أدرار منطقة التميّز والانفتاح الدائم على السماء، والأرض مرشوشة الخضرة متفرّدة بقصورها وزواياها وخصائصها الثقافية، لم تكن في أزمنتها عاقرا، بل ولودة ودودة وكأنها ليست بالصحراء المحكية بالقسوة وتقلب المزاج، تتنوع فيها الأساطير وتتولد فيها الحكم، فتسمق بالشعر، بالقباب، بالأنغام وبالتصوف، ومما باحت به أدرار لشعرائها المجموعة الشعرية الشعبية للشاعر عبد الله برمكي التي صدرت مؤخرا عن مقامات للنشر والتوزيع، تحت عنوان: ''صور من الواقع على إيقاع المواجع''. الشعر ابن الصحراء، ففيها يتفيأ قامات النخيل ويتجاذب الحديث مع الكثبان، وفي الليل توقد له السماء مليارات النجمات والمجرات، وتدعوه في رحلة إلى الفضاء البعيد، فيمتطي أنغام النايات، ويبسط أجنحة الكلمات، ويطير للفرح والحكمة والتأمل، يقول الدكتور عبد الحميد بورايو، واصفا الشاعر ومجموعته الشعرية هذه: ''مجموعة من القصائد الغنائية متنوعة الموضوعات، منها ما يعبر عن تأملات في تجربة الحياة والمعاش، وهي تجربة حملت أحيانا قدرا من التفاؤل وشيئا من آثار قسوة الحياة... ومنها ما يتعلق بالتجربة الروحية، يعبّر فيها عن خشوعه أمام إرادة الخالق، ثقته فيه وولعه برسوله الكريم.. ويضيف الدكتور عبد الحميد بورايو في تقديمه لهذه المجموعة أنها تمثل ''نموذجا للشعر الملحون الجزائري الذي ظل مرتبطا بالحياة، يعبر عن التجربة الشعرية للإنسان العادي في لغة بسيطة وشفافة، ينهل من قيم الشعر المحلي لمنطقة أدرار، المجموعة من القطع المتوسط وتحتوي على 18قصيدة متنوعة، افتتحها الشاعر بقصيدة يمدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم. القصيدة يبث فيها الشاعر حبه وعشقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لصحابته بلهجة أدرارية جميلة تنطق ال ''ذ'' (دالا) فيقول فيها: ''مولوع بالنبي محمد وأصحابو نفسي نزور ديك الحضرة سادات ما نخيّر واحد مأحبابو جملة نحبهم في عشرة أما القصيدة الثانية، فعنونها ب''ربّ الناس'' وإضافة إلى المواضيع الدينية التأملية، هناك مواضيع ذات حميمية، مثل قصيدته التي عنونها ب ''المودّة''، وهي قصيدة خصّ بها الأم، حيث يقول فيها: ''سمحي ليّا يا أمَّا حق الكبدة نعرفك حنَّانْتي فيكل أوقات'' كما للشاعر قصائد في الوطن، كقصيدة ''نشوة حب''، وقصائد اجتماعية وتربوية؛ ''كالعلم نور''، ''الصبر'' و''الإحسان الصادق''، قصائد في الرثاء، وقصائد قومية كقصيدته ''غزة''. يتميز شعر عبد الله برمكي بالصدّق في تناول الموضوع، كما يتيمز بمتانة النسج اللغوي وكأنه يقتفي آثار شعراء فحول الملحون، وينتهج منوالهم من حيث اللغة، فيوظف الحكمة والتاريخ والتجارب التي يعيشها في الحياة بين الوديعة والقاسية، ولهذا، لا نستغرب أنه أطلق على مولوده الشعري هذا ب''صور من الواقع... على إيقاع المواجع''. شعر عبد الله برمكي شعر أصيل زلال، فيه من الرّي العاطفي، فيه من ظلال الحكمة وأيضا التجربة، فهو شاعر فحل نتمنى له أن يثرى الشعر الشعبي بنفائس جديدة، وأن يبتكر صورا خاصة به ويوظفها في الشعر الشعبي، وهو قادر على ذلك، خصوصا وأن أدرار تمتده بالجمال والأسرار والحب.