يخطئ من يعتقد أن المغرب حرر الصحراء الغربية بمسيرة العار أو ما يصطلح على تسميتها ''المسيرة الخضراء'' مثلما يروج له ملوكه السابقون والحاليون عند حلول ذكراها المصادفة ليوم 6 نوفمبر من كل عام، حيث مازالوا يصرون على أن الحشود الجماهيرية التي مشت في مسيرة سلمية بأمر ملكي جاءت بالفتح المبين وأعادت الصحراء لأهلها ''المزعومين''، في وقت تعد هذه أكبر أكذوبة أطلقها الملك الحسن الثاني أمام وسائل الإعلام والرأي العام الدولي، للتغطية على غزو مسلح للأراضي الصحراوية تم أسبوعا قبل إعطاءه الأوامر للشروع في مسيرة العار، وبالضبط في يوم 31 أكتوبر 1975 مثلما يشهد له التاريخ ويتذكر تفاصيله أحد المقاتلين الصحراويين الذي التقته «الشعب» في منطقة ميجك بالأراضي الصحراوية المحررة..وتفاصيل أخرى عن بداية الكفاح ضد الغزاة الجدد للصحراء الغربية مباشرة عقب إجلاء المستعمر الاسباني لقواته من المنطقة. قبل كشف ما أراد الملك الحسن الثاني والمغاربة قبره، فضل المقاتل الصحراوي الذي يشغل حاليا منصب قائد ناحية عسكرية بالأراضي الصحراوية المحررة الخوض في تفاصيل التحاقه والكثيرين بجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، ليبين كيف أن الحماس الوطني وروح الانتماء للوطن المغتصب من أجج الرغبة بالانضمام إلى الجبهة في ظل الظروف الصعبة والحالكة آنذاك فلا الإمكانيات الضعيفة ولا التغذية المزرية ولا اللباس الرث أثنوا هؤلاء على الالتحاق بصفوف جيش التحرير وتقديم النفس والنفيس في سبيل أن يروا السلم والأمن يعم جميع الأراضي الصحراوية. من نواذيبو إلى الصحراء .. تلبية نداء وطن يقول المقاتل الصحراوي أنه شاء القدر أن يلتحق بصفوف جيش التحرير الصحراوي وعمره 17 سنة كان ذلك في شهر جويلية 1975 في الأيام التي كان المستعمر الاسباني جاثما على الصحراء الغربية..التحقت بصفوف جبهة البوليزاريو دون إشعار عائلتي فقد كان الحماس الوطني وحب المغامرة من دفعاني بعد أن اكتشفت أني صحراوي وليس موريتاني، حيث كنت اقطن في موريتانيا وعلاقتي بالصحراء الغربية التي كانت تسمى الصحراء الاسبانية في ذلك الوقت انحسرت في الزيارات العائلية لكن خلال هذه الزيارات والاحتكاك بالزوار والحديث اكتشفت إني صحراوي وليس موريتاني وفي ذلك الوقت كان لجبهة البوليزاريو مكتب بنواذيبو يلتقي فيه بعض المناضلين المتواجدين هناك على يدهم هؤلاء تأطيري، وفي سنة 1974 بدأت أتلقى الوعي السياسي والوطني وهذا ما زادني الحماس فأردت الالتحاق بجبهة البوليزاريو في سنة 1975 ولكن المكتب لم يوافق، فقررت أنا وصديق لي تكثيف إلحاحنا على مكتب البوليزاريو بنواذيبو من أجل الانطلاقة في شهر جويلية، وعندها وافقوا لنقرر ركوب قطار نواذيبو الزويرات ونحن محملين برسالة من مكتب الجبهة بنواذيبوا إلى مكتب الزويرات ولأن الوضع كان صعب في البداية وجدنا صعوبة في تبليغ عائلتنا وصلنا نواذيبوا، وبحثنا عن مكتب الجبهة سلمنا الرسالة ومكثنا فيها حوالي أسبوع في انتظار مجيء السيارات التي تنقل المنطلقين إلى مكاتب الجبهة. في الحقيقة درايتنا بالأرض والأسفار والصعوبات يوضح المقاتل الصحراوي كانت محدودة لذا صدمنا لما وصلنا الرابوني فقد اكتشفنا حقيقة لم تكن في الخيال مواقع وبنايات محدودة عدد كبير من الصحراويين ملتحقين بالجبهة لكن الإمكانيات ضعيفة، التغذية مزرية واللباس رث والماء الشروب غير موجود..