إشادة بدور المرأة في ترقية قطاع التجارة    المرأة شريك فاعل في صناعة القرار وقيادة التغيير    لا مشاركة لمديري المدارس في الامتحانات المهنية    عطاف يستقبل نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    المرأة شريك فعّال في جميع المجالات    بحث التعاون مع "بهوان" العمانية و"هيونداي" الكورية    "بريد الجزائر" ينصّب 167 شباك آلي جديد    الابتكار والمقاولاتية رهان استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي    خبراء يُثمّنون تعليمات رئيس الجمهورية    الجزائر تُعوّل كثيراً على المناجم    بخوش: نعمل على تعزيز دور المرأة الجمركية    تحذيرات دولية من تفاقم الوضع المأساوي بغزة    جلسة مشاورات مغلقة حول "المينورسو"    قوة فرنسا تلاشت مع النّفوذ الصاعد للجزائر    60 ألفاً يُصلّون بالأقصى    توبة يقدم حلا لبيتكوفيتش قبل مواجهتي بوتسوانا والموزمبيق    هجوم فرنسي مستمر على غويري وبن ناصر    حامل اللقب في مواجهة اتحاد الشاوية وداربي عاصمي واعد في القبة    داربي عاصمي واعد في القبة    "شباح السفرة" فخر المطبخ القسنطيني    المختص في التغذية كريم مسوس: ابتعدوا عن الأغذية الفارغة    مشروع خزان ماء مهمل    وزيرة التضامن تشارك في مؤتمر بنيويورك    حملة وطنية للحدّ من التبذير خلال رمضان    اضطرابات جوية وأمطار    صراع من أجل أرض الأجداد وتعدّد أدوار البطولة    برنامج رمضاني متنوّع وثريّ    الدروس المحمدية من 13 إلى 21 مارس    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    محطات تحلية مياه البحر التي دخلت حيز الخدمة مؤخرا "خطوة عملاقة نحو تعزيز أمننا المائي"    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    لجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر: باحث فرنسي يحدد "450 عملية عسكرية" فرنسية    سوريا : تصعيد أمني جديد في دمشق وحلب    الجمعية العامة ال22 لجمعية اللجان الأولمبية الوطنية الافريقية: "عهدة جديدة لرفع تحديات جديدة"    قويدري: التأكيد على "أهمية إنتاج المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية بالجزائر"    صلاح يزحف نحو القمة..    وقفات مع الصائمات    الهلال الأحمر الجزائري : توزيع 80 ألف طرد غذائي بالتعاون مع سوناطراك    عندما يتوَّج المهرّج يصير القصر سيركا    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية    دورة جيمنيكس الدولية بكندا: تتويج كايليا نمور في اختصاصي العمودين غير المتوازيين وعارضة التوازن    غريب يستقبل ممثلي مجموعة "بهوان" العمانية وشركة "هيونداي" الكورية لصناعة السيارات    بورصة الجزائر: إدراج بنك التنمية المحلية الخميس المقبل    العاصمة: ايقاف 45 شخصاً وحجز 9008 أقراص مهلوسة    بوتسوانا تجدد دعمها الثابت لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير و الاستقلال    عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بالجزائر العاصمة    كأس الجزائر/ الدور ثمن النهائي: نقل مباراة شباب بلوزداد - اتحاد الشاوية الى ملعب 5 جويلية    الوزير الأول يشرف على حفل تكريم عدد من النساء الجزائريات    انطلاق انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة    مزيان يشرف على حفل تكريمي للعاملات والإطارات    "بنات المحروسة" الأوّل ب 4,1 مليون مشاهدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    الأسرة المسلمة في رمضان.. وصايا ومواعظ    قويدري يشيد بدور المرأة    صناعة صيدلانية: قويدري يشيد بدور المرأة المحوري في ترقية القطاع    إنْ لم نقرأ ختمة أو نسمعها في شّهر القرآن.. فمتى؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تختزل الزهور إلى زيوت عطرية ودوائية
نشر في الشعب يوم 16 - 06 - 2018

«الطنجرة”، “السيّار” والقندورة بالمقلوب” ... خطوات لابد منها لنجاح العملية
لا تزال عائلات ميلية تمارس عادة تقطير الورد ونباتات فصل الربيع بفناء منازلها، حفاظا على عادات وتقاليد الأجداد مع ما يحمله ذلك من رمزية تراثية، في وقت أصبحت تقتنيه الكثير من ربات البيوت جاهزا من عند حرفيات وحرفيين حوّلوه إلى نشاط تجاري يوّفر لهم دخلا إضافيا.
