من المؤسف أن ينصبّ الاهتمام فقط على معلم أثري تاريخي واحد وهو قصبة الجزائر العاصمة، في حين تبقى القصبات الأخرى عرضة للتلف والتخريب، لماذا لا يوسّع اليوم الوطني للقصبة ليشمل سائر المناطق المحفوظة التي تزخر بها الجزائر؟ هاته القصور و المدن والقصبات التي هي اليوم في أمس الحاجة لمن يهتم بها وينقذ ما تبقى منها من أجل الذاكرة الوطنية. ‘'يوم وطني للمناطق الأثرية المحفوظة'' هو اقتراح الجمعية الوطنية تراث جزايرنا على لسان رئيستها محافظة التراث والأستاذة الجامعية فايزة رياش، التي ترى كمختصة في آثار ما قبل التاريخ: «أن الاحتفاء بمناسبات معينة لا يخدم التراث، فمثلا تقول نحن نرتاح ونهمل التراث خلال 11 شهرا، ونأتي لنحتفي به خلال شهر التراث، أين تقام أنشطة هنا وهناك، ولا يمكن استغلالها ولا حضورها كلها، في حين أن هاته الكنوز التاريخية والأثرية يستلزم منا الاهتمام والمتابعة على مدار السنة». لابد لنا اليوم، تقول فايزة رياش من إعادة «النظر في كيفية توسيع اليوم الوطني للقصبة ليشمل كل قصبات الجزائر ومعالمها المحفوظة دون استثناء، ليكون «يوما وطنيا للقطاع المحفوظ»، فيشمل القصور والمدن الصغيرة والقرى المصنفة. من الخطأ، تضيف «أن ينضبّ كل الاهتمام على قصبة الجزائر بدافع أنه كان لها دور في الثورة الجزائرية، لكن الحقيقة أن كل القصور والقصبات لعبت هي الأخرى أدوارا بطولية في المقاومة ضد فرنسا الاستعمارية وكان لكل من هذه الأماكن التاريخية تضحياتها الكبيرة، مستدلة في قولها على «قصبة دلس، التي تعدّ من أجمل القلاع التي شيّدت في الجزائر والتي تعرّضت لتلف كبير عقب زلزال 2003، وكان لها دور كبير في المقاومة الشعبية وثورة نوفمبر المجيدة». الساكنة طرف مهم في مشروع الترميم تعتبر فايزة رياش أن أي مشروع لترميم قصبة، قرية، مدينة مصنفة أو قصر من قصور الصحراء لابد له أن تأخذ الساكنة بعين الاعتبار كونها عامل مهم في الحفاظ على التراث المادي واللامادي وقد تلعب دورا أساسيا في الترويج لهذه المناطق تاريخيا وسياسيا. فبقصة الجزائر على سبيل المثال هناك مساجد قصور ومتاحف، لكن السواح عددهم قليل، فبالرغم من كل مشاريع الترميم والأموال الطائلة الموظفة، ليس هناك مطاعم لتروّج للأكل التقليدي ولا ورشات لإظهار المهن والحرف وغياب للمرشدين المهنيين، فليس هناك عمل خاص بإشراك الساكنة في مشروع الترميم وتوعيتها حول أهمية الحفاظ على هذا الكنز الأثري وزرع فيهم ثقافة الترويج له كمعلم أثري سياحي. وفي سياق متصل، أشارت إلى ضرورة الساكنة حول أهمية الحفاظ وحماية المباني التاريخية، فكل قصبة من قصبات الجزائر هي ملك للذاكرة الوطنية، لها قيمة لا تقدر بثمن. الأهم اليوم ليس بترحيل الساكنة بل تخفيف كثافتها بالمكان وإشراكها في المشاريع الرامية إلى جعل القصبات أقطابا سياحية مثل ما هو الحال بالدول المجاورة. ونتمنى تقول أن» يكون العمل مستقبلا من خلال تشجيع الحفاظ على الآثار والتراث الثقافي، إقامة دورات تكوينية للحرف والصناعات التقليدية وورشات مفتوحة للسياح على الأطباق التقليدية، مضيفة أنه من المستحسن أن يكون تنسيق مشترك داخل القصبة من أجل جولات سياحية تشمل العديد من مواقعها الأثرية ومعالمها التاريخية، في انتظار تعميم الاهتمام بالقصبات الأخرى. فلماذا، تتساءل قائلة، «لا تشمل الجولة السياحية المتاحف الموجودة بها، فمثلا من يزور دار عزيزة، يزور الجامع الكبير أيضا ومتحف المنمنات وغيرها على أن يكون هذا بتذكرة واحدة تشجيعا للسياحة. قصبات يُجهل عددها الحقيقي عرضة للتلف والنسيان لا أحد يعرف العدد الحقيقي لقصبات الجزائر، فهي لحدّ اليوم لم تخضع لعملية جرد كاملة، بالرغم من إنشاء الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة مند سنة 2013. فمند تأسيسها تقول رئيسة جمعية تراث جزائريا فإن هذه الهيئة كلفت بالمهمة الصعبة وهي تصنيف القطاعات المحفوظة أي القصور والمدن والقرى الأثرية والقصبات، ولكنها لم تقم لحدّ الساعة لم بجرد لهذه المناطق. ولا تنفي رياش «أن وزارة الثقافة قامت بمجودات كبيرة من أجل تصنيف هذه المعالم من قصور وقصبات ومدن وقرى مشيرة أنها كانت ضمن الفريق الذي تمّ تعينه لدراسة مشروع ترميم قصبة درب التبانة بولاية مستغانم». أشارت رئيسة جمعية «تراث جزايرنا» أنه من الأحسن «تجديد مجال الحماية قبل العمل على تصنيف المعلم التاريخي، مضيفة أن هناك مشروع ترميم قصبة دلس وقصبة تنس لكنهما يسيران بخطى حلزون». لا بد لنا تقول رياش أن نتعامل مع كل القصبات ولا نركز الاهتمام على قصبة الجزائر فقط، فإذا نظرنا إلى الإهمال الذي طال قصبة دلس، قصبة ميلة، قصبة درب الثبانة بمستغانم، وإن هناك قصور جميلة تدهورت وكثير من الأسوار انهارت، وقصبة بجاية تحتكم على أكثر المساجد المبنية في الحقبة الإسلامية، أكثر من 300 مسجد يعود تاريخ إنشائها إلى حكم الحماديين.