اصدمنا بصعوبة الوضع وقلة الإمكانيات بانوراما التي وجدناها أمامنا مخالفة تماما لتفكيرنا وتوقعاتنا لكن رغم ذلك صبرنا وبدأنا نتعلم من جديد المفاهيم والمصطلحات ولغة الثوار، تدربنا لمدة شهرين تقريبا في مواقع سرية جدا تعلمنا خلالها مبادئ القتال والجندية لنعد بعد ذلك إلى الشهيد حافظ، حيث أمضينا أيام هناك بمنطقة قريبة واصلنا فيها التدريب ويوم 5 أكتوبر 1975 مساء استلمنا السلاح، وأتذكر في ذلك المساء جاءنا الشهيد الولي مصحوب ببعض الأسرى الصحراويين الذي كانوا عند المستعمر الإسباني ولم نكن نعلم أن الجبهة أجرت مفاوضات مع المستعمر الإسباني وقع فيها تبادل الأسرى فهمنا ذلك لما رأينا المجموعة التي تم إطلاق سراحها وهذه معلومات اكتشفتها فيما بعد، المهم ليلة استلامنا السلاح ليلة مغادرتنا إلى التراب الصحراوي كنا نشكل الفيلق الأول المدرب والمنظم من الجيش الصحراوي، ضمت الكتيبة آنذاك 112 فرد مقسمين إلى ثلاث فيالق بقيادة الأمين العام للجبهة حاليا السيد محمد عبد العزيز. أخذنا السلاح وغادرنا باتجاه الفارسية، والفارسية هي بئر حيث تمركزنا حولها لتأمين المياه والطريق العابر غربا مع واد الساقية باتجاه السمارةوالعيون على اعتبار أن نقاط المياه مواقع حساسة للتمركز العسكري وحتى المدني. بداية الغزو المغربي المسلح لم نكن نعلم شيئا عن تحضير المغرب لعملية الغزو بما يسمى المسيرة الخضراء يقول المقاتل الصحراوي فلم تكن لدينا أجهزة راديو ولا مواصلات ربما قائد السرية فقط لأنه كان على اتصال مع القيادة أما المقاتلين فلم نكن نعلم شيئا مهمتنا اقتصرت على تأمين المنطقة في انتظار انجلاء الإسبان من الأراضي الصحراوية، لأن المفاوضات قضت بانسحاب الاسبان وتسليم الإدارة للصحراويين. انسحب الإسبان فعلا من المحبس وحوزة والسمارة واجديرية وبقوا في العيون وبعض المناطق الأخرى وبقينا نحن متمركزين بالفارسية. وفي يوم 31 أكتوبر 1975 على الساعة الثالثة والربع صباحا، بينما كنت أنا وزميلي في الحراسة إذا بسيارة قادمة من الغرب تمر أمامنا وفيها شخصين سائق ومرافق له وعليها شيء أحمر، وكان معنا في الحراسة ثلاثة آخرين أيقظناهم من نومهم وقلنا لهم أننا شاهدنا سيارة عسكرية وكنا نتساءل على هذا الشيء الأحمر، البعض منا قال برميل لونه أحمر والبعض الآخر قال علم لكن لم يكن يدور في أذهاننا أنه علم القوات المغربية ونحن نتحدث ظهرت بدايات قوة عسكرية، ولأنه كان يحكمنا نظام صارم لم يكن بوسع حديثي التدريب الإقدام على الرماية أو التنبيه إلا بأمر القائد الذي كان على بعد 100 متر والذي كان ينبغي إشعاره بوجود شيء غير واضح. قبل وصول قائد الفصيلة وصلت القوة العسكرية المغربية إلى البئر، حيث كانت تحرصه مجموعة من فصيلة أخرى متكونة من 11 شخصا وهذه المجموعة