سطرت الحكومة برنامجا طموحا لرفع القدرات الهائلة التي يزخر بها القطاع الصناعي، المعول عليه بالدرجة الأولى لتنويع الاقتصاد من خلال المزيد من الانتاج الموجه لتثمين القدرات خارج قطاع المحروقات. البرنامج المسطر من طرف الحكومة لم يكن وليد اليوم بل يعود لسنوات مضت، حينما أدركت أنه لا سبيل لتعويض الاعتماد الكلي على قطاع المحروقات الخاضع لتقلبات الأسواق الخارجية، إلا من خلال الاستفادة من الطاقات المحلية العديدة وتحويلها إلى ركائز اساسية لنهضة صناعية وكانت محور الجلسات الصناعية التي تبنتها الحكومة قبل سنوات واعتمدت عليها لرسم استراتيجية قادرة على رفع التحدي الذي لم يكن هينا. وبالنظر إلى الاهتمام الذي توليه السلطات العمومية لرفع مردودية القطاع من خلال توفيرها كل أسباب النجاح الا أن هذا الأخير لايزال يحتل مراتب متخلفة من حيث النمو الذي سجل تدهورا متزايدا خلال السنوات الماضية. وتيرة الاهتمام بالقطاع لم ترافقها إنجازات تذكر على أرض الواقع بدليل أن النمو الصناعي المتواضع جدا لايزال يراوح مكانه، فضلا على أن نفس القطاع عجز عن سد الثغرة الهائلة التي تركها تراجع الانتاج خارج قطاع المحروقات. وعلى الرغم من أن «بعث الصناعة وترقية المؤسسة الصغيرة والمتوسطة وتطوير الاستثمار يوجد في صميم الهدف الاستراتيجي المتمثل في تنويع الاقتصاد الوطني»، مثلما أشار إليه رئيس الجمهورية خلال ترأسه لاجتماع تقييمي حول قطاع الصناعة ضمن جلسات الاستماع السنوية، إلا أن النتائج الأولية المحققة في حاجة إلى مزيد من الدعم للخروج من الصورة الشاحبة التي رسمها وزير القطاع قبل أسابيع مضت، خاصة في شقه التصديري عندما أعلن عن تقلص حجم المؤسسات الوطنية المصدرة عاسكا ذلك مدى التراجع الذي سجله القطاع في الفترة التي كان يفترض فيها إحداث نقلة نوعية، خاصة وأنها تزامنت مع بداية تنفيذ الاستراتيجية الصناعية والتي أهم ما جاء فيه مشروع استحداث 36 منطقة صناعية جديدة، قصد تشجيع تطوير استثمارات جديدة. العملية ليست بالهينة، وترقية الاستثمار المنتج يتطلب رفع ما تبقى من العراقيل والتي تأتي في مقدمتها تسهيل الاستفادة من العقار والتمويلات وتخفيف الأعباء الجبائية وشبه الجبائية، فضلا عن استهداف تلك الفروع والنشاطات الصناعية القادرة على المساهمة في رفع النمو ومواجهة المنافسة الدولية. إعادة تأهيل بعض فروع النشاطات الصناعية وإدراج تعديلات في المخططات التنموية ساهم إلى حد ما في احداث نوع من الديناميكية التي تبقى محدودة بالنظر إلى الامكانيات الهائلة التي وفرتها الدولة خاصة في فروع مثل صناعة الاسمنت أو صناعة الحديد والصلب، وكذلك صناعة الأدوية التي ستعرف توسعا مميزا بعد عصرنة خمسة مواقع انتاج وبناء ستة مصانع جديدة للأدوية، وذلك وفق المخطط التنموي لهذا القطاع الذي عرضه وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار في جلسة الاستماع التي خصه بها رئيس الجمهورية سهرة أول أمس.