كانت درجة الحرارة يوم الأربعاء الماضي تزيد عن ال 45! والساعة تقارب الخامسة مساءً، عند وصولنا إلى بلدية «ونوغة» المحطة الأولى من زيارتنا لهذا الجزء من تراب ولاية المسيلة الذي اهتزت فيه الأرض يوم الجمعة 14 ماي الماضي، ومنها انتقلنا مباشرة إلى بلدية «بني ويلمان» المجاورة والأكثر تضررا في الزلزال الذي خلّف ثلاث وفيات من سكانها. ومنذ ذلك التاريخ الذي سيبقى راسخا في ذاكرة السكان، شهدت المنطقة زيارة عدد من أعضاء الحكومة وبرلمانيين لمعاينة الآثار الناجمة عن هذه الكارثة الطبيعية، والوقوف على الاحتياجات العاجلة للمنكوبين والمتضررين، من أجل التكفل بها في مرحلة أولى، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمحو آثارها بما يؤكد إلتزام الدولة بالوقوف إلى جانبهم في محنتهم، كان آخرهم وزير التربية الوطنية السيد أبو بكر بن بوزيد الذي تنقّل يوم الثلاثاء الماضي إلى المنطقة، للإطلاع على ظروف إجراء امتحانات شهادة البكالوريا تحت خيم مهيأة. نصب فوري للخيم أمام البيوت المتضررة عادة ما تكون الصورة التي تتكون في ذهن ومخيّلة أيّ منّا عند وقوع أي طارئ أو كارثة طبيعية، أن تكون سوداويّة، لأن الزلزال يعني الموت والدّمار والفوضى، لكن الأمر يكاد يختلف بالنسبة لسكان البلديتين المتضررتين من حيث الأوضاع السائدة حاليا هناك والتي تمّ التحكم فيها منذ أيامها الأولى، وهذا بفضل التدخل السريع والفعّال للسلطات المحلية وتجنّدها، ومن ورائها طبعا الدولة ككلّ، مما خفّف من هول الزلزال على المتضررين بصفة خاصة وسكان المنطقة بصفة عامة. وفي الواقع، فإن الصورة التي شاهدناها أثناء زيارتنا للمنطقة، نهاية الأسبوع الماضي، بعيدة عن السوداوية، رغم وجود خيم نصّبت أغلبها أمام العديد من البيوت الفردية المتضررة، وذلك بعد سويعات فقط من حدوث الزلزال. ورغم تأمين السلطات الولائية للمتوفر من الخيم والقيام بتوزيعها، إلا أن العملية استغرقت ثلاثة أيام على الأقل بسبب نفاذ المخزون منها على مستوى الولاية، وقد بلغ مجموعها 1761 خيمة بالنسبة للبلديتين. لكن ما يلفت الإنتباه أن نسبة كبيرة من هذه الخيم، التي استفادت منها جميع العائلات المتضرّرة وحتى غير المتضرّرة ظلت بعد مرور أكثر من 3 أسابيع على وقوع الزلزال شاغرة إلى حدّ اليوم، حتى من أبسط الأثاث؟!، وذلك على شاكلة البيوت الجاهزة ب «واد نشا» ببلدية «غرداية» التي كلفت خزينة الدولة الملايير، مع الفارق أن سعر الخيمة الواحدة يكاد لا يذكر مقارنة بسعر الشاليه. وقد أرجع البعض هذه الوضعية إلى عوامل نفسية بحتة بالدرجة الأولى، خصوصا في ظل استمرار الهزات الإرتدادية بالمنطقة، بحيث أن نصب الخيم أمام البيوت هو بمثابة إجراء وقائي، حسبهم. والي المسيلة: «نصب الخيم أمام البيوت كان نزولا عند رغبة أصحابها» أكد والي الولاية، السيد مانع محمد الصالح، ل «الشعب»، بأن «نصب الخيم أمام البيوت كان نزولا عند رغبة أصحابها الذين رفضوا إقامتها في موقع واحد على مستوى كل بلدية يجمع المتضررين، وهو ما جعل مهمة السلطات المحلية في البداية