هي من أسرها الجيش المغربي وتم رميها من طائرات الهليكوبتر أحياء. وكان في اعتقاد المغاربة يومها أنهم بإمكانهم التعتيم على هذه الجريمة وأنه في ظرف أسبوع سيتمكنون من السيطرة على الصحراء. نصف ساعة بعد ذلك جاءنا قائد السرية مشيا على الأقدام لأنه لم يكن لدينا سيارات وقال لنا أنه بداية الغزو المغربي أخذ مجموعة من فصيلتنا وهاجم المغاربة الذين سيطروا على البئر في الصباح، سمعنا قذائف بعيدة كنا نعتقد أنها مناورات للجيش الاسباني لم نكن نعرف أن الاسبان اجلوا قواتهم من شمال الصحراء وأن الاشتباك وقع بين مجموعة من الثوار الصحراويين والقوة المغربية التي دخلت من أم السيد باتجاه اجديرية بقوة ضمت حسب المعلومات حوالي 28 سيارة توزعت في مناطق اجديرية و الفارسية وحوزة. مسيرة العار تتكسر على صخرة المقاومة الصحراوية اشتبكنا مع القوات العسكرية المغربية بالفارسية يواصل المقاتل الصحراوي سرد أحداث الغزو الجديد للصحراء الغربية مؤكدا أن الغزو المغربي لم يقع على اثر خطاب الحسن الثاني الذي ألقاه يوم 6 نوفمبر، والذي أعطى فيه الإذن ب ''المسيرة الخضراء'' فقد كانت هذه أكذوبة عممها المغرب على وسائل الإعلام، حيث قال الحسن الثاني يومها أنه أعطى الأمر ب ''المسيرة الخضراء'' وحرر بها الصحراء الغربية وأخفى عن الرأي العام أنه بأسبوع قبل المسيرة الخضراء القوات العسكرية اجتاحت الصحراء الغربية بغزو مسلح، أما ما اصطلح على تسميته ''المسيرة الخضراء'' فقد وصلت إلى الحدود ثم عادت ولم تدخل إلى الصحراء الغربية لأنها وجدت أمامها الثوار الصحراويين في مواجهات مستميتة مع القوات المغربية التي لم تستطع تأمين الممر لها. وقبلها كانت المعارك انتشرت في الفارسية، جديرية وحوزة ثم انتشرت في السمارة قبل احتلال العيون العاصمة وقتها كان الاسبان يحيكون اتفاقية مدريد يوم 14 نوفمبر، والتي على إثرها تم تقسيم الصحراء الغربية إلى قسمين الشمال للمغرب والجنوب لموريتانيا هذه الأخيرة غزت الصحراء الغربية يوم 10 ديسمبر 1975. اكتسحت الحرب كل الشمال الصحراوي وكان جيش التحرير الصحراوي أمام مهمتين الأولى محاولة توقيف زحف العدو المغربي والمهمة الثانية نقل السكان إلى مناطق آمنة، سمينا المرحلة بالدفاع الإلزامي في ظل وضعية صعبة للغاية، حيث لم نكن نملك السلاح ولا وسائل النقل ورغم ذلك كل الصحراويين كانوا مصممين على التصدي للعدو بالرغم من صعوبة الظروف وكلهم انخرطوا في صفوف جبهة البوليزاريو ففي الأيام الأربعة لبداية الغزو المغربي التحق بنا حوالي 300 صحراوي كانوا مجندين في الجيش الاسباني. ايهود باراك ومأزق المغرب نظمنا بعد ذلك صفوفنا وطورنا أساليبنا القتالية، ثم تأسست الجبهة الشمالية التي كانت تحت قيادة محمد عبد العزيز، ثم الجبهة الوسطى بقيادة وزير الدفاع الحالي محمد لمين البوهالي يوضح المقاتل الصحراوي ولما بدأ الغزو الموريتاني من الجهة الجنوبية تأسست الجبهة الجنوبية الغربية ثم الشرقية، لأن الشهيد الولي مصطفى السيد طرح فكرة إستراتيجية الحرب الشاملة نتيجة قلة عدد أفراد الجيش الصحراوي، لذا