جدد الرئيس الأميركي باراك أوباما مطالبته الزعيم الليبي معمر القذافي بالرحيل فورا عن السلطة ووقف العنف ضد شعبه، في حين اقترح سيناتور أميركي تسليح الثوار الذين أضحوا يسيطرون على مناطق عديدة في البلاد. وقال أوباما في مؤتمر صحفي مشترك بالبيت الأبيض مع نظيره المكسيكي فيليب كالديرون إن "القذافي فقد شرعيته للقيادة وينبغي أن يرحل". وأضاف "هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب عمله". وحذر المسؤولين المحيطين بالقذافي من أنهم مراقبون، وأن المجتمع الدولي لن يسمح بالهجمات ضد المدنيين. وقال الرئيس الأميركي إنه يتعين على هؤلاء المسؤولين أن يعلموا أن التاريخ ضد القذافي ودعمهم له واستعدادهم لتنفيذ الأوامر لتوجيه العنف ضد المدنيين هي أمور سيحاسبون عليها. وأضاف "رسالتنا واضحة، وهي أن العنف يجب أن يتوقف.. وعلى القذافي أن يتنحى ويغادر البلاد، لأن ذلك أفضل لبلاده ولشعبه، وهذا هو الصواب. وأشار أوباما إلى أن كل الخيارات متاحة أمام الولاياتالمتحدة، من بينها الخيار العسكري للتعامل مع الأزمة، ولكنه شدد على أن التركيز حاليا ينصب على الوضع الإنساني. وقال إنه أعطى موافقته لوكالة التنمية الدولية، وهي ذراع في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) لاستئجار طائرات مدنية للمساعدة في إعادة اللاجئين الفارين إلى تونس إلى بلدانهم، مشيرا إلى أن بلاده ترسل مساعدات إنسانية إلى الحدود الليبية لتلبية الحاجات الملحة للشعب الليبي. مؤشرات الحرب الأهلية على الأراضي الليبية تزايدت مساء الأمس وصباح اليوم حدة الصراع الليبي-الليبي، وبعد دخول الأزمة الليبية نفق التدويل على خلفية قرار مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية وتحركات زعماء الاتحاد الأوروبي، فقد دخلت الأزمة الليبية اليوم في أولى مراحل الحرب الأهلية: فما هي طبيعة الحرب الأهلية الليبية؟ وما هي طبيعة وخصوصية ثنائيات المواجهات الجارية في مسرح الصراع الليبي؟ وما هو تأثير دور الأطراف الثالثة الخارجية المتوقع خلال الفترة القادمة؟ * مسرح الحرب الأهلية الليبية: توصيف المعلومات الجارية تشهد ساحة الصراع الليبي-الليبي المزيد من التحركات الإستراتيجية والتكتيكية لجهة الترتيب من أجل خوض جولة الصراع المسلح المرتفع الشدة والذي سوف يكون للقدرات العسكرية الدور الرئيسي في كافة حسابات حسم الصراع، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي: عسكرياً: بدأت عملية اصطفاف فاعلية سلبية عسكرية وذلك لجهة تحركات القطع العسكرية باتجاه تحقيق عاملين، الأول حماية مناطق النفوذ والسيطرة على المنشآت الحيوية إضافة إلى السيطرة على الممرات والموانئ والمطارات الرئيسية، وحالياً تقول المعلومات والتسريبات بأن كل حقول النفط الرئيسية أصبحت تحت سيطرة القوات الموالية لمعسكر معمر القذافي، إضافة إلى أن هذه القوات تسيطر على عقدة المواصلات والطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة طرابلس، وبالمقابل، تسيطر قوى المعارضة الليبية بشكل كامل على المدن الشرقية الرئيسية من الحدود المصرية والمطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهي مدن الشريط الساحلي الشرقي: بنغازي، المرج، البيضاء، درنة