عرفت ليبيا كيف تسيّر الأزمة والمؤامرة التي تعرضت لها من بداية السنة من خلال الإستراتيجية التي سطرتها على مختلف الأصعدة، لتتبين قدرة وخبرة النظام الليبي في التعامل مع المؤامرات الخارجية التي تعرضت لها طرابلس منذ سنوات طويلة بسبب مواقفها الداعمة لحركات التحرر ومناهضة الامبريالية والمؤيدة لمختلف القضايا التي حاول الغرب إثارتها من أجل المال والنفوذ والسيطرة على منابع الطاقة أو قطع الطريق أمام دول صاعدة على غرار البرازيل والهند والصين. وسرّ نجاح نظام العقيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى هو موازنته بين مختلف جبهات الحرب، وتمكنه من سحب البساط من تحت أقدام الناتو بعد فك الحصار الإعلامي، حيث ظن الجميع أن طرابلس لن تسمح بدخول وسائل الإعلام العالمية لتغطية ما يجري، غير أن المفاجأة كبيرة عندما طلبت ليبيا ذلك ودعت حتى الأممالمتحدة ومختلف المنظمات غير الحكومية للإطلاع على ما يجري في الواقع، وهو ما جعل الدعاية المغرضة التي تبنتها مختلف القنوات الفرنسية على غرار فرانس 24 و«بي بي سي” البريطانية لتشكيل رأي عام عالمي مضاد للقذافي أو مساند لحملة الناتو، غير أن الوقت فضح المؤامرة وانقلب السحر على الساحر من خلال إقرار معظم العواصم المنخرطة في حلف الناتو بفشل الحملة العسكرية، لأنها بنيت على باطل وباتت تروج للحل السياسي والدبلوماسي للتقليل من آثار الإخفاق العسكري. الدعاية الإعلامية سقطت بفتح المجال للقذافي تداركت مختلف وسائل الإعلام العالمية انحيازها لما يسمى المجلس الوطني الانتقالي ومحاولة منحه حجما أكبر مما هو موجود عليه في الواقع، وهو ما كشفه التاريخ حيث وبمرور الوقت فرضت الأحداث نفسها وانكشف أن الدعاية والتضليل هي التي صنعت المجلس الذي بات يتواجد في أوضاع لا يحسد عليها. والأخطر من كل هذا ظهرت في الأفق مؤشرات خطيرة تصب في إطار انقلاب الغرب على ما يسمى المجلس الانتقالي، بعد أن ظهر هشا ومنقسما ولم يتفطن للمؤامرات التي تحكيها فرنسا وبريطانيا اللتان عملتا على توجيه المجلس من بعيد وتوريطه في الكثير من الإخفاقات التي تعرض لها الناتو، فالمجازر التي ارتكبها الحلف الأطلسي والخروقات الحاصلة سيتحمل ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي تبعاتها، لأن باريس ولندن تحتفظ بكل التصريحات والتسجيلات التي كانت تطالب الغرب بالتدخل وهو ما غفل عنه أعضاء المجلس الانتقالي. وفي سياق متصل عمدت أوروبا إلى الانقسام سياسيا وعسكريا لتشتيت الرأي العام العالمي لتسير الأزمة الليبية والتحضير لكل النتائج المستقبلية فترويج أوروبا لإمكانية الحوار والتراجع عن المواقف الداعية لرحيل القذافي التي لازمت بداية الأزمة ف “فرانس 24” و«تي أف 1” و«بي بي سي” البريطانية، باتت تتحدث عن بقاء القذافي في ليبيا وإمكانية نجاح المفاوضات الدبلوماسية، كما أن وزير الخارجية الفرنسي آلآن جوبي قد تحدث في آخر تصريح له عن بقاء القذافي والحل الدبلوماسي وهو ما يتعارض مع موقف الجمعية التأسيسية “البرلمان الفرنسي” الذي صادق على لائحة تمنح الضوء الأخضر “للاليزي” لمواصلة الحرب وكل هذا من أجل إنقاذ فرنسا من السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة. وما يزيد من دعم فرضيات انقلاب الغرب على ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي هو فتح المجال الإعلامي للعقيد الليبي معمر القذافي وحكومته من أجل الدفاع عن مواقفهم وتبرير ردودهم. خاصة بعد أن تمكنت المسيرات المليونية التي شهدتها شوارع طرابلس والزاوية ومختلف المدن الليبية من زعزعت العالم، ونقلت صورة حقيقية عن المشهد الليبي الذي أظهر تماسك الشعب الليبي مع قيادته ويزداد هذا التلاحم الذي اعترفت به حتى العواصمالغربية بزيادة ضربات حلف الناتو، وهو ما دفع بضرورة اعتماد الحل السلمي والدبلوماسي وإطلاق الحوار اللامشروط. الذي يرى ليس كمن يسمع تنطبق هذه المقولة على ما يحدث في ليبيا، حيث تمكنت كبرى وسائل الإعلام العالمية من احتكار المعلومات والصور الخاصة بليبيا في البداية، وهو ما أثّر إجمالا على تغطية الأحداث، ولكن بتوافد البعثات الإعلامية تبين أن التغطيات في بدايتها كانت كلها مضللة ومن خلال تغطيات بعض وسائل الإعلام، من مختلف الدول أعطت بعض التوازن