أمرنا بانتهاج إستراتيجية حربية تفرض على العدو الانتشار عبر الأراضي من اجل خلق نقاط ضعف قابلة للإصابة من طرف هجمات البوليزاريو، وهذا الشيء الذي استدعى الوحدات الصحراوية لكي تضرب إلى أقصى الجنوب الشرقي من موريتانيا، وكان التركيز على الجبهة الموريتانية باعتبارها الحلقة الضعيفة من جبهة الأعداء واستمرينا في الحرب مع موريتانيا في وقت كانت مستمرة مع المغاربة في الشمال الصحراوي وحتى في الجنوب المغربي وكل المناطق الصحراوية التي تواجد فيها الغزو المغربي..الموريتانيين لم يستطيعوا مواصلة القتال لذا تدخلت فرنسا بطائرتها الحربية ضد مقاتلينا خاصة لما قمنا بعملية الفاتح ماي 77 التي تم اسر فرنسيين وهم عسكريين بزي مدني، لكن في الأخير الموريتانيين وقعوا اتفاقية سلام وانسحاب من الحرب بعدما وقع انقلاب على مختار ولد داده، لتنتهج البوليزاريو بعد ذلك إستراتيجية جديدة وهي تركيز قوتها كلها على المغرب لتكثيف الضربات وكانت سنوات 79، 80 81 حقيقة المأزق الكبير الذي وجد فيه الجيش المغربي نفسه، حيث كنا نهاجم أي موقع يحتله الجيش المغربي وفي ساعات قليلة يتم تحريره فقد حررنا المحبس القلتة ولم يبقى العدو يسيطر إلا على العيون، السمارة وبجدور والداخلة كنقاط منعزلة. هذا الهجوم الكاسح الذي سميناه هواري بومدين كاد أن يقضي على الجيش المغربي لولا تدخل الخبراء الاسرائيليون من خلال جنرال الجيش آنذاك ايهود باراك، الذي زار القوات المغربية بغطاء انه صحفي كندي وأعطى المغاربة فكرة بناء الجدار العازل بتمويل سعودي لإبعاد الخطر فوضعوا الربط الأول الثاني إلى السادس لنصطدم نحن بصعوبة التعامل مع الأحزمة الدفاعية، لأن له واقع هندسي محصن بالرادات والأسلاك الشائكة والألغام ولكن من كثرة التعامل معها اكتشفنا بأن الجدار الممتد على طول 2900 كيلومتر فيه زوايا ميتة يمكن التسلل عبرها حتى نصل الحزام فنقوم بقطع الأسلاك ثم نبحث عن الألغام بأيدي عارية ونفككها ثم نحولها إلى الحائط الرملي ولما يحن موعد الهجوم بالتنسيق مع قوة المشاة نفجر بعبوات ناسفة الحاجز الرملي لفتح ثغرات كبيرة وتعبر القوات إلى عمق العدو وقد واصلنا على هذا المنوال إلى غاية وقف إطلاق النار. وهنا يؤكد المقاتل الصحراوي أن الوصول إلى تفكيك الربط ومطاردة العدو إلى عمق، مسألة أصبحت محفوظة عن ظهر قلب لدى الصحراويين وأصبحوا يسجلون نقاطا على الجيش وخلفية قبلوا مخطط التسوية من أجل وقف إطلاق النار أن العدو كان في ورطة حقيقية قبل إطلاق النار وكان يبحث عن ذلك ولحد الساعة لازالوا يحافظون على هذا المكسب لأنهم يدركون أن الحرب ليست في صالح المغاربة بعدما أصبح من السهولة اختراق الأحزمة الدفاعية وأسر الجنود المغاربة. وخلص المقاتل الصحراوي إلى التأكيد أن كل المغاربة اقتنعوا أن الحرب هي في صالح النظام وليس الشعب وأنه في حالة عودة الحرب فإن الجنود المغاربة لا يعودون إلى القتال وإذا عادوا فلن يصمدوا لمدة طويلة لأن سر قوة المغرب ليس في قوته الذاتية ولا في جيشه ولا في اقتصاده المنهار وإنما في الموقف الفرنسي المساند.