وطبرق إضافة إلى الزويغينة وبعض المدن الصغيرة الأخرى الموجودة في المنطقة الشمالية الشرقية. وفي هذه المدن والمناطق استطاعت المعارضة الليبية فرض سيطرتها الكاملة على شئون الإدارة والحكم فيها بعد أن تراجعت سلطة الدولة الليبية بسبب عنف وشدة حركة المقاومة التي وجدت الدعم الكامل بواسطة السكان المحليين. وحالياً، وعلى خلفية حصول حركة المقاومة على المزيد من القدرات العسكرية بسبب انضمام المزيد من العسكريين من أبناء هذه المناطق إلى حركة المقاومة، فإن حركة المقاومة تتحرك حالياً باتجاه مناطق وسط ليبيا إضافة إلى بعض المناطق في الجانب الشمالي الغربي الذي يسيطر عليه أنصار الزعيم معمر القذافي. اقتصادياً: يسيطر نظام الرئيس القذافي على الموارد الاقتصادية المالية والنفطية إضافة إلى القدرات الأخرى، وبالمقابل، أصبحت قوى المعارضة تفرض سيطرتها الكاملة على الموارد البشرية والمادية الأخرى الموجودة في مناطق شمال شرق ليبيا إضافة إلى بعض المناطق الوسطى. سياسياً: استطاعت قوى المعارضة كسب الدعم السياسي إلى المستويين الداخلي والخارجي، وفي هذا الخصوص فهي تتمتع بالدعم السياسي الكامل في المنطقة الشرقية إضافة إلى التعاطف في أوساط سكان المنطقة الوسطى وبعض المناطق الغربية، وعلى المستوى الخارجي تتمتع المعارضة الليبية بالدعم السياسي الأمريكي والأوربي الغربي إضافة إلى دعم المؤسسات الإقليمية والدولية الرئيسية وخصوصاً مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية والأطراف الأوروبية الرئيسية. اجتماعياً: تلعب العوامل القبلية والعشائرية دوراً كبيراً في عمليات التعبئة السلبية الفاعلة، وفي هذا الخصوص فقد استطاعت المعارضة الليبية كسب دعم ومساندة القبائل في المنطقة الشرقية إضافة إلى عدد لا بأس به من قبائل المنطقة الوسطى، مع وجود بعض قبائل المنطقة الغربية الصغيرة التي أبدت استعدادها للتعاطف مع المعارضة، بالمقابل، مازال النظام الليبي قادراً على كسب دعم ومساندة بعض القبائل الرئيسية في المنطقة الغربية وأيضاً بعض قبائل المنطقتين الوسطى والجنوبية. * المواجهات الليبية وإشكاليات الجغرافيا العسكرية تبلغ مساحة ليبيا 1.7 مليون كم2 تقريباً، وعلى أساس الاعتبارات الطبوغرافية فهي عبارة عن رقعة أرض واسعة مربعة تنقسم إلى منطقتين تضاريسيتين هما: المنطقة الساحلية: ويمتد بشكل عرضي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من حدود مصر إلى حدود تونس. المنطقة الداخلية: وتمتد على بضعة كيلومترات من الشريط الساحلي باتجاه الجنوب حتى الحدود مع السودان وتشاد والنيجر وذلك ضمن ما يعرف بحزام الصحراء الكبرى التي تمتد من ضفة النيل الغربية في مصر وتمتد حتى المناطق الغربية من الساحل الموريتاني. هذا، وعلى أساس اعتبارات العامل السكاني –الديموغرافي فإن عدد سكان ليبيا البالغ 6.5 مليون نسمة نلاحظ أنه يتوزع على النحو الآتي: الأغلبية العظمى تغطي المناطق الساحلية مع كثافة أكبر في المنطقة الغربية. الأقلية تعيش في المناطق الوسطى والجنوبية ذات الطبيعة الصحراوية. إذا تصاعدت حدة المواجهات وتحولت إلى حرب أهلية، فإن أبرز سمات هذه الحرب سوف يتمثل في الآتي: القتال العنيف في المدن الموجودة على طول امتداد