هي امرأة اختارت الخيط ليكون سبيلها إلى النجاح وتحقيق الذات، فكان بين يديها قلم يكتب على التحف التي تحيكها كفاح سيدة علّمتها حبّات الرمل المتراكمة أن الصحراء ساحرة بتلك الحبات التي يراها البعض ضعيفة، أحدود كلثوم سيدة احترفت مهنة النسيج والطرز التقليدي وتخصّصت في «رشمة بوشمار» المعروفة في المنطقة لتحافظ عليها من الزوال. لا يمكن الحديث عن حاضر أحدود كلثوم دون الرجوع إلى مرحلة الطفولة التي كانت مليئة بالذكريات التي يميزها دفء العائلة وتواصلها، وبعيدا عن أي شيء كبرت كلثوم في بيت نصب داخله «المنسج» الذي كانت تحيك به أمها الزرابي والملابس التقليدية، وبصوته استمتعت بمرور الأيام التي رسّخت داخلها حب كل ما هو تقليدي ومن خلال تفاني والدتها في هذا العمل، أحبت الرموز التي ترسمها وتعرفت على بيئتها الصحراوية في كل رسم أو «رشم» يوضع على أي تحفة تقليدية. ولأنها صغيرة كان دورها في تلك المرحلة الملاحظة وانتظار الوقت المناسب للانتقال إلى مرحلة جديدة أساسها موروث ثقافي تشرّبت حبه حتى النخاع. عند بلوغها سنّ السابعة عشرة التحقت كلثوم بمركز للتكوين المهني لتتعلم فن النسيج التقليدي وبالفعل استطاعت البروز بين نظيراتها لحبها وشغفها بهذه الحرفة وظهر عليها الاهتمام بالموروث الثقافي لمنطقة «المنيعة» الصحراوية يعد النسيج فيها كتابا كتب فيه إبداع الإنسان في مزج الحضارات المتعاقبة في مجموعة من الرسومات والرموز تلخّص كل واحدة منها صفحة من صفحاته التي تؤرّخ لأجيال كاملة تعاقبت على المنطقة. وفي 27 سنة التحقت بجمعية «مشعل مستقبل المرأة» أين تعلّمت وأتقنت «رشمة بوشمار» التي تعتمد في حياكتها على خيط وقصبة لا يتعدى طولها 15 سنتمتر، فتراها تتلاعب بهما ببراعة وكأنها أحد اللاعبين المهرة بالعرائس على المسرح، فتصنع منها الحقائب ومختلف الألبسة التقليدية، بالفعل ومع مرور الوقت أصبحت تكوّن الفتيات وعلى مدى عشر سنوات كاملة تخرّجت على يديها الكثير من المتربصات بالجمعية. لأنها ترى نفسها من بين اللواتي يقع على عاتقها الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، تحاول أحدود كلثوم من خلال «جمعية مستقبل المرأة» نقل كل ما تعلمته إلى الفتيات الراغبات في مواصلة الرسالة التي بدأها الأجداد منذ الأزل، ورغم التحديات والصعوبات الموجودة خاصة عزوف الفتيات عن تعلم مثل هذه الحرف التقليدية لأنهن اليوم أصبحن يفضلن العمل في المكاتب وبدوام عمل رسمي بعيدا عن البقاء لساعات أمام المنسج أو آلة الخياطة أو الصوف لأن جيل اليوم لا يحب الأعمال المتعبة، خاصة مع الزخم التكنولوجي الذي جعلهم يحلمون بمستقبل مريح غير متعب. لكن هيهات أن يثني هذا الواقع من عزيمتها بل زاد من إصرارها على المساهمة في الإبقاء على هذا الموروث الثقافي، فاتخذت من التكوين سبيلا لها وكذا المشاركة في مختلف المعارض الوطنية والدولية من أجل إبرازه ولإعطاء صورة ايجابية عن المرأة التي تمارس الحياكة التقليدية، لأنها وأن تبذل جهدا كبيرا في كل تحفة تصنعها إلا أنها تحمل بين جنباتها مسؤولية كبيرة نحو مجتمعها وتاريخه الثقافي .