صعبة، خصوصا فيما يتعلق بعملية توزيع المؤونة والمساعدات على المتضررين والمنكوبين قبل أن يتم فيما بعد التحكم في الوضع». في هذه الأثناء، وضمن العمل الدؤوب لمواجهة إنعكاسات هذا الزلزال، تقوم اللجان المختصة التي أنشئت وفقا لتعليمة وزير السكن والعمران الصادرة يوم 24 ماي الماضي، بدراسة الملفات على مستوى كل من دائرة «سيدي عيسى» التي تتبعها إداريا بلدية «بني ويلمان»، ودائرة «حمام الضلعة» بالنسبة لبلدية «ونوغة»، وذلك بهدف تعويض السكان عن الأضرار التي لحقت ببيوتهم، حيث قام في هذا الإطار كما علمنا الصندوق الوطني للسكن على مستوى ولاية المسيلة بفتح مكتبين له بصفة مؤقتة بكلا البلديتين المتضرّرتين لتسهيل عملية منح المساعدات المالية لمستحقّيها، كما تمّ تكليف البنك الوطني للتنمية الريفية بحمام الضلعة لتولي هذه العملية. المتضرّرون: تدخل سريع وفعّال لسلطات الولاية شدّد بعض المتضررين في تصريحات مقتضبة، أدلوا بها لجريدة «الشعب» على التدخل السريع والفعّال للسلطات الولائية، حيث «كان والي الولاية أول من وصل إلى المنطقة بعد مرور نحو ساعة من الزمن على وقوع الزلزال»، لتتوالى بعد ذلك مباشرة وبالتدرج عمليات الإغاثة والتكفل بالمتضررين من حيث توفير ما يلزمهم من خيم وبطانيات وأفرشة ومواد غذائية.. إلى غير ذلك من احتياجاتهم اليومية، مؤكدين في هذا السياق، بأن جهود السلطات الولائية أثمرت بعد ساعات قليلة فقط من حدوث الكارثة في إعادة الكهرباء والماء الشروب بعد انقطاعهما، قبل أن يتم في اليوم الموالي تشغيل الهاتف. وثمّنوا في هذا السياق وقوف الدولة إلى جانبهم في هذه المحنة، من خلال الإجراءات العملية التي تمّ اتخاذها سواء على المستوى المحلي أو المركزي لاحتواء الأزمة، وكذا مختلف العمليات التضامنية والتدابير التي أقرّتها لفائدة المنكوبين والمتضررين للتكفل بهم وبانشغالاتهم، والجهود المبذولة لمحو آثار الزلزال. هذا الإلتزام يتجسّد بصفة جليّة حسب ما وقفنا عليه في أشغال ترميم المؤسسات التربوية والمرافق العمومية والخدماتية، التي لحقت بها أضرارا بالغة بعد أن اكتملت عملية الإحصاء، لتكون الأولى جاهزة لاستقبال التلاميذ في بداية الموسم الدراسي القادم كما وعد بذلك وزير القطاع على أن تنطلق قريبا عملية مماثلة تمسّ السكنات المتضررة الجماعية منها والفردية، وفقا للتدابير التي اتخذتها الدولة بهذا الشأن، وهي لا تقتصر على ذلك فقط، بل تتعدّاها إلى اعتماد برنامج إضافي للسكن الريفي، سيحدَّد وفقا للاحتياجات مهما كان الحجم حسب التصريح الذي ألى به وزير السكن والعمران، السيد نور الدين موسى، خلال زيارته للمنطقة، على أن يشرع فيها حال انتهاء خبراء الهيئة التقنية للبناء من عملية الخبرة المضادة وهي في مرحلتها النهائية. التعجيل بعمليات الترميم لضمان استمرار الخدمة العمومية وحسب والي الولاية، فإن الغرض من تعجيل الشروع في عملية الترميم وإعادة تهيئة المرافق والمنشآت العمومية، هو ضمان لإستمرارية للخدمة العمومية لتمكينها من العودة لتأدية مهامها في أقرب الآجال، بحيث لا تتعطّل