أرجع مختصون في التراث تراجع الاهتمام بحرفة تقطير الورد الى التطور في مجال التصنيع في السنوات الماضية، حيث أصبح الكثيرون يقتنون ماء الورد والزهر المصنع، بالإضافة الى تلقي النسيج الاجتماعي ضربة، عقب هذا التطور وبسببها تخلي الافراد عن المواد التقليدية الصنع، مشيرين إلى أن هذه العادة انكمشت عند بعض العائلات الميلية بصفة تدريجية في السنوات الماضية، لتسترجع نشاطها مؤخرا، حيث أخذت قسطا كبيرا من الإعلام ومن اهتمام المختصين، كما تحوّلت مؤخرا الى مصدر اقتصادي يدر الكثير من المال.
أكد متتبعون ان عادة التقطير بميلة ترجع أصولها الى الاندلس بالضبط بمدن قرطبة وغرناطة واشبيلية وسرقسطة، فيما نفى آخرون هذا الطرح، مؤكدين ان تقطير النبات عادة محلية متجدرة، منذ القدم قبل وصول الاندلسيين الى بلاد المغرب، نظرا للطابع الفلاحي والغطاء النباتي الذي تزخر به منطقة ميلة المشهورة ببساتينها ومياهما المتدفقة منذ القدم.
حرفة نسائية خالصة عند العائلات الميلية
انتعشت عادة التقطير بميلة في السنوات الأخيرة خاصة وأنها تتزامن مع فصل الربيع، تجهز لها النسوة «القطار» و الطنجرة، و تنظفن القارورات التي تستعملنها لحفظ ماء الورد و الزهر، وأصبحت اليوم عديد ربات البيوت يلجأن إلى اقتنائه من عند حرفيين مختصين في تقطيره أو من عند نسوة كبيرات في السن لا يزلن محافظات على عاداتهن.
تحدثت “الشعب” إلى أحد أشهر مقطري النباتات بمدينة ميلة القديمة، وهو عمي لخضر عتيمن، المتخصص في ممارسة عادة التقطير الذي قال ان صنعة التقطير بميلة عريقة جدا، وهي تخصّ النساء اكثر من الرجال مذكرا في ذات السياق ببعض العائلات الميلية التي كانت ولا تزال محافظة على هذا الموروث الحضاري المتميز ومنها خالتي عقيلة بن قارة مصطفى بميلة القديمة و عائلة بن زهرة، عائلة بن التونسي وبن زرافة ودحماني وبن زيان وبلحسان و زواغي و غمراني وغيرها من عائلات ميلة القديمة التي لا يخلو بيتها من حرفة تقطير الورود والنبات.
قال عمي لخضر عتيمن بأنه يعكف على تقطير الورد و الزهر كل سنة لمدة شهر كامل مستعملا النباتات المتنوعة من داخل بستانه بميلة القديمة و يقوم بشراء البعض الاخر من الاسواق و الخواص، مثل النعناع و الزعتر و الورد و الزهور وحتى نبتة الحرايق التي تنمو بكثرة بميلة وجدت طريقها الى التقطير نظرا لفوائدها الصحية في علاج المسالك البولية.
تقطير الورد يستقطب الزوّار الفضوليين
عن سر مهنته هذه، يضيف عمي لخضر عتيمن انه ورثها عن أمه التي ورثتها بدورها عن جداتها. و لا يكتفي عمي لخضر بالجانب التجاري لهذه الصنعة التقليدية التي وصفها بالمتعبة و الشاقة والدقيقة، بل أصبحت محل زيارة واعجاب العديد من الزوار والاصدقاء من كل حد وصوب ومن السواح الذين يقصدون بيته لشراء ماء النباتات المقطرة لفوائدها الصحية من جهة والاستمتاع بالتنوع الجمالي داخل البستان الذي يقيم فيه والغني بمختلف أنواع الاشجار المثمرة والنباتات النادرة.
لم يخف عمي لخضر ولعه بمهنة تقطير النباتات، بوسط الدار رغم المرض وتقدمه في السن حيث لا يزال يجد المتعة في عملية التقطير حيث تنتشر الرائحة في كل الغرف وتحضر لذلك مسبقا، بتنظيف الطنجرة و اقتناء قطّار جديد كل موسم، لأنه يتعرض للصدأ عند كل استعمال.
