يتحدث ممثل جبهة البوليساريو بفرنسا، أبي بشرايا البشير في هذا الحوار ل»الشعب»، عن خلفيات مفاوضات ديسمبر بجنيف التي دعا إليها المبعوث الأممي إلى المنطقة هورست كوهلر طرفي النزاع، وعن الدوافع التي أجبرت المغرب على قبول الدعوة، مؤكدا أهمية تشديد الخناق على الاحتلال من قبل مجلس الأمن الدولي. «الشعب»: كيف تقرأ جبهة البوليساريو دعوة المبعوث الأممي إلى المنطقة هورست كوهلر، لمفاوضات جنيف؟ هل تعتبر استئنافا حقيقيا لمسار التسوية السلمي، أم أنها مجرّد بادرة إيجابية تثبت إرادة الأممالمتحدة في تحريك القضية؟ أبي بشرايا: مباشرة بعد الاعلان عن الدعوة، أعربنا عن ترحيبنا بها، انطلاقا من رغبتنا الصادقة، والتي برهنا عنها منذ بداية المساعي الأممية الافريقية الى اليوم، في المساهمة البناءة لتسهيل مهمة المجتمع الدولي في استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، على أساس قرارات الأممالمتحدة وخاصة لائحتها 1415 - 1960، والتي تجعل من تقرير مصير الشعب الصحراوي الهدف النهائي لمساعيها. وفي وقت لاحق، وتحديدا يوم 03 أكتوبر الجاري رد مكتب الأمانة لجبهة البوليساريو بالإيجاب رسميا على دعوة كوهلر، مؤكدا أن وفدا من الجبهة سيكون حاضرا في الموعد. فيما يتعلق بما ؤذا كان هذا الموعد سيكون استئنافا حقيقيا لمسار التسوية، المسألة تعتري خاصة، مدى جدية مجلس الأمن الدولي في فرض خارطة الطريق التي أقرها في قراره 2414 (أفريل 2018). @@ نحن نعرف أن المملكة المغربية لا تمتلك وليس متوقعا في المستقبل القريب أن تمتلك أدنى إرادة للحل، لكن العنصر الذي ظلّ غائبا طيلة السنوات الماضية، خاصة منذ المصادقة على مخطط بيكر (جويلية 2003) هو حالة العطالة التي اتسم بها تعامل المجلس مع الملف، والتي قادت إلى الاستنتاج الذي أقرت به سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في شرح التصويت على القرار الأخير، بأن «المينورسو أصبحت مثالا نمطيا على البعثة التي لا تؤدي أي شيء من مأموريتها». اذا كان هذا الاستنتاج، والقرار الهام بتقليص تمديد البعثة الى 6 أشهر بدلا من سنة كاملة، سيكونان عنوان الديناميكية الجديدة التي ستنطق من جنيف، فإن الأمور قد تتقدم ونكون في بداية الطريق الى الحل. أما اذا كان نقاش أفريل 2018 استثناء، وسرعان ما نعود الى تغليب وجهة نظر الطرف المستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه من خلال حليفه العضو الدائم في مجلس الأمن، فسيكون العالم قد ضيع فرصة ذهبية ورهن مهمة الرئيس كوهلر، فاسحا المجال من جديد أمام لغة التصعيد والاستعداد لنسف كل شيء التي كانت أهم ما ميز تعاطي المملكة المغربية مع الجهود الأممية منذ خرق وقف اطلاق النار في الكركارات (أوت 2016)، انتهاء بالزوبعة الاعلامية المتعلقة بالأراضي المحررة عشية التوقيع على القرار الأخير. ما أود التأكيد عليه هو أن الكرة ليست في مرمى الطرفين ولا في مرمى الوسيط كوهلر، وإنما في مرمى مجلس الأمن الدولي. @@ عموما، فإن اجتماع الطرفين مع البلدين الملاحظين بعد أكثر من ست سنوات، منذ آخر موعد كان في مانهاست 2012، يعد في حد ذاته مؤشرا ايجابيا، لكنه ومثله في ذلك مثل كل المواعيد اللاحقة، لن يؤتي بأكله ما لم يواصل مجلس الأمن اعطاء الاشارات القوية بأنه جاد في فرض خارطة الطريق التي أقر أبريل الماضي. النقاش حول تقرير الأمين العام الذي سيبدأ قريبا في نيويورك، والقرار الذي سيصدر، قد يشكل مؤشرا على تلك الإرادة الحازمة من عدمها. مناورات الاحتلال إلى متى؟ المغرب قبل الدعوة وسيأتي إلى جنيف، كيف تعلقون على خطوته التي جاءت بعد 6 سنوات من المقاطعة الأحادية لطاولة المفاوضات؟ @@ المغرب قبل الدعوة «وهو مكره لا بطل»، فبعد اشتداد الخناق عليه داخل الاتحاد الافريقي ومحاصرة مواصلة استغلاله للثروات الطبيعية الصحراوية بقرارات محكمة العدل الأوروبية، أطلق حملة شرسة مطلع السنة من أجل التأثير على الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي خاصة، للتنصل، في النهاية، من مسار التسوية. تلك الحملة، كما يتذكر القراء كانت تتمحور حول نقطتين، أن لا تفاوض مباشر مع البوليساريو وإنما مع الجزائر، واشتراطه الحكم الذاتي كقاعدة وحيدة للحل. لكن قرار مجلس الأمن الدولي، وجه ضربة قاتلة في الجوهر، بمعزل عن أشباه «الهدايا» الصغيرة التي قٌدمت للاحتلال في العرض، لتلك الحملة من خلال تحديده طرفي النزاع بعناية ألا وهما جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، مطالبا إياهما بالدخول في مفوضات مباشرة، مؤكدا على ضرورة أن تكون تلك المفاوضات بدون شروط مسبقة (اسقاط شرط الحكم الذاتي)، موضحا، بدون لبس، أن الهدف الأول والأخير للتفاوض هو تمكين شعب الصحراء الغربية من حقه في تقرير المصير. لكن الأهم هو الاصرار على تقليص تمديد عمل البعثة الى ستة أشهر بدلا من عام، ودعم وساطة كوهلر واشتراط حصول تقدم قبل نهاية أكتوبر قبل التجديد للبعثة. هذه الاشارة القوية، قلصت هامش المناورة أمام المغرب وأجبرته على الاستجابة لدعوة كوهلر الى مباحثات جنيف. نتمنى أن تكون مشاركة المغرب، هذه المرة، استشرافا لضرورة الانخراط في السلام وما يوفره من آفاق واعدة، وليس مجرد انحنائة انتهازية أمام العاصفة المترتبة عن القرار الأخير. معطيات على الأرض سبق لكوهلر أن التقى طرفي النزاع، وامتد اللقاء إلى الجزائروموريتانيا، بصفتهما ملاحظين ما الذي سيختلف بين لقاءات جوان واللقاء المرتقب بجنيف من حيث المحتوى؟ @@ السياق مختلف بعض الشيء، فتلك اللقاءات جرت في اطار جولة ميدانية من أجل التعرف عن قرب على المعطيات على الأرض وعلى مواقف الطرفين والبلدين المجاورين على حدة. أما الآن، فهي جلسات مباحثات يحضرها الجميع على نفس الطاولة. هنا لابد من توضيح حول دعوة موريتانياوالجزائر كملاحظين لهذا الموعد. فمشاركة البلدين في كل المواعيد التفاوضية والمتعلقة بمسار التسوية الأممي ليست بالجديدة منذ المساعي الحميدة الأولى بنيويورك سنة 1986، الى آخر لقاءات تفاوضية بمانهاست سنة 2012. البلدان المجاوران لهما اسهامات هامة في بعض النقاط العملية من التسوية كعودة اللاجئين وتمركز القوات، وهما في النهاية، معنيان بالتسوية السلمية للنزاع ويتضرران من تبعات احتلال المغرب للصحراء الغربية والهدنة الهشّة المرشحة للانهيار في أي وقت. لكن حين يقرّر الوسيط كوهلر الدخول في العملية التفاوضية حول الجوهر، إلا وهو