المنطقة الساحلية وعلى وجه الخصوص أنماط القتال المتعلقة بأساليب حرب الشوارع . الاستخدام المتزايد للمناطق الصحراوية في عناصر المناورة والحركة إضافة إلى استخدام هذه المناطق الصحراوية كعمق إستراتيجي. سوف يلعب عامل الإمداد الدور الرئيسي في حسم الصراع. وبكلمات أخرى، إذا كانت الحسابات الإستراتيجية المتعلقة بمستقبل الصراع المسلح الليبي-الليبي تنطوي على قدر أكبر من التعقيد فمن الممكن ملاحظة الآتي: تستطيع المعارضة الليبية الحصول على الإمدادات بكل سهولة عن طريق البحر خاصة وأن المدن الرئيسية التي تسيطر عليها المعارضة تتميز بإطلالتها البحرية المنفتحة على البحر الأبيض المتوسط، إضافة لذلك تستطيع المعارضة الحصول على الإمدادات عبر الحدود المصرية، وتقول المعلومات والتسريبات بأن المعارضة الليبية تسيطر على الجزء الشمالي من شريط الحدود المصرية-الليبية. يستطيع النظام الليبي الاعتماد على المخزونات الإستراتيجية الكبيرة والتي تقوم القوات الموالية له بفرض سيطرتها الكاملة على مخزونات هذه الإمدادات وخصوصاً الذخائر وقطع السلاح والعتاد. يستطيع النظام الليبي استخدام الوسائط العسكرية المتطورة مثل المدرعات والدبابات والطائرات وقطع المدفعية، أما المعارضة فتستطيع استخدام العناصر المسلحة وبعض القطع العسكرية التي انضمت لها، إضافة إلى عامل المعلومات الإستخبارية بسبب دعم السكان المحليين. هذا، و على أساس اعتبارات حسابات الجهة العسكرية الرئيسي، فإن المعارضة الليبية سوف تسعى أولاً وقبل كل شيء لجهة السيطرة على مناطق تمركزها وفي نفس الوقت السعي باتجاه تنظيم الحملات الكبرى من أجل استهداف العاصمة السياسية طرابلس والقضاء على النظام، وبالمقابل لذلك، على أساس اعتبارات الجهد العسكري الرئيسي سوف يسعى النظام الليبي قبل كل شيء لجهة الحفاظ على العاصمة السياسية طرابلس إضافة إلى تأمين مناطق المساندة القبلية ثم القيام بتسوية الضربات المتلاحقة ضد عناصر المعارضة التي تحاول التقدم غرباً. أما على أساس اعتبارات عامل الإمداد، فإن النظام الليبي الذي يملك حالياً السيطرة النافذة على الموارد والمخزونات الإستراتيجية فإنه سوف يلجأ إلى استخدام حرب الإمدادات بحيث يقوم بتطبيق كل الأساليب التي تجعل المعارضة غير قادرة على الحصول على الإمدادات، بما يؤدي إلى إرهاقها وإضعافها، خاصة أن المعارضة الليبية لم تبدأ باستخدام اضرب واهرب، وإنما لجأت منذ البداية بالاستيلاء على المدن التي يقطنها عشرات الآلاف من الناس، وهذا معناه أن على المعارضة العمل لجهة توفير مقومات الحياة والمعيشة لهؤلاء السكان في بلد يتميز بطبيعته الصحراوية ويعاني من التبعية للخارج في كل شيء، وعلى وجه الخصوص في الاحتياجات الصحية والغذائية، وتقول التسريبات بأن العديد من خصوم النظام الليبي الأوروبيين أصبحوا أكثر تردداً لجهة القيام بتوفير الدعم للمعارضة الليبية، وذلك لأنه سوف يكون دعماً باهظ التكلفة، طالما أنه من الصعب إطعام مدن يقطنها عشرات الآلاف السكان عن طريق السفن والشاحنات العابرة للصحراء! وبالتالي يسعى خصوم النظام الليبي إلى تكثيف الضغط وتوفير الدعم السريع العاجل لقوى المعارضة من أجل حسم معركة طرابلس والاستيلاء على السلطة على وجه السرعة، وفي