الطنجرة والسيّار أساسيان في عملية التقطير
عن طريقة التقطير التقليدية، قال محدثنا، بأنه توضع كمية من الماء بمقدار الثلث في الطنجرة يضاف إليها كمية من الزهر أو الورد، بمقدار غربال «سيار»، كما يتم وضع كمية من الماء في القطار، الذي يتم وضعه فوق الطنجرة ويغلق بإحكام، ويترك على نار هادئة، مع تغيير الماء الموجود في القطار، كلما ارتفعت درجة الحرارة، كما أن بخار الماء عندما يصل إلى سطح بارد يحدث تكاثفا للبخار و يتحوّل إلى قطرات تجتمع في أنبوب، و تنزل في شكل قطرات في القارورات، أولها تسمى ب«رأس القطار”، و يكون مركزا و رائحته مميزة، و آخرها يسمى “الجر” .
عن جذور هذه العادة، قال عمي لخضر أن عادة تقطير الورد والزهر لا تعود فقط إلى العرب في الأندلس، رغم أنها كانت مزدهرة هناك ولكنها ازدهرت أيضا ببلادنا لعقود طويلة نظرا للطابع الفلاحي للمنطقة وتنوع الغطاء النباتي، غير أن «التقطار››، بحسبه، بدأ في الاندثار في سنوات السبعينيات، ليغيب بشكل كلي في سنوات التسعينيات، في كل من ولاية قسنطينة والقليعة والبليدة وتلمسان والعاصمة، وحل محله الورد والزهر المصنعين.
عن عملية التقطير التي تبدأ في شهر أفريل، والشروط الواجب توفرها في القطار، لتكون نوعية المادة المقطرة جيدة وخالية من الميكروبات، قال عمي لخضر بأنه قبل استعمال القطار، يتم تبييض الطنجرة من الداخل باستعمال «الكاوية»، واقتناء قطار جديد، نظرا لتعرض القديم في جزئه المثبت على الطنجرة للصدأ عند كل استعمال، وذلك يؤثر سلبا على نوعية الماء المقطر، خاصة ماء الورد، لكونه يستعمل في التداوي، خاصة للعيون..
التقطير بين السرّية وارتداء “القندورة” بالمقلوب
عن الطقوس التي لا تزال عالقة بعملية تقطير الورد بميلة هي السرية ولبس القندورة مقلوبة بالنسبة للمرأة للوقاية من عين الحاسدين والعين، وهو ما أكده عمي لخضر الذي لا يزال يتوخى الحذر والحيطة من عيون الحاسدين أثناء عمليات التقطير، وله في ذلك عدة شواهد على تعطل التقطير بفعل العين الحاسدة. عند شروعهن في عملية التقطير كانت النساء يقمن بوضع الفحم في الموقد «الكانون» ويستعملن بخور العنبر والجاوي والسكر، إلى جانب تحضير الطمينة البيضاء، وأول ما ينزل من القطار يوضع في مرش وترش به كل زوايا المنزل، ليوضع بعدها في صينية القهوة مصحوبا بالطمينة البيضاء، ويكون ذلك اليوم بمثابة عرس، أما الماء المسخن الذي ينزع من القطار، فيستعمل في غسل الأفرشة والاستحمام.
بعد الانتهاء من تقطير الورد والزهر، قال ذات المتحدث، بأنه يشرع في تقطير الأعشاب البرية، أو ما يعرف بالنباتات الطبية، كالزعتر والشيح سواك النبي، والحرايق لتباع المستخلصات في قارورات صغيرة ذات سعة ربع لتر ب 300 دينار، وأضاف بخصوص سعر اللتر الواحد من الزهر و الورد بأنه يبلغ ألف و 800 دج و عن سعر القطار و الطنجرة، قال بأن سعرهما 5آلاف و 500 دج و يختلف السعر بحسب الحجم، يقدر سعر الجزء العلوي منه الذي يطلق عليه اسم «القطار» بين 800 و ألف و 200 دج. لم يخف عمي لخضر عتيمن قلقه من تراجع عادة تقطير الورد بميلة لغياب تكوين متخصص في هذه الحرفة، مطالبا الجهات المعنية بإدراجها ضمن تخصصات التكوين المهني لحمايتها من الاندثار كتراث مادي يحافظ على اصالة المدينة وموروثها الثقافي المتميز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.