الوضع النهائي للاقليم ووممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير، فالبوليساريو باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والمملكة المغربية، باعتبارها دولة الاحتلال، هما الطرفان الوحيدا المعنيان بالتفاوض. ربما لا نكون الآن في تلك المرحلة، فهذه جلسات مباحثات تمهيدية، لإذابة الجليد، لكن مرحلة تشييد صرح السلام العادل النهائي ستكون بين طرفي النزاع كما حددتهما الأممالمتحدة والقانون الدولي وكما هما على أرض الواقع. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غونتيريس، في تقريره التمهيدي، أوصى مجلس الأمن بالعودة إلى الصيغة السابقة في اعتماد المينورسو لمدة سنة بدل 6 أشهر، بما تعلقون على ذلك؟ @@ لم يكن ليثير أي نوع من الانتباه لو كان هذا الطلب قد تقدم به الأمين العام قبل أفريل 2018، لكن أن يتقدم بطلب تمديد سنة في ظل سياق ما بعد القرار 2414 والجهود الحثيثة الحالية، ففي الموضوع إشارة سلبية بأن المجلس والأمانة العامة ليسا على نفس الخط، وهو ما قد لا يخدم الوساطة الحالية. للأمين العام أسبابه بالتأكيد، لكننا نتمنى أن يواصل المجلس إعطاء اشارات الحزم القوية، والتي سيكون أهمها التمديد ستة أشهر فقط في قراره المرتقب التصويت عليه يوم 29 أكتوبر الجاري.
حقوق غير قابلة للتصرف تحيي الجمهورية الصحراوية الجمعة الذكرى السنوية للوحدة الوطنية، ماذا يمثل هذا التاريخ للشعب الصحراوي، وكيف يمكن استغلاله في الظروف الحالية التي تمرّ بها القضية؟ @@ 12 أكتوبر سنة 1975 كان يوما تاريخيا في مسيرة كفاح الشعب الصحراوي تحت لواء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من أجل انتزاع حقوقه غير القابلة للتصرف في الحرية والاستقلال. خلال هذا اليوم أعلنت الجبهة، في اطار اعلان الوحدة الوطنية الصحراوية، عن انخراط كافة أفراد الشعب الصحراوي في الكفاح الوطني بغض النظر عن انتماءاتهم العشائرية أو العرقية أو الايديولوجية في مسار التحرّر الوطني. هذا الإعلان وتمسك الشعب الصحراوي به، ما زال يشكل، إلى الآن، صمام الأمان الذي أفشل كل محاولات الغزو المغربي لشقّ الصف الصحراوي. البوليساريو، تشكل حالة قد تكون فريدة في تاريخ حركات التحرر، باعتبارها ظلت موحدة تنظيميا على مدار العقود الأربع الماضية. حالات الانشقاق القليلة المسجلة، كانت فردية وليست جماعية، لأن عروة الوحدة الوطنية كانت أكثر وثاقا من أي اغراءات أو حسابات ذاتية. كما كان لذلك الاعلان، دبلوماسيا، دور كبير في دحض ادعاء الملك المغربي أن الجماعة أو البرلمان الصحراوي تحت الاستعمار الاسباني قد دعم طرحه التوسعي، من خلال مشاركة الغالبية المطلقة لشيوخ الجماعة وممثليها في اعلان الوحدة الوطنية وتوقيعهم شخصيا على وثيقة دعم البوليساربو وانخراطهم فيها لمواجهة القوة الاستعمارية الجديدة. الاحتفال بهذا اليوم، بعد مرور 43 سنة، وفي ظل الانتصارات الحالية، تعد أبلغ رسالة للعالم بإصرار الشعب الصحراوي على مواصلة كفاحه وأن الموضوع لا يتعلق بحقبة زمنية معينة ولا بأشخاص أو أجيال، وإنما قضية شعب باق ومصمم على مواصلة نضاله المشروع من أجل انتزاع حقه في العيش حرا، مستقلا على ترابه الوطني.