تدفعنا المباراة المصيرية التي ستجمع المنتخب الوطني الجزائري اليوم بنظيره المغربي بملعب مراكش الجديد، الى الحديث حتما عن الجانب التكتيكي والخطط التي يحضرها كل مدرب لمنافسه مع إضفاء طابع التعتيم وعنصر المفاجأة باعتبارها من أهم الاستراتيجيات المعتمدة في عالم الكرة الحديثة، لهذا إرتأينا اجراء دراسة ملخصة وبسيطة عن عبد الحق بن شيخة، مدرب المنتخب الجزائري وايريك غيرتس من الجانب المغربي كل على حدى، ومحاولة التنبؤ بما يحضره كل منهما للآخر. بن شيخة وغيرتس في سطور بداية، لابد من الاشارة الى الفرق الشاسع بين الناخبين من حيث التكوين وكذا المسيرة المهنية في عالم كرة القدم من كل جانب، فعبد الحق بن شيخة، يعتبر من بين أحسن ما أنجبته المدرسة الجزائرية في مجال التدريب، فرغم صغر سنة (47 سنة) مقارنة بما هو مألوف عند المدربين عموما. إلا أنه استطاع أن يصنع له إسما محليا وعربيا، بن شيخة لم يكن لاعبا كبيرا ما جعله يضع حدا لمشواره الكروي مبكرا، إلا أنه أثبت قدراته الكبيرة في مجال التدريب بدليل الانجازات التي حققها، أينما حل وارتحل، سواء في الجزائر أو خارجها، الى أن تم تعيينه ناخبا وطنيا بعد ذهاب المدرب السابق “الشيخ رابح سعدان” في محاولة من الاتحادية الجزائرية لكرة القدم لإحداث تغيير مجدي بعد الانطلاقة المتواضة في التصفيات المؤهلة ل “كان 2012م”. من الجانب الآخر، يعتبر “غيرتس” تقنيا من مستوى عالمي، ولعل ما ساعده على ذلك، مسيرته الطويلة (مقارنة ببن شيخة) كلاعب، ومروره بتجربة في أحسن النوادي في عصره مكنته من التعامل مع خيرة المدربين العالميين، واستطاع أن يبلور ما كان يراه ويسمعه عندما كان لاعبا على أرضية الملاعب التي يلعب فيها اللاعبون وهو مدرب. وبالتالي، لا مجال للمقارنة بين “الرجلين”، سواء من حيث المسيرة الاحترافية كلاعبين أوالتكوين الذي تلقاه كل واحد منهما في محيطه، خاصة غيرتس ذوالتكوين الأوروبي. ومع هذا، استطاع بن شيخة التدرج الى أن أصبح في نفس مستوى خصمه غيرتس، ناخبا وطنيا، بفضل شخصيته القوية وامكانياته الهائلة في رسم الخطط التكتيكية، وأثبت ذلك عندما تغلب على زملاء المهنة كبار في مختلف المنافسات. الهدوء والإصرار.. شعار المدربين يعرف بن شيخة منذ أن أصبح مدربا بهدوئه وتحكمه في أعصابه في كل الظروف التي تواجهه، كما أنه يتميز بالرزانة، مما يساعده على التحكم جيدا في مهامه داخل الملعب أوخارجه من خلال تعامله مع اللاعبين، الزملاء وحتى الإعلام، فنادرا ما نسمع عن بن شيخة تصريحات غيرلائقة، أوسوء تفاهم مع أي كان، ويملك طريقة فريدة من نوعها في اقناع غيره، بأفكاره ومبادئه، وبالتالي، ربط علاقات جيدة مع الأفراد المحيطين به كمدرب، نفس الشيء يعرف عن غيرتس، مع اختلاف وحيد وهو طريقة تعامله مع رجال الاعلام، حيث يعتمد على جانب الاثارة والإستفزاز، وهي خاصية ذكية جيدا من طرفه عند اعلانه الحروب النفسية للضغط على منافسيه، وغالبا ما تنجح ويحقق بها هدفه. صفة أخرى تجمع المدربين وهي الاصرار على الفوز وعدم تقبل الهزيمة وهذا راجع لشخصيتهما الفذة ولو أن بن شيخة لا يظهر ذلك أمام غيره، إلا أن اللاعبين الذين تعاملوا معه من