ونزعت الكثير من اللبس والغموض وهو ما نجح في رفع المطالب المنادية بالدبلوماسية والحل السلمي. وحتى تغطية القنوات الغربية لما يسمون ب “الثوار” تخفي الكثير من التناقضات في التغطيات الإعلامية فالصور المعروضة في القنوات التلفزيونية تظهر ما يسمى “الثوار” بصور غير بريئة من خلال التركيز على بثّ صورهم وهم يصلون كما يشددون على أن يظهروهم باللحي تمهيدا لربطهم بتنظيم القاعدة، لأن إصرار فرنسا على التدخل العسكري في ليبيا ينطبق في إطار خطة طويلة تهدف إلى الوصول إلى منطقة الساحل ومنه استرجاع هيبتها في منطقة الساحل التي سجلت فيها الكثير من الخسائر، وهو ما جعل الرأي العام الفرنسي ينتقد ساركوزي بقوة ودعوته في الكثير من الأحيان التقليل من التدخلات العسكرية التي تثقل كاهل الدولة الفرنسية. وتفتقد التغطيات التلفزيونية الحالية إلى صور محينة، فالكل يعمد إلى صور من الأرشيف تحمل الكثير من الدلالات التي يمكن استغلالها لاحقا وهو ما يغفل عنه ما يسمون بالثوار وكأنهم لم ينسوا كيف تم استغلال بعض المواقف من العراقيين لإذكاء نار الفتنة وصبّ الزيت على النار ونفس الأمر بأفغانستان وتونس ومصر وحتى سوريا، وهو ما لم يستوعبه ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي. وما زاد في تأزيم الموقف الأوروبي هو دخول موسكو وواشطن على الخط والتركيز المكثف على ضرورة الحل السلمي، خاصة من خلال الحديث عن مبادرة الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة الليبية وإرسال مبعوثين أمريكيين للتفاوض مع نظام القذافي، وهو ما يؤكد الاختلاف الكبير بين مختلف العواصم حول إيجاد حل للأزمة الليبية، وهو ما يصبّ في صالح العقيد معمر القذافي الذي لقيت مواقفه وخطبه صدى كبير في مختلف أصقاع العالم وجاءه التأييد من مختلف دول أمريكا الجنوبية وحتى الإفريقية التي نادت بضرورة احترام الاتحاد كهيئة لحل المشاكل والنظر في الأزمات. وما رجّح الكفة أكثر لطرابلس، هو الحركة الدبلوماسية الكثيفة لوزير الخارجية الروسي “سيرغاي لافروف” رفقة الموقف روسيا الرافض الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي والذي يعتبر ضربة قاسمة للغرب لتؤكد رفضها للمواقف الغربية ومنه معاملة روسيا كدولة عادية وليست بالمكانة التي كان يحظى بها الاتحاد السوفياتي. وتتخوف أوروبا وكبرى العواصم العالمية من تأثر الشارع بما يحدث في ليبيا ومنه القيام بمظاهرات عارمة ضد تدخل الناتو في ليبيا ما قد يعجل بوقف همجية الناتو، حيث وبعد 5 أشهر من القصف لم تظهر أية نتائج في الأفق بل تسببت العديد من الغارات في قتل المدنيين وتدمير المدن وهو ما يجعل التدخل قذرا. الإعلام العربي بعيد كل البعد عن مصالح الأمة تلقى قناة “الجزيرة” انتقادات كبيرة من كل الأقطار العربية بالنظر لما تلعبه من دور في ما يحدث بالوطن العربي من تحولات، وحتى وإن حاولت القناة الدفاع عن خدمتها لحرية التعبير والصحافة وضمان حق المواطن العربي في الإعلام، إلا أن ذلك لم يمنعها من السقوط في الكثير من الأخطاء من خلال الانحياز الفاضح لأطراف الأزمة. فقد عبّرت القناة رسميا عن دعمها لما يسمى بالمجلس الوطني الانتقالي، وفوق ذلك شنّت هجوما غير مبرر على القائد الليبي معمر القذافي، ولم تفتح له حتى المجال من باب حق الرد وهو ما جعلها محل سخط من الرأي العام العربي الذي بات يتساءل عن الجهة التي تعمل لها هذه القناة، وكذا عن من يقف وراءها بفعل قدرتها على توجيه الأحداث والتأثير فيها بشكل رهيب، غير أن تخليها عن الدول العربية في أوقات حرجة يؤكد لعبها لدور معين قبل أن تتخلى عن ذلك بتوجيهات سرية. فحدة التغطيات بعد الثورات تنخفض وتكاد تنعدم كما أنها تحاول دائما التصعيد مع دول شمال إفريقيا دون الدول الخليجية وهو ما زاد من حدة الشكوك التي جعلت شعبيتها تتراجع. وبالمقابل أظهر الإعلام العربي بُعده وافتقاده لمقومات الإعلام العصري الذي يحمل ويدافع عن هموم الأمة ويحميها من المؤامرات التي تحاك ضدها، وطرق التغطية في مختلف الأزمات التي مرت بها عديد الدول منذ بداية السنة الجارية، يؤكد الانشقاق الكبير للأمة العربية وفوق ذلك تواطؤ بعض الدول مع أعداء الأمة لضرب إخوانهم وهي الوقائع التي لم ولن ينساها التاريخ ......وخاصة ما وقع في ليبيا؟؟؟؟.