هذا الخصوص تقول العديد من التسريبات باحتمالات القيام بالمزيد من العمليات السرية التي تستهدف تنفيذ الاغتيالات في أوساط رموز النظام الليبي وعلى وجه الخصوص الزعيم معمر القذافي وأبناءه سيف الإسلام، وخميس القذافي و بعض قادة الوحدات العسكرية وزعماء القبائل والعشائر الداعمة للقذافي، إضافة إلى لسيناريو الاغتيالات المحتمل، تقول التسريبات باحتمالات أن تقوم بعض الدول الكبرى أو ربما حلف الناتو بتنفيذ ضربات عسكرية جوية لجهة القضاء على مراكز القيادة والسيطرة الواقعة تحت قبضة النظام الليبي، وذلك ضمن عملية قصف جوي مكثف لا يتجاوز جدول تنفيذها ال 48 ساعة كحد أقصى. وبرغم هذه الاحتمالات تبقى فرضية الكابوس المزعج والقائلة بأن الزعيم الليبي لم يقم في الماضي بتسليم كل أسلحة الدمار الشامل الموجودة بحوزته، وبالتالي فهناك احتمالات كبيرة أن يكون قد احتفظ ببعض الرؤوس الحربية الكيماوية والتي كما تشير التوقعات بأنه سوف لن يتردد في استخدامها إذا تزايدت الضغوط المكثفة ضده وصول الأمر إلى مرحلة الخطر الوجودي، بما يجعل القذافي يلجأ إلى التقاط الإشارة وإدارك أنه يخوض حرب البقاء والوجود! الهدف الليبي في منظور حلف الناتو بحلول الساعات الأخيرة من الأسبوع الماضي ، دخلت الأزمة السياسية الليبية نفق التدويل وذلك بفعل التطورات الجديدة التي حدثت بشكل متزامن على مستوى مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية: فما هي أبعاد وملامح تدويل الأزمة الليبية؟ وما هي القراءات لحقيقة النوايا الدولية المعلنة وغير المعلنة إزاء الأزمة الليبية؟ وهل نحن أمام سيناريو إدارة الأزمة السياسية الليبية بما يؤدي لحلها، أم نحن أمام سيناريو لإدارة الأزمة بأزمة أخرى بما يؤدي إلى وضع أزموي جديد في المنطقة خاصة وأن شبح نموذج "إدارة الأزمة بالأزمة" ما يزال حاضراً بقوة في الساحة العراقية؟! المجتمع الدولي والأزمة السياسية الليبية: توصيف المعلومات الجارية مارست أزمة الاحتجاجات السياسية المزيد من حضورها القوي في كافة المحافل السياسية والإعلامية الدولية بما أدى إلى حدوث المزيد من التصعيدات السياسية الدولية والإقليمية الجديدة، وفي هذا الخصوص فقد حدث مساء الأمس تطوران جديدان هامان: قرار مجلس الأمن الدولي: تقول التقارير والمعلومات بأن مجلس الأمن الدولي قد عقد جلسة مغلقة ظهر الأمس –بتوقيت نيويورك- وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى النقاط الآتية: حدوث خلافات بين أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة الكبار حول بنود مشروع القرار التسعة، وفي هذا الخصوص اعترضت الصين على البند الذي طالب المجتمع الدولي بالعمل من أجل فتح التحقيقات ومن ثم فقد تم تعديل هذا البند ببند آخر يطالب الحكومة الليبية بوضع حد لعمليات استخدام العنف، وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى أن الموقف الصيني سببه حساسية بكين إزاء "مبدأ السيادة الداخلية" وضرورة التزام المجتمع الدولي بمبدأ حق الحكومات في القيام بأعمال السيادة دون أي تدخل خارجي من أي طرف حتى لو كان الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي. حدث خلاف بين أعضاء المجلس ورئيس الوفد الليبي عبد الرحيم شلقم