قبل أكدوا لنا ذلك، واستدلوا بالخطابات التي يلقيها عليهم خاصة في الفترة الأكثر أهمية بالنسبة للاعب والمدرب على حد سواء، وهي ما بين شوطي المباراة، أين يمكن قلب موازين النتيجة إعتمادا على هذا الخطاب. تكتيكيا.. الاختلاف واضح بينهما يكمن الاختلاف بين التقني البلجيكي غيرتس وعبد الحق بن شيخة في الاستراتيجيات التي يعتمد عليها الرجلين، فإذا كان الأول يحبذ التعامل مع الأسماء الكبيرة والنجوم التي تملك الامكانيات الفردية الهائلة، من أجل إحداث الفارق في التحديات التي يواجهها داخل الميدان، لأنه مقتنع بأن هذه الأسماء تلعب دورين أساسيين في المستطيل الأخير، تقديم الاضافة المنتظرة منها والاعتماد عليها للتطبيق الحرفي للخطة المرسومة من طرفه من جهة، ومن جهة أخرى، إعطاء دفعة معنوية وثقة بالنفس لبقية العناصر المتواجدة الى جانبها (النجوم)، كما أن ذلك يمكن أن يؤثر في نفسية المنافس ويسبب له نوعا من التخوف والارتباك عند مواجهة الفرق المدججة بالأسماء الثقيلة. على عكس الناخب الوطني الذي دائما ما أصر على التعامل مع الكتلة، أي مجموعة متكاملة ومتجانسة من اللاعبين بغض النظر عن أسمائهم أوالأندية التي يلعبون لها وإعطائه الأولوية للأكثر جاهزية بدنيا، فنيا ومعنويا وكثيرا ما ثبت ذلك و ما إبعاده لعبد القادر غزال وجمال عبدون وزياية إلا دليل عن ذلك، فالبرغم مما يصنعه هؤلاء مع أنديتهم، إلاّ أنه وجّه الدعوة للعناصر التي أثبتت فعاليتها وامكانياتها تحسبا لموعد مراكش، مضحيا أيضا بمعشوق الجماهير الجزائرية “مراد مقني”، بعد عودته من الاصابة واندماجه مع زملائه في تدريبات ناديه “لازيو روما” قبل بضع جولات من انتهاء الموسم، لا لسبب سوى أن هناك من هو أكثر استعدادا منه للمشاركة في المباراة الحاسمة والقوية أمام أسود الأطلس ولو أن وجوده مع التشكيلة الوطنية كان سيكون له دفعا معنويا جيدا وقويا عليها، وأيضا كان سيؤرق المدرب غيرتس قبل المواجهة. مواجهة تكتيكية أكثر منها كروية استعراضية في مباراة اليوم، كل شيء مسموح بالنسبة للمدربين الجزائري والمغربي، لأن الرهان كبير جدا، وكل الوسائل المستعملة هدفها واحد وهوالفوز وإيقاف الخصم، وبالتالي فمن المنتظر حتما أن يشهد لقاء الفريقين صراعا تكتيكيا في أعلى مستوياته، بين مدرستين مختلفتين، الأولى جزائرية محلية تعتمد على روح الجماعة والارادة القوية، كما يسعى بن شيخة الى أسلوب الحفاظ على الكرة لأطول مدة ممكنة مع تنظيم هجمات مرتدة لمباغتة “المغرب” بعقر داره، ومنه امتصاص الحرارة والضغط الذي سيمارسه أشبال التقني البلجيكي “غيرتس” على منطقة الحارس مبولحي. المدرب المغربي سيجرب عدة خطط تكتيكية خلال المباراة، وهذا أمر منتظر من طرفه، حيث له القدرة على التكيف مع مجريات اللعب والتعامل مع أي نتيجة مسجلة، وما يحضره لنظيره الجزائري لن يكون سهلا ولا بديهيا. كما أنه يملك مجموعة من اللاعبين قادرة على صنع الفارق من “نصف فرصة” كالشماخ أو تعرابت، باعتبارها قطعتين أساسيتين في الخطة التي بناها غيرتس، تحضيرا لهذا اللقاء رغم صعوبة المأمورية أمام دفاع قوي يقوده لاعب رانجرز، مجيد بوڤرة، ومدرب قوي جدا أيضا كرويا ونفسيا.