود أن أعرف كيف حدثت "عدم الشرعية" مع أن الشعب كما شاهدنا عبر القنوات المصرية هو الذي قرر وخرج إلى الميادين، لأنه كما –عبروا عن ذلك- لم يقتنع هذا الشعب بالرئيس مرسي ولا يريد أن يضيع الكثير من الوقت وينتظر أربع سنوات إذا كان الشعب هو مصدر السلطة لا الصندوق، وفي اعتقاد الكثير أن ذلك الزمن سيحول الإخوان إلى أخطبوط يوثر سلبا على الوطن؟ ما يحاول الإعلام المصري الآن نشره أن كل من يقف مع الشرعية هو مع الإخوان،، لا .. إنها فكرة إلغائية مبنية على " إن لم تكن معي فأنت مع الإخوان ".. أولا أود أن أشكر مجلتكم على المتابعة والاهتمام بالشأن الثقافي الوطني، وبالعودة إلى سؤالكم، فإن هناك بعض المفاهيم ينبغي مراجعتها وإخراجها من دائرة التسليم والتقديس وإخضاعها للعقل والمنطق، لا يمكن أن نعّرف الشرعيّة إلا بمنظومة آليات ووسائل اتفقت كل المنظومات السياسية والفكرية على وضعها واعتمادها سبيلا واحدا أوحدا للحكم الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية المدنية، ولعلّ أوّل آلية للحكم الديمقراطي هو الصندوق وما يرافقه من عمل سياسي مدني بحت، ورقابة قضائية وشراكة لمختلف فعاليات المجتمع المدني، يعني لا توجد شرعية من غير الصندوق والانتخابات الحرّة والنزيهة، وأي سلطة تأتي من خارج الصندوق هي سلطة غير شرعية لأننا لا يمكن أن نتأكد من مشروعية فلان وعدم مشروعية من خلال حكم بصري عيني على متظاهرين خرجوا لاسقاط الرئيس وتم استغلالهم لتعيين سلطة سياسية آخرى تتناسب مع العسكر. هناك نقطة أخرى أشرتم إليها في سؤالكم وهي ما تعلّق بخروج الشعب كما شاهدتم عبر القنوات المصرية، وهي نقطة مهمة تؤكد لا شرعية الانقلاب، فنحن نعرف الإعلام المصري جيدا ولا نجد أي صعوبة في مدى إدراك الخداع الذي مارسه على الشعب العربي كم مرّة، سيما وأنه إعلام لا ينبني على التخصص ولا على الاحترافية، فمن يسمون نفسهم إعلاميين مصريين هم في الحقيقة مجموعة من الفنانين والممثلين والرياضيين تم استغلال أسمائهم وشهرتها للترويج للقنوات التي يشتغلون بها، وملّاك القنوات بصفة عامّة محسوبون على النظام المصري السابق الذي حاول كم مرّة توريث الحكم على حساب الشعب الجزائري وثوابت الشعب الجزائري، بل ذهب الى حدّ الحكم إذا كانت الشرعية ليست قانونا جامدا فليعطونا تفسيرا جديدا لها، لكن ليس العسكر والبلطجية وقوى الأمن هي من تحدّد المفهوم الجديد للشرعية، إنما رجال القانون والخبراء والمفكرون على شهداء الثورة المباركة أنهم مليون ونصف مليون لقيط ومليون ونصف مليون جزمة.. في النهاية لا يمكن إعطاء شرعية لأي طرف سياسي على حساب طرف آخر بالاحتكام إلى قاعدة بصرية عينية، لأنها ستؤسس لنوع جديد من ديمقراطية الفوضى والعبث، ويصير بإمكان أي مؤسسة عسكرية الاحتكام الى الشارع والتظاهر لتغيير النظام، مهم جدا ان نحتكم للشارع من اجل اسقاط انظمة لطاما زورت الانتخابات ولم تعمل بمبدإ التداول على السلطة كما هو الحال مع النظام السابق لحسني مبارك وبن علي وعبد الله صالح والقذافي، لأننا ندرك أن تلك ديمقراطيات شكلية لا توجد إلا على الورق وعلى مستوى الخطاب الرسمي الذي يتاجر بمبادئ الدولة المدنية بغرض الاستبداد وقمع المعارضة وممارسة اللصوصية السياسية في أرقى حالاتها، لكن أن نحكم على رئيس لم يمسك الحكم إلا سنة واحدة، ونطلب منه أن يصلح حال مصر التي تحتاج إلى عقود من الزمن لإصلاحها هو بحد ذاته حكم عاطفي سياسي قمعي ، هو حكم تعجيزي يراد من خلاله إسقاط الرئيس مرسي وأعتقد أن الأسباب واضحة، مرسي تسّرع في قطع العلاقات مع سوريا وسمح لخالد مشعل بدخول قصر الرئاسة المصرية بعد أن كان محرما عليه، مرسي أراد أن يستعيد التجربة المدنية التركية التي تزعج إسرائيل ورغب في بناء اقتصاد قوي يعتمد على قناة السويس، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد الإماراتي.. يعني بكل بساطة ما رأيناه من تلفيق لعدد المتظاهرين في ثورة 30 جوان ورد فعل العسكر السريع هو مسرحية خطّط لها العسكر والعلمانيون المتطرفون منذ سنة، بعد أن استجمعوا قواهم بعد سقوط حسني مبارك. ثم قضية أن الإخوان سيتحولون الى إخطبوط هذا موضوع لا يمكن الحكم عليه، لأنه لا توجد تجربة سياسية آخري في العالم أمسك فيها الإخوان السلطة حتى نحكم من خلالها على الإخوان، هي مجرّد تخوفات وهواجس لا غير.. ولعل تجربة الإخوان في المغرب لم تؤثر أبدا على مسار الديمقراطية في هذا البلد.. - هناك من يعتقد أن الشرعية ليست قانونا جامدا.. يقولون إنها في هذا الوضع بالذات لا تخدم ثورات مصر وحريتهم، ما رأيك؟ ليس هناك من يعتقد هذا الاعتقاد إلا الانقلابيين الذين سرعان ما يعطون ظهرهم للديمقراطية عندما تسير عكس مصالحهم، وهذا طرح أقرأه كثيرا هذه الأيام بعد انقلاب العسكر في مصر، وقد قلت قبل أكثر من سنة أن العلمانيين العرب وأضع العرب بين قوسين قد راحوا ضحية خطابهم السياسي والفكري الذي أسسوا له منذ عقود من الزمن، ذلك أنّ مردّ هذا التوجّه الجديد في فهم الديمقراطية والإدعاء أن السلوك الديمقراطي هو ثقافة بالأساس من شأنه أن يعطي للممارسة الديمقراطية طابعا هيوليا يفسّره كل نظام كما يشاء، ومنه يمكن أن تكون الديمقراطية مجرّد وسيلة لحماية مصالح الأنظمة بشكل آخر بعد أن تخلصت الشعوب من عقدة الخوف التي كانت الأنظمة نفسها تستمد منها أي عقدة الخوف مشروعها الاستبدادي. بيان المثقفين الجزائريين كان إنسانيا بحتا ولا علاقة له بدعم الإخوانثم من يدّعي أن الشرعية ليست قانونا جامدا؟؟ هل تعرض هذا المفهوم مؤخرا لنقاش حضاري وفكري وقانوني خلصنا من خلاله إلى هذه الفكرة؟؟ لا أعتقد .. إذا كانت الشرعية ليست قانونا جامدا فليعطونا تفسيرا جديدا لها، لكن ليس العسكر والبلطجية وقوى الأمن هي من تحدّد المفهوم الجديد للشرعية، إنما رجال القانون والخبراء والمفكرون هم من يؤسسون فهما جديدا للشرعية وليس العسكر .. هذه مهمة قلم الرصاص وليست مهمة الرصاص. - إذا كان الإخوان بزعامة الرئيس قد تولوا السلطة عن طريق الصندوق، هذا يعني أن أكثر من نصف الشعب معهم، لماذا تحولوا إلى أقلية؟ من حدّد "نصف الشعب" أو أكثر من "نصف الشعب"؟؟ لقد قرأنا في وسائل إعلام حيادية وأجنبية ومراكز متخصصة أن عدد الذين خرجوا ضد مرسي لا يتجاوزون الثلاث ملايين.. وهي مراكز ووسائل إعلامية لا يمكن أن تغامر بمهنيتها التي اشتغلت عليها لسنوات عديدة ، بل بعقود من الزمن.. ثمّ أنّه لا يمكن كما أشرت في البداية أن نصدر أي حكم من خلال مشاهدة قنوات مصرية تعادي مرسي وتعادي الإخوان المسلمين، لأننا بالمقابل رأينا في وسائل إعلام محايدة أن العدد مبالغ فيه جدا، ثمّ إن الحكم البصري هذا يخالف قواعد العمل الديمقراطي، لأنه في النهاية أنت ترى من زاويتك الخاصة وأنا أرى من زاوية أخرى وهناك من يرى من زاوية مخالفة تماما، ما يؤكد أننا بحاجة الى زاوية واحد من خلالها نحكم على مدى شرعية الرئيس من عدمها، وهذه الزاوية لا يمكن أن تكون إلا الصندوق الذي يجب أن نحترمه جميعا وأن نقف خلفه طالما كان نزيها وشفافا، ولو واصلنا النقاش بهذه الطريقة لوصلنا الى موضوع آخر تماما هو التزييف الإعلامي للحقائق ووقوع الإعلام في فخّ اللامهنية المعروفة عن القنوات المصرية. - البيان الجزائري الذي صدر وكنت من حرّك هذه المبادرة في محاولة للوقوف مع الجانب الإنساني في القضية، هل هذا بدافع اتجاهات إخوانية حزبية أم أنك لا تنتمي إلى هذا التوجه وكانت الدوافع إنسانية بحتة كما قلت؟ انتمائي السياسي واضح ومنذ سنة 1997، كنت من مؤسسي تنظيم وطني طلابي يحمل أفكار حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثم أسست تنظيما شبانيا يحمل مبادئ التوجه الوطني أيضا.. ويعرفني الإخوان في الجزائر جيدا أنني كنتُ من أشد خصومهم السياسيين في الجامعة وخارج الجامعة، ولا تربطني أي صلة بأي تيار إسلامي في الجزائري، وهذا لا يعني العداء المطلق، لأن اختلافنا مع الإسلاميين في الجزائر مبرر وهو أنه لا توجد لدينا طوائف دينية تجعل من المسيحيين واليهود وكل من يعادي الإسلام يرتدي عباءة العلمانية ليبرر عداءه للدين كما هو الحال في مصر وسوريا مثلا، لدينا تاريخ إسلامي مشرف في الجزائر وهو تاريخ نعتز به، لذلك رأيت أنه لا يجب أن ننقل صراعنا السياسي والفكري مع الإخوان في الجزائر إلى إخوان مصر، لأن ظروف البلدين مختلفة تماما، هذا على المستوى الشخصي، على مستوى البيان كان إنسانيا بحتا ولا علاقة له بدعم الإخوان، لأن الإخوان الموجودين برابعة العدوية وميادين مصر لا يمثلون الا نسبة 15 إلى 20 بالمئة على أقصى تقدير، وهو ما يحاول الإعلام المصري الآن نشره على أن كل من يقف مع الشرعية هو مع الإخوان،، لا .. إنها فكرة إلغائية مبنية على " إن لم تكن معي فأنت مع الإخوان ".. هناك مساحة آخرى لا أنا فيها معك ولا أنا فيها مع الإخوان .. إنها مساحة الإنسانية التي انطلقت فيها من كوني شاعرا مبدعا قبل أي اعتبار آخر، ونددنا بكل انسانية بالمجازر التي راح ضحيتها العشرات من المعتصمين السلميين برابعة العدوية ومسجد القائد ابراهيم، فإذا كان انقلاب 03 جويلية نعتبره عسكريا فإنه بلغ مرحلة الانقلاب " الدموي" في 27 جويلية الماضي.. وأؤكد أن بياننا انساني بالدرجة الاولى ولا علاقة له بدعم الاخوان كفئة سياسية . – - رابح ظريف.. شاعر له حضوره الإبداعي، وله خبرة أدبية وثقافية متميزة، هل ترى أن الذي يقف مع السيسي – وهم كثيرون جدا- كجيش ضدّ مرسي كرئيس وليس كتيار إسلامي، هل ترى أنه خائن، أليست الحرية في اختيار المواقف كفيلة بالحفاظ على أدبية صاحب الموقف؟ هناك الكثير من الجزائريين من ينقل عداءه للدين وللإخوان في الجزائر إلى مصر، هذا خطأ كبير وتطرف غير مبرّر، علينا أن نراجع خلافاتنا من أجل الإنسان ولو مؤقتا، جيش مصر معروف بعلاقاته مع اسرائيل وهذا ما أكده أكثر من ناطق رسمي باسم الجيش المصري، وهذا امر طبيعي ناتج عن اتفاقيات السلام الموقعة بعد الهزيمة، إن الجيش المصري مستعد أن يدخل مصر في أزمة لا تنتهي لأنه ربط مداخيله المالية بمساعدات تضخها له اسرائيل من خلال الولاياتالمتحدةالأمريكية مقابل اتفاقيات السلام، الجيش المصري لا يمكن أن يتحصل على قطعة سلاح واحدة خارج اتفاقيات السلام، الجيش المصري والسوري والسعودي والأردني هي جيوش في الحقيقة تحافظ على أمن إسرائيل قبل أن تحافظ على أمن شعوبها وهو ما تأكد لنا بعد الربيع العربي، لا أتحدث هنا عن عداء الجيش المصري للإسلام أو دعمه لكل من يعادي الاسلام، ليس هذا رأيي بتاتا، إنّما الجيش المصري يعادي كل من يعادي إسرائيل ، ولقد تحدثت مع أحد رجال القانون المصريين وأكد لي أن تهمة التخابر مع حماس التي علّقها الجيش المصري في رقبة مرسي كدليل إدانة لا توجد في القضاء المصري، إنما هي تهمة صادرة عن النائب العام لتل أبيب، هناك وحش خطير وقوي، هناك دولة دينية خطيرة جدا اسمها إسرائيل ، هي التي يجب أن نعاديها وأن تتحرك دول المنطقة في مسار جديد وهو مسار بناء اقتصاد قوي كبديل عن المساعدات المالية التي تقتات عليها هذه الدول سيما مصر لتطعم أبناءها، المصريون يأكلون من ثمن بيع فلسطين وهذا لا يمكن أن يسكت عنه أي مثقف أو مبدع عربي.. في النهاية لا أحبذ أن أطلق عبارات التخوين والعمالة، لكن من يبرر قتل المدنيين والاستخفاف بالروح البشرية ويمنع الرأي الآخر من ممارسة حقه في الحياة وحقه في إبداء الرأي كما فعل الجيش المصري حين أغلق كل القنوات المعارضة له وزج بكل المعارضين في السجون وشرع في الاعتقالات العشوائية، لا يمكن أن أصفه بالديمقراطي أو الإنساني..