الذي أعلن بوضوح بأنه لم يقم بتسليم مجلس الأمن الدولي أي طلب رسمي يعطي المجلس الحق في عقد اجتماع لبحث الأزمة الليبية، وقد تبين أن السفير الليبي الدباشي الذي يتولى نائب شلقم في الأممالمتحدة قد استغل فرصة عدم وجود عبد الرحمن شلقم يوم الاثنين بمدينة نيويورك وقام بإعدادطلب موجه لمجلس الأمن الدولي بضرورة القيام بالنظر في أمر الأزمة السياسية الليبية، وعلى الفور، تم استلام الطلب وأعقب ذلك مباشرة قيام بريطانيا بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يتكون من 9 بنود من بينها البند الخاص بإجراء التحقيقات الدولية، هذا وتجدر الإشارة إلى أن عبد الرحمن شلقم عندما عاد إلى نيويورك، وعلم بأمر الطلب، أعلن على الفور رفضه لخطاب الطلب وعن تأييده ودعمه لنظام الرئيس معمر القذافي، ولكن برغم ذلك، فقد أعلنت دوائر مجلس الأمن الدولي بأن الطلب الليبي قد تم استلامه بالفعل، وأن مجلس الأمن الدولي لن يتراجع طالما أنه بدأ في الإجراءات والترتيبات، إضافة إلى أن السفير الدباشي هو الشخص المفوض بتمثيل ليبيا في مجلس الأمن الدولي طالما يكون عبد الرحمن شلقم غير موجود. قرار أمانة جامعة الدول العربية: أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن تعليق عضوية ليبيا في جامعة الدول العربية والأمانات التابعة لها، وذلك بالاستناد إلى المعلومات والتقارير القائلة بأن النظام الليبي يقوم حالياً باستخدام العنف المفرط ضد المواطنين الليبيين. بالاستناد إلى ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي وقرار جامعة الدول العربية تكون الأزمة السياسية الليبية قد دخلت ضمن نفق التدويل، وحالياً، وبرغم أن مفوضية الاتحاد الأوروبي لم تقم بإصدار أي قرار بشأن الأزمة الليبية، فمن المتوقع أن تسعى خلال الفترة القصيرة القادمة للقيام بإصدار قرار مماثل مع ملاحظة أن قرار المفوضية الأوروبية يمكن أن ينطوي عليه المزيد من التداعيات الفائقة الحساسية، ليس على النظام الليبي وحسب، وإنما بقدر أكبر على بلدان واقتصاديات القارة الأوروبية نفسها والتي تعتمد بقدر كبير على إمدادات النفط والغاز الليبي. تدويل الأزمة السياسية الليبية: إلى أين تمضي القاطرة؟ اندفعت قوة زخم الأزمة السياسية الليبية بما أدى إلى إطلاق طاقة هائلة من العنف السياسي، والذي تقول كل المؤشرات بأن طاقته تفوق بأضعاف حجم الأزمة الجارية حالياً في الداخل الليبي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي: تحدثت بعض التسريبات عن ضغوط أمريكية تتعرض لها إدارة الرئيس أوباما لجهة القيام بإنفاذ سيناريو التدخل العسكري الأمريكي العاجل ضد ليبيا، وهو مشروع تم وضع مخططاته منذ أيام إدارة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان على خلفية أزمة خليج سرت والمواجهات العسكرية الأمريكية-الليبية، ومحاولة أسراب الطائرات الحربية الأمريكية القيام بقصف مقر الزعيم الليبي معمر القذافي ومحاولة "دكه" من الجو. وتقول التسريبات بأن السيناتور الديمقراطي-اليهودي الأمريكي والزعيم البارز في جماعات اللوبي الإسرائيلي جو ليبرمان والزعيم الجمهوري البارز جو ماكين المرشح الجمهوري الرئاسي، والذي أعلن استعداده والتزامه في حالة فوزه بالرئاسة شن