أعلن، أول أمس، عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب مقاتي، ويأتي تأليف هذه الحكومة بعد بقاء البلاد بدون حكومة حقيقية منذ إنهيار إئتلاف سعد الحريري في جانفي الماضي. ويمكن أن يساهم هذا الإنجاز الذي واجه الكثير من الاعتراضات والرفض في نزع فتيل أزمة، كانت تترصد بلبنان بدوافع داخلية ودولية بقصد مواصلة التحكم في هذا البلد عن بعد، ومن ثم ضمان بقاء الهيمنة الصهيوأمريكية والغربية عليه. وإذا كان ميقاتي قد أكد بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة، بأنها ستتصرف إلى العمل لمواجهة التحديات التي تنتظرها على الصعيد الداخلي والخارجي، وذلك تحت ثوابت التمسك بإتفاق الطائف وتحرير الأرض وإعادة حوار هادئ وبناء الدولة تحت سقف المؤسسة الدستورية.. ولكون هذه الحكومة ستكون حكومة كل لبنان ومن أجل كل اللبنانيين، ولا تفرق في ذلك بين من سيمنحها الثقة أو من يحجبها عنها، فإن إنطلاق حكومته ومواصلة عملها لن يكون من السهولة بمكان، خاصة وأن الجهات التي كانت تطالب بإرجاء التأليف هي ذاتها التي جعلت تشكيل الحكومة اليوم أمرا مطلوبا. كما أن الرفض الخارجي الصهيوأمريكي الغربي لن يقبل بالاستمرار في عملها. والواقع أن تشكيل الحكومة اللبنانية، أصبح أمرا مطلوبا لأكثر من سبب، لاسيما في ظل التداعيات المفروضة على المنطقة بفعل ثورات الربيع العربية، والتي يمكن أن تمتد إلى لبنان ذاته بما لا يحمد عقباه، رغم أن الإطاحة بالحريري سبقت التطورات والانتفاضات في عدة دول عربية، كما أنها جاءت قبل الحراك داخل سوريا، ولهذا يمكن أن يكون تشكيل الحكومة اللبنانية المعطل منذ مدة عامل مساعد في إبعاد لبنان عن شبح الربيع العربي، ويدعم في ذات الوقت موقع سوريا وحزب الله، لاسيما بعد تغير خريطة القوى في لبنان، بعودة جنبلاط مجددا إلى محور سوريا وحزب الله. وبالمقابل، فإن الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في هذا الظرف يرتبط حسب المعارضة المتمثلة في تيار المستقبل، باستخدام لبنان ساحة للمواجهة السياسية تدعم المواجهة العسكرية في سوريا، لتخفف بذلك من ضغط التحركات المطالبة بالإصلاح وتغيير النظام. وهو ما يطرح التساؤل عن كيفية تعامل حزب الله مع الواقع المستجد، بفعل الحراك المتصاعد داخل سوريا ذاتها. ولا يمكن إستبعاد تأثير دوافع ميقاتي نفسه في الدفع لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، كيف لا وقد دخل السياسة من باب المال والأعمال، كما أن معظم مؤسساته تعمل خارج لبنان. وكان أول من زاره بعد الإعلان عن تشكيل حكومته، هو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بلبنان، الذي أكد له أن الحكم على الحكومة الجديدة هو في تمسكها بالإلتزامات الدولية ومن ضمنها المحكمة الدولية. وفي المحصلة النهائية، فإن وضع البيان الوزاري المنتظر لحكومة ميقاتي، التي ستنال الثقة به من مجلس النواب على أساسه، سيكون أول اختبار لها، ونجاحها يعني البدء في معالجة التحديات المطروحة، وفي مقدمتها إيجاد مخرج للتعامل مع قرار المحكمة الدولية والقرارات الدولية الأخرى، ومنها القرار 1701 المطالب بنزع سلاح حزب الله وغيرها من القضايا الأخرى، كإعادة تعمير لبنان المدمر بفعل حرب 2006، وقف الفساد وغيرها من المشاكل الداخلية والخارجية كإستعادة ثقة حلفاء لبنان الطبيعيين وفي مقدمتهم السعودية، التي تعدّ ضرورية في ظل التطورات الجارية في لبنان ومحيطه.