يعرف المشهد الاقتصادي حركية تعكسها مختلف المؤشرات التي ترسم معالم التحولات الراهنة التي تجري بوتيرة مقبولة في قطاعات ناشئة وبأخرى بطيئة في مجالات لا تزال تبحث عن مفاتيح النمو، بالرغم من الفرص الثمينة التي تقدّمها السوق الاستثمارية، خاصة في مجالات خارج المحروقات. في خضم هذه الحركية التي تتأثر حتما بتقلبات الاقتصاد العالمي خاصة تداعيات تراجع إيرادات المحروقات، لم يعد هناك من خيار سوى التوجه إلى التموقع في أسواق خارجية تطرح فرصا كبيرة للتصدير إليها، مثلما تأكد في تظاهرات سجلت فيها المؤسسات الجزائرية علامة جيدة بموريتانيا وقطر ومن قبل في أمريكا وفرنسا وبلجيكا. بالتأكيد، أن المهمة ليست سهلة في ظلّ التنافسية الخارجية الشديدة، ومن ثمّة فإنها تتطلّب وبعجالة انخراط النسيج المؤسساتي الاقتصادي بكامل مكوناته في مسار شامل يسمح بحشد الطاقات وتجنيد الموارد والدفع بالكفاءات التي تنتج القيمة المضافة إلى مراكز صياغة القرار الاقتصادي سواء الإنتاجي أو المالي أو التسويقي. وتمثل البنوك حجر الزاوية في هذا التوجه من خلال مرافقة المؤسسة الجزائرية التي أثبتت جدارتها بإنتاج القيمة المضافة في كسب معركة الأسواق الخارجية بإنشاء بنية مالية تستوعب الاحتياجات بما يجعل المتعامل في أريحية أمام متطلبات التصدير، خاصة وأن كوكبة من المؤسسات قد برزت على ساحة أسواق إقليمية بإفريقيا والوطن العربي بانتزاع ثقة المستهلكين. وتقف المنظومة البنكية حاليا أمام منعرج التحوّل من دور الوظيفة المالية التقليدية إلى مرتبة الأداء الاقتصادي كطرف معني بالاستثمار والتوظيف الناجع للموارد، خاصة مع اعتزام بنك الجزائر توسيع الانفتاح على السوق باعتماد خيار الاندماج المالي بما يستوعب كل الطلب المسجل في السوق وبالذات تسويق منتجات بنكية بعنوان الصيرفة الإسلامية، إذ يرتقب أن يكشف محمد لوكال محافظ البنك عن التنظيم المتعلق بهذا النمط الجديد قريبا. إن الظروف المالية الصعبة التي تثقل دواليب المنظومة الاقتصادية لا تشكل حجر عثرة أمام الاستثمار بقدر ما هناك إمكانيات قوية يكفي فقط أن يتمّ جمعها حول خيار استراتيجي يوفر مشروع قانون المالية للسنة القادمة كافة العناصر المطلوبة لانجاز أهداف النمو، ذلك أن السيولة المالية، كما أشار إليه محافظ بنك الجزائر بمناسبة إحياء اليوم العالمي للادخار، متوفرة لكنها تتداول خارج البنوك أو مكتنزة في خزائن، بينما تمثل الورقة الرابحة في بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع مطابق للمعايير الدولية.