حرب نووية شرق أوسطية من أجل حماية أمن إسرائيل، يقودون الآن حملة داخل الكونغرس الأمريكي للقيام بالضغط على الحكومة الأمريكية من أجل التدخل، إضافة إلى قيام السيناتور الديمقراطي جو ماكين بحملة تطالب الإدارة الأمريكية بإعادة فرض نظام العقوبات الأمريكية والدولية ضد ليبيا. تحدثت التسريبات عن ترتيبات سوف يسعى حلف الناتو من خلالها القيام باحتلال ليبيا على غرار احتلال صربيا واحتلال أمريكا للعراق وأفغانستان، وذلك تحت مبررات قيام حلف الناتو بتحقيق ثلاثة أهداف هي: حماية السكان المدنيين الليبيين، حماية الأمن في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط، حماية المصالح الأوروبية. على خلفية التطورات والأحداث والوقائع الجارية، من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تشهد في الوقت الحالي بعداً سياسياً مزدوجاً ينطوي على جانبين في غاية الأهمية: عملية احتجاجات شعبية في العديد من دول الشرق الأوسط: تونس، مصر، البحرين، اليمن، ليبيا، الجزائر، المغرب، الأردن والعراق. عملية سرية تقوم بها أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والغربية لتوجيه فعاليات هذه الاحتجاجات بما يبقي على حلفاء محور واشنطن-تل أبيب ويضعف خصوم هذا المحور.
وتأسيساً على ذلك، فإن أبرز أهداف محور واشنطن-تل أبيب يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي: إنفاذ سيناريو الإبقاء على السلطات التونسية بطاقمها الحالي طالما تستطيع المحافظة على توجهات السياسة الخارجية التونسية المرتبطة بفرنسا وأمريكا وإسرائيل مع ضرورة تقديم الدعم لهذه السلطات لجهة تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية. إنفاذ سيناريو الإبقاء على السلطات المصرية الحالية أو استبدالها بسلطات تتكون من طاقم يكون أكثر التزاماً بإنفاذ بنود اتفاقية كامب ديفيد بالتعاون المصري-الأمريكي في الشئون السياسية والدبلوماسية الشرق أوسطية. حماية ألأنظمة الخليجية والأخرى الحليفة لأمريكا من الانهيار والعمل لإنفاذ ذلك من خلال حثها على إجراء الإصلاحات الممكنة لجهة إرضاء الجماهير وفي نفس الوقت عدم الإصرار بالمصالح الحيوية الأمريكية المتمثلة في السيطرة على الموارد وحماية أمن إسرائيل. أما ليبيا فالمطلوب حالياً، توظيف التصعيدات السياسية الجارية بما يتيح توفير المبررات والذرائع اللازمة لجهة قيام قوات حلف الناتو باحتلال ليبيا وذلك بالتعاون مع أمريكا، بما يؤدي إلى ابتزاز موارد النفط والغاز الليبي، ويحول ليبيا إلى قاعدة متقدمة لحلف الناتو في مناطق شمال أفريقيا، وتقول المعلومات والتسريبات بأن مشكلة إنفاذ هذا المخطط سوف تصطدم بالموقف التركي وذلك لأن قرارات حلف الناتو يجب أن يتم اتخاذها بالإجماع، وهو الإجماع الذي لم تستطع أمريكا الحصول عليه بسبب الرفض التركي عندما سعت إدارة بوش لاستخدام حلف الناتو في عملية احتلال العراق. وتقول المعلومات والتسريبات بأن هناك احتمالات كبيرة لجهة اعتراض أنقرا على قيام حلف الناتو بغزو واحتلال ليبيا، ولكن، لما كانت السياسة هي فن الممكن، فمن يدري، ربما توافق أنقرا وتحصل على المكافأة التي انتظرتها طويلاً وهي عضوية الاتحاد الأوروبي، وحل الأزمة القبرصية بما يرضي تركيا!