ينظر القوميون إلى اللغة العربية كواحد من أقوى الأواصر التي توحّد بين الشعوب العربية على اختلاف مشاربهم وتباعد أوطانهم وتصهرهم في أمة واحدة ذات تاريخ واحد وتراث مشترك، يعود إلى ما يربو على خمسة عشر قرنا لو أن كل بلد عربي بدأ يبرز ثقافته المحلية وينمي لهجته العامية وآدابه الشعبية لانفرط العقد وتمزق النسيج. وجاء وقت تستقل فيه اللهجات وتتباعد عن بعضها وعن أصلها الفصيح، لكن هذه المرحلة مترافقة بظروفها إذ أن هناك تسع لهجات تستمد مادتها من دافع نفسي نسميه الشعر المحكي لقطع الطريق الطويلة فى محاولة للتخفيف عن النفس، بما يمتلك الشاعر من طاقة فنية فالأجدى أن تشترك السبل والدروب فى ترنيمات فطرية إما الصيغة الفكرية فتمثل ضربا متقدما، معقدا بالقياس، إلى البدايات، تحاكى تطورا واسعا، دونه مراحل من الأشكال المفتقرة إلى النضج والاكتمال لتشكل صيغاً مضطربة لم تنتهج خطا وزنيا ثابتا وواضحاً فهي تتفاوت فيما بينها. ولعلّ المفكرين والكتاب والمبدعين الذين طبقوا نظرتهم المتجدّدة على علوم النقل خلال فترة النهضة قاموا بمراجعة ما لديهم من معارف كانت تقوم على فكرتين أساسيتين فكرة ثنائية وتضمن المادة والفكرة. أو الروح من ناحية وأخرى، كانت تقوم عليها كل المعارف القديمة للمبدأ الأول لأرسطو، وهو الفرز والتصنيف ولتذوق النص الشعري. لكن ليس كل شاعر قادر على فعل ذلك حتى لو كان موهوباً، فالموهبة وحدها لا تكفي دون خبرة ومعرفة جيدة بأصول كتابة الشعر وهنا نقف أمام حالة شعرية انتهجت سبيلها في الشعر النبطي هي الشاعرة النبطية الأردنية سمية الحمايدة وقد اقتضت القراءة باستخدام المنهج التحليلي والمنهج النفسي لتفسير الإشارات الشعبية وتوضيح المغزى للدخول إلى نفسية الشاعرة ورصد التأثير. فإن الرموز التراثية من المعطيات التي تستغلها الشاعرة للنهوض بتجربتها الشعرية متبصرة، بأصوات الطبيعة المختلطة، وتعيش تلك المعطيات في أعماق النفس الإنسانية، تحف بها هالة من القداسة والإكبار لكونها تمثل الجذور الأساسية للتكوين الفكري والوجداني في مجتمع البادية. على الرغم من الذكاء الفطري والتجارب الذاتية لدى الشاعرة، إلا أن البيئة البدوية حاضرة بقوة في كتاباتها وليست فقط على صعيد المشهد الحسي، ولكن أيضا على صعيد المشهد الشعبي الثقافي تتبادل فيه الأفعال والضمائر الحضور على أرضية الحدث الزمانية المكانية ضمن نسق تركيبي غنى كما يتم تأثيث النص بالثقافة الشعبية الشفاهية بالرموز والإشارات والدوال التأويلية التي ينتجها المعنى العميق للنص لاستحضار اللا مرئي في المرئي لتقيم برهانه الشعري على أن القول الشعري تحت الفضاء العربى قول لا ينفذ إذ يتداخل برهان الفكر وبرهان الحس والصور المستمدة من البادية بالمادة الحكائية والمادة السردية لإقامة برهان الشعر في تزاوج رؤيتا الشعرية والتجربة الوطنية المعاصرة التي تعيشها كمثقف عصري في مواجهة زعازع العصر الشعر المحكي. هو كل ما يكتب باللهجات المحلية للبلدان العربية سواء كان زجلا أو نبطيًّا أو شعرًا شعبيًّا، وقد اتفق أهل اللغة على إطلاق مسمى شعر النبطي على الشعر المكتوب باللهجة البدوية. وإن كان المولدون من الشعراء الذين عاشوا في