مصالح المواطن، محددا في لقائه القصير مع «الشعب» أولوية الأولويات في الوقت الراهن في التكفل التام بالمتضررين ومواجهة الوضع الجديد الناجم عن الزلزال. وقال بهذا الشأن، على وجه الخصوص: «أول إجراء قمنا به مباشرة قبل التوجه إلى عين المكان، تم تنصيب خلية أزمة تحت إشراف الأمين العام للولاية، تضمّ مدراء تنفيذيين وعدة مسؤولين محليين مهمتها الأساسية السهر على حسن سير عملية الإغاثة ومتابعة الوضع عن كثب، والتنسيق بين مختلف المصالح المعنية»، وأشار إلى أن تدخل الحماية المدنية كان سريعا، حيث قامت وحدتها الرئيسية بعاصمة الولاية، بعد أقل من ساعتين على حدوث الزلزال بإرسال أول دفعة من الدعم، تبعها بعد ذلك بوقت قصير تنصيب مركز عمليات متنقل وعيادة طبية إستعجالية تحت الخيم. وشدّد ذات المسؤول المعروف عنه الصرامة والإستقامة على أن «التدخل السريع والفعّال للسلطات العمومية والدولة ككل، كان بمثابة بردا وسلاما بالنسبة للمتضرّرين الذين لم يعد هناك بعد مرور قرابة الشهر على زلزال 14 ماي ما يشغل بالهم، كما هو الحال أيضا بالنسبة لسكان المنطقة بصفة عامة»، مضيفا أن «ما يقلقهم هو استمرار الهزّات الإرتدادية التي تكاد تكون يومية، متسببة في خلق الذعر والخوف وصدمات نفسية هم في غنى عنها، بالنظر للظروف العصيبة التي مرّوا بها». وأضاف والي المسيلة «من أجل تمكين التلاميذ المعنيين باجتياز شهادة البكالوريا، قمنا بنصب 18 خيمة كبيرة بساحة ثانوية «المكمن» ببلدية «ونوغة» تتوفر بها كل الشروط اللازمة، بما فيها الإمكانات اللوجيستيكية التي تسمح بخلق الظروف الحسنة للممتحنين، وهي مملوكة للجيش الوطني الشعبي الذي يستحق الشكر والثناء على مساهمته...». لكن ما لفت انتباهنا ونحن نعاين آثار الزلزال، عدم تسجيل أي عملية إنهيار للسكنات الجماعية الحديثة بالبلديتين، باستثناء التشققات والتصدّعات، دون أن تمسّ الأساسات.. ولم تكن هناك ولا حالة واحدة لانهيار كلي للبيوت الفردية المشيّدة حديثا، باستثناء القديم منها والتي أنشئت على أسس غير سليمة وباتت بعد مرور الزمن هشّة تنقصها المناعة. آثار ومخلفات زلزال 14 ماي ستزول قريبا وبحسب مسؤول خلية الإعلام والاتصال على مستوى ديوان والي ولاية المسيلة الذي رافقنا في جولتنا إلى المنطقة المنكوبة، فإن حالات الإنهيار الكلي للبيوت قليلة جدا، وتقتصر على الهش منها والتي توجد خارج النسيج العمراني ل «بني ويلمان» و«ونوغة» وتقع بالقرى والمداشر النائية. ويمكن القول على ضوء ما شاهدناه وبناء على الإلتزامات التي تقدم بها أعضاء الحكومة الذين زاروا المنطقة أن آثار ومخلفات زلزال 14 ماي ستزول نهائيا من ذاكرة السكان ومن الوجود، بفضل المشاريع السكنية والجهود الإنمائية التي ستستفيد منها، فهي ستغيّر لا محالة من إطار معيشتهم ومن وجه المنطقة، وهذا ما تسعى السلطات الولائية إلى تحقيقه، لكن ذلك يتطلب منهم الصبر والوعي والتحلي بروح المسؤولية والإبتعاد عن اللوبيات وأصحاب المصالح الضيّقة الذين لا يتورعون في استغلال مثل هذا الوضع لخدمة مآربهم الشخصية فقط..!