دعا الخبير الاقتصادي مسدور فارس الى ضرورة مرافقة ومتابعة الشباب الذين استفادوا من القروض التي منحتها الدولة في سياق القضاء على البطالة ورفع نسبة النمو الاقتصادي محذرا من مغبة التراخي في التعامل مع الأموال العمومية. وقال أن التنافس على القروض قد يكون الدافع وراءه الاستفادة بعد سنوات من العفو الضريبي، مضيفا أن الأسواق النفطية ستعرف هزات كبيرة مستقبلا متنبئا بامكانية وصول الأسعار الى مستويات لم تصلها من قبل. وتحدث مسدور في الحوار الذي أجرته معه «الشعب» عن قضايا الأسعار والقدرة الشرائية ووضعية الاقتصاد الوطني والحلول المقترحة لتحسين الأوضاع وغيرها من المسائل الراهنة.. @ «الشعب» اتخذ مجلس الوزراء العديد من القرارات بشان تحسين التشغيل عند الشباب ورفع نسبة النمو الاقتصادي. فما هي أهم الخطوات التي يجب اتخاذها لانجاح هذه المبادرة والصعوبات المتوقعة؟ @@ مسدور فارس: تعتبر قرارات مجلس الوزراء الأخيرة هامة ولكن يجب الاحتياط كثيرا عند تجسيدها. فمنح القروض للشباب دون فوائد عامل محفز لجلب الاستثمار المحلي وتمكين الموارد البشرية من تفجير قدراتها في مجال الاقتصاد المنتج والخالق للثروة ، ولكن على السلطات اتخاذ احتياطاتها من العقليات التي تسعى للحصول على القروض من البنوك العمومية لتنتظر مستقبلا اجراءات العفو ومسح الديون. وهو ما سيجعلنا نتراجع الى الوراء ونخسر الكثير من المال والجهد. ولتحقيق وثبة اقتصادية يجب تحسين تسيير البنوك وفتح المجال للبنوك الاسلامية التي لا تتعامل بالربا الذي ينفر الكثير من الجزائريين من ولوج الاستثمار، ومنه تفويت فرص النهوض بالاقتصاد الوطني الذي يبقى ينتظر الاستثمارات الأجنبية التي لن تأتي لأنها تبحث فقط عن تسويق المنتجات. وان حصل وجاء الاستثمار الأجنبي يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار الدول حيث أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات تمارس احتكارا تساوم به. وأدعو الشباب أصحاب المشاريع الذين سيستفيدون من إجراءات التشغيل الجديدة للتفكير في مستثمرات تسعى للتصدير والمنافسة لبنائها على أسس صلبة والاندماج في الاقتصاد العالمي وعدم الاكتفاء بالتفكير في الفشل من خلال صرف جزء من القروض واخفاء الباقي وانتظار مسح الديون. @ تعرف أسعار النفط حاليا ارتفاعا كبيرا جراء الأوضاع التي تعرفها الأقطار العربية، فالى أي مدى يمكن أن تصل؟ @@ من المتوقع أن تعرف أسعار النفط ارتفاعا قياسيا في الأشهر المقبلة وكل الظروف والمؤشرات توحي بوصولها الى 200 دولار اذا ما استمرت حالات الاحتقان في الشارع العربي وخاصة ليبيا التي كانت طرفا فاعلا في السوق النفطية من خلال انتاجها واحتياطاتها. وعليه فغياب آفاق حلول للأزمات وتمادي الاضطرابات الاجتماعية السياسية في الوقت الراهن يبقي الوضع على حاله إلى نهاية الصيف المقبل. @ سجل الاقتصاد الوطني عائدات قاربت 50 مليار دولار في 2010، كيف تقيم الأداء وما هي مواقع الخلل في رأيك؟ @@ يعتبر الفساد اكبر خلل في تطور الاقتصاد الوطني فالاجراءات المتخذة لمحاربة هذه الآفة الخطيرة مهمة لكن لا نستطيع الحكم عليها الا بعد تجسيدها ميدانيا. اعتقد أن القضاء على الفساد يكون عبر الصرامة و الضرب بيد من حديد وردع المفسدين الذين أضروا كثيرا بسمعة البلاد وواقع الاستثمار. وتبقى عائداتنا من العملة الصعبة غير مطمئة كثيرا لأنها نابعة من المحروقات وهو ما يعكس تخلف اقتصادنا الذي مازال ريعيا بالرغم من كثرة الإمكانيات التي تمكنه من أن يسجل نتائج أحسن وأهم. بقاء الصادرات خارج قطاع المحروقات لا يتعدى عتبة المليار دولار أحسن معيار للحكم على اقتصادنا الوطني الذي يحتاج للكثير من الترشيد خاصة بعد ارتفاع الواردات بأكثر من 2 بالمائة في ال 11 شهرا الأولى من 2010 بالرغم من جميع الاجراءات التحفيزية التي اتخذتها الدولة في سبيل رفع أداء الإنتاج وتلبية الاحتياجات الوطنية. @ ما العمل في ظل هذا الظرف والمعطى؟ @@ أرى انه لا بد من البحث عن شركاء اقتصاديين جدد وليس وضع كامل الأوراق على الصين التي لم تنجح في اعطاء دفع لاقتصادنا. وأعتقد أن التقرب من الألمان أمر جيد جدا لنا حيث تفكيرهم في بناء مصانع ببلادنا لتركيب السيارات مثلا سيجعلنا نحقق تقدما اقتصاديا كبيرا. العلامات الألمانية لا نقاش فيها ولكن يجب دائما البحث عن شراكة وعدم منح كل الاستثمارات للأجانب الذين قد يحولونها الى احتكار اذا وجدوا أنفسهم لوحدهم في قطاع ما. @ كيف تفسر الاحتجاجات التي وقعت في بداية السنة الجارية بمختلف مناطق العاصمة حول غلاء بعض المواد الأساسية من موقعك كخبير اقتصادي، وهل التبريرات من المتعاملين الاقتصاديين والمستوردين منطقية؟ @@ ان التحجج برفع أسعار المواد الاساسية الواسعة الاستهلاك محليا كونها شهدت زيادة في الأسواق الدولية أمر مبالغ فيه كثيرا. لا أحد ينكر ارتفاع وانخفاض المواد الواسعة الاستهلاك في الأسواق الدولية لكن نسب الزيادة هي المشكل. الزيادات تكون عادة بين 2 و5 بالمائة بالخارج بينما بعض المتعاملين عندنا يبالغون في رفعها بنسب تفوق 25 و30 بالمائة، وهو ما يؤكد انعدام الأخلاق الاقتصادية التي يجب أن تتوفر عند كل متعامل أو مستورد. سبب الاحتجاجات في بلادنا يعود الى الاحتكار حيث يسيطر بعض الأشخاص الذين لا يزيد عددهم عن 5 متعاملين على عملية استيراد العديد من المواد الاساسية الواسعة الاستهلاك ما جعلهم يتلاعبون بالأسعار كيفما يشاءون وهو ما خلق نوعا من الاحتقان ووصل الأمر بهم إلى المساومات والتهديدات التي قد تكون لها تبعات خطيرة. ومن الأسباب التي ساهمت في خلق الاحتكار الفاحش هو ترك تسيير اقتصاد السوق دون آليات و ضوابط وهو ما جعل مثل هذه السلوكات والآفات تنتشر، ونفس الأمر عاشته أسواق اللحوم والأدوية ومازلت مستمرة الى يومنا هذا. ومن المجالات التي تعرف احتكارا كبيرا هو سوق الأدوية المتمركز في يد 5 أشخاص يستوردون سنويا ما يقارب 2 مليار دولار. وهو مبلغ كاف لانجاز عشرات المخابر المحلية لتغطية العجز وخلق مناصب عمل جديدة والتقليل من فاتورة الاستيراد. @ ما هي الحلول اللازمة لمعالجة هذه الوضعية الخطيرة التي قد تؤثر على استقرار الدولة والمجتمع؟ @@ ان الحلول متوفرة حسب اعتقادي لكنها تتطلب نوعا من الجرأة والارادة وأول خطة يجب أن تتم هي كسر الاحتكار وفتح باب المنافسة أمام المتعاملين والمستوردين الذين ينشطون في مجال المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك لخفض الأسعار وضمان تدفق السلع وجعلها تخضع فعلا لمبدأ العرض والطلب. كثرة العرض ستؤدي حتما لخفض الأسعار ومنه الاستفادة من انخفاض الأسعار في الأسواق الدولية. ومن الحلول أيضا ضرورة التفكير في الاستثمار بالصناعات الغذائية والمواد الاستهلاكية شريطة خضوعها لنفس شروط الاستثمار الخاص وهذا لخلق توازن وضبط السوق في الحالات الاستثنائية. ومن الحلول أيضا البحث عن الشراكة مع الأجانب والاستثمار في مختلف القطاعات وتفادي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي قد يتحول لمجال الاحتكار بسهولة ويدخل باب المساومات وفرض الشروط. ولنا الكثير من التجارب التي تجعلنا لا نفكر في الاستثمار الأجنبي الكلي وقانون 51 / 49 يبقى مفيدا جدا للحفاظ على السيادة الاقتصادية والتجارية. وهناك أمر آخر ايجابي يتمثل في الغاء الضرائب على معظم المواد الاستهلاكية خاصة في حال الوفرة المالية. كل دول العالم التي تملك بحبوحة مالية تقوم بخطوات لتحسين القدرة الشرائية من خلال الغاء الضرائب على الخدمات التي تمس مباشرة المواطن أو المواد الاستهلاكية لتمكين الشعوب من حقها في الثروة أو ما يسمى بالتوزيع العادل للثروة. وبما أن الجزائر تملك احتياطا ماليا هاما يجب أن يصرف جزء منه لتخفيف الضغط عن المجتمع الذي يعاني من تدهور القدرة الشرائية. @ هل نستطيع أن نفهم خلفيات وكواليس الأسوق الدولية للمواد الاستهلاكية في رفع وخفض الأسعار؟ @@ ان الأسواق الدولية للمواد الواسعة الاستهلاك يتحكم فيها الغرب بصفة عامة وهو يراقب كل صغيرة وكبيرة في اقتصاديات العالم ويركز كثيرا على دول البترول الذي بات ارتفاع عائداته نقمة كبيرة على الدول المنتجة، حيث تعمد الدول الغربية الى رفع المنتجات ذات الاستهلاك الواسع للاستحواذ على العائدات النفطية لدول الجنوب. ما يحدث من اضطرابات في عديد الدول يعتبر هجمة انتقامية من محتكري الأسواق العالمية الذين يتحكمون في كل شيء وقادرين على تهديد سلامة وأمن أية دولة وهو ما يجب أن نتفطن له. كما أننا مطالبون بتعزيز الرقابة أكثر فأكثر على المنتجات التي نستوردها لأن الكثير من التقارير والتحاليل التي أنجزت على المواد المستوردة أثبتت أنها تقف وراء الأورام السرطانية التي تصيب المستهلكين وما تسجيل 25 ألف حالة سرطان في الجزائر. @ بمناسبة الحديث عن الشراكة الجزائرية الألمانية، هل انخراط الجزائر في مشروع ديزارتيك سيعود علينا بالفائدة، وماذا تقترح لحل مشكل شراء «جيزي»؟ @@ ان هذا المشروع يجب أن نفكر فيه بجدية بالنظر لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية ويبقى توفير الامكانيات المالية والتكنولوجية لانجازه لانتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها والاستفادة من عائداتها مع التأكيد على أهمية تمويل الجزائر للمشروع بأكمله أو أجزاء كبيرة منه حتى نتفادى مشاكل الشراكة في الانجاز مع الأجانب. بالنسبة لشق السؤال الثاني أعتقد أن شراء «جيزي» يجب أن يعود للجزائر بالنظر للأخطار الكبيرة التي باتت تشكلها شركات متعاملي الهاتف النقال من خلال التورط في قضايا جوسسة وتهريب العملة وغيرها من المشاكل. وعليه فقطع الطريق أمام الشركات التي تحاول شراء «جيزي» أمر استراتيجي خاصة من خلال بروز اسرائيل كمالك وممول رئيسي لشركات النقال ولهذا فالقضية مرتبطة بالأمن القومي.