ظلال القصيد، رأوا أن الإيقاع الشعري أوسع من أن يحدّ في أوزان محصورة فليتوبوا، لأن كل زمان له إيقاع بلغ من التطور والتنوع النتاج الشعري والإبداعي لحد من القيم الصارمة للتعبير عن لغة الحضارات. فإنا نقف أمام شاعرة تعتمد على خلق إيقاع داخلي أوتيت المقدرة على الغوص واستنباط أسرار النغم فى الكلم فتضع يدها على البريق الخاطف لتقوم بدور الصانع الحاذق والجوهري الخبير بمادة صياغته فتلم شوادرها وترد نوافرها في براعة اللفظ هيبتك قصر وأنت للقلب ربيعه والقصور يساكنها كبير الشأن ليتك للي م بين الضلوع أطيعه و يصير من ألف للياء سجًان إن الصورة الشعرية التي نجدها بين أيدينا تمثل شكلا من صور الشعر الراقية لأنغام الشعر النبطي وتمثل ضرباً متقدماً بالقياس إلى البدايات الوزنية الأولى، من حيث استواء القصيدة الناضجة الإيقاع والغرض والنهج كما إنها تتفاوت في ارتباطها بالحركة المتوقعة المتصلة بالرحلة والراحلة فالاستقرار عند الشاعرة. جمود، والسكون دائب الحركة سريع التنقل، كأنها في حالة ركبانية، وضرب من الأضراب الفنية المرتبطة بحياة الصحراء فتخرج علينا بالتلبية (هيبتك) لتراعى الحركة في التزام المتضرع وتخرج بالمعنى في ظاهرة مؤثرة اقرب إلى الصفاء الذهني لاستحضار صورة الخشوع والإنابة كونها ظواهر تعبدية في الاستثناء والتمني (ليت ك) ثم ياء النداء المكررة وارتباطها بالقول الموقع واقترانها بالحركة في تفاوت محاصر يا اللي القوافي ما تقدر تبيعه واللي في حروف الروافي وديان من دونك قصايد العشق خديعة لاجا ع بالي قصة قلب ولهان غيبتك بين بحور الزمان ذريعة سواري بحور الزمن أمل غرقان ليتك بين الجفن والعين وديعة يرويك دمعي وَيا مطر نيسان ولعلّ الشاعرة هنا تطورت من الأسجاع في التراث الايقاعى لتبلغ التأثير المراد في نفوس السامعين وهي مقدرة فنية للتعبير عن الغياب بشكل اخر فتعاود النداء (للقلب ربيعه. من الألف للياء. بحروف أشواق. قصة قلب. سواريها بحور. العين وديعة) وغيرها المقترن بأعمال فيها توافق حركي وغنىً في الصور والأخيلة لتخرج علينا بالحكمة والعجب في صوفية ملتزمة يا اللي طلبت من العنقاء المنيعة من وينلك ف صبر أيوب إيمان من دونك أحلام الليال فجيعة لا هل الصبح بقهوه بلا فنجان غيبتك هيبة وف قدومك طليعة ولو غاب طيفك هيبتك أوطان تومئ إلى المشاعر فتجليها وتحسن التعبير عن أدق الخلجات وأخفاها، في صيغة تضع المتلقي أمام الإحساس في تشعب يبعث تجاوباً متماوجاً بين الخيال والعاطفة فتعلوا وتنخفض وتعنف وتلين وتشتد وترق وتحلق وتزم وتلين في هدوء الزاهدين ودِعة الحملان وخنوع الصاغرين وتشدو مع البلابل في أنسام الصباح فتحاكى طهر النقاء وصفاء اللفظ وبراعة النغم في يسر متناول ينغمس مع النور في غلالة عامرة الإشراق فتأتيها طواعية بين هذه الأطياف المشعة من الكلمات. قصائد الشعر هي وسيلة رقيقة يعبر بها الإنسان عما بداخلة، فيصف نظرته وطريقة رؤيته للأشياء من حوله، يحاول أن يصل إلى الآخرين، فينساب شعره إلى قلوبهم، ويرسم بكلماته لوحات رقراقة عذبة تمس المشاعر والأحاسيس، ولا ادعى بهذه القراءة أنى أصبت كثيرا بقدر ما أثرت من نقاط وان ما فيها من جهد يغفر ما فيها من نقص.