يشهد المنتج الدرامي والكوميدي الجزائري نشاطا ملحوظا في شهر رمضان الكريم، وظهرت بعض الأعمال التي نالت حظا من نسب عالية للمشاهدة، كما بدأت النقاشات حول الجوانب الفنية والرسائل التي تقدمها بعض الأعمال، وتحديدا مسلسلي «أولاد الحلال «و»الرايس قورصو»، تابعوا.. أولاد الحلال...والهامش الاجتماعي استطاع مسلسل «أولاد الحلال» الذي يبث على قناة «الشروق « أن يستقطب انتباه العائلات الجزائرية بأحداثه وقصته، بفضل جودة السيناريو وقدرة الفنانين أصحاب الخبرة في العمل المسرحي والتلفزي، وقدم العمل مشاهد شعبية من مدينة وهران، ونقل الواقع الاجتماعي الصعب في الأزقة والحارات، ومختلف السلوكات المنحرفة للشباب وصراعاتهم لأجل المال وضمان الحياة الرغدة،وكذلك سعي الفقراء لكسب القوت، بتقنية تصوير عالية الجودة. ونتساءل هنا: هل تتضمّن الحلقات المتبقية من المسلسل مشاهد للتراث الثقافي الشعبي للمنطقة الوهرانية؟ وهل تنقل لنا التراث المادي واللامادي للمدينة؟ وهل ستحضر الصور السياحية الجملية التي تسوق للمكان؟ الأكيد أن كل عمل فني درامخي اوهزلي هومحاولة للتسويق السياحي والثقافي، إلى جانب كشفه للخصوصيات الاجتماعية والعاطفية والسياسية للناس وتفاعلاتهم مع الأمكنة.... وكان للحضور الدرامي لممثلين مثل عبد القادر جريو، سهيلة معلم، إيمان نوال، يوسف سحيري، الدور البارز في جذب المتلقي لأجواء القصة وصراعاتها وتحولاتها في الأمكنة والأزمنة، علما أن المخرج هو نصر الدين السهيلي والسيناريو لرفيقة بوجدي، ومن الجانب التقني لاحظنا أنه لا توجد وقفات موسيقية تصورية كثيرة، وهي التي يستعين بها بعض المخرجين لتعويض هشاشة نصوص كتاب السيناريو قصد التغطية على العجز في الكتابة الفنية؟؟ إن المسلسل يرحل في عالم شعبي معقد، تتصارع فيه العواطف والأفكار والمصالح، وينقل صورة عن المجتمعات الهامشية في جزائر الاستقلال، وهو ما يتطلب الاطلاع على خصوصيات هذه المجتمعات قبل تجسيدها الفني، ونرى بأن كاتب النص قد اطلع كثيرا على الملامح الشعبية للمجتمعات الهامشية، كما يكون قد زارها وتفاعل مع أهلها، وهو شأن المشاركين في الأدوار التمثيلية، فجاء العمل متميزا وبعيدا عن أعمال هزلية بسيطة، تنقل التهريج وليس الفن الحقيقي. ولعل أهم ما في العمل هوالسيناريو، وقد منح التشويق في تسلسل الأحداث، كما أن الحوار حاضر، وتمكن العمل من اختيار مشاهد واقعية اجتماعية لجوانب موجودة في اغلب المدن الجزائرية، نتيجة الفساد السياسي والاقتصادي، ونتيجة غياب المشاريع التنموية التي توفر مناصب الشغل والسكن الكريم والحياة الرغدة للمجتمع... وظهرت بعض الأصوات الرافضة لمضامين المسلسل، كما وجدنا بيانا من بعض أهل وهران انتشر في شبكات التواصل ونقلته بعض القنوات ووسائل الإعلام المكتوبة، مع ملاحظة غياب التوقيع والأسماء في البيان، ولم تتبنه أي جهة، رغم انه جاء باسم كل أهل وهران، واعتبر البيان هذا العمل الفني يسئ لمدينة معروفة بتاريخها وتراثها وعلمائها، ويقدم صورة سلبية عنها كما فعلت أعمال درامية أخرى قبله. الرايس قورصو... الإبهار وتفكّك السيناريو؟؟ استطاع مسلسل «الرايس قورصو» (إخراج عادل أديب وكاتب السيناريو وائل عبد الحميد وبطولة صالح أوقروت وسيد احد أقومي ومليكة بلباي وإيمان نوال وغيرهم) أن يجذب المتلقي بالتقنيات البصرية والموسيقية، وليس بحبكة السيناريو وجودته، وقد لاحظنا من خلال الحلقات المقدمة في الأيام الأولى من رمضان، أن المخرج وفريقه حاولوا تغطية العجز الفني الظاهر لتقنيات الحكي وملامح القصة والحوار وتطور الحدث بمشاهد المعارك البحرية، وببهرجة اللباس وتنوعاته، وبالموسيقى التصويرية، لدرجة يظل المتلقي ينتظر حضور الحوار بين الشخصيات لكنه لا يحضر، وإن حضر فيكون مختصرا، وكأنه محاولة لمحاصرة المتلقي للحظات زمنية فقط،دون تقديم المعنى والرسالة؟؟ لاحظنا مواصلة السخرية من اللغة العربية في أدوار بعض خطباء السلسلة، وقد شاهدناها في أعمال رمضانية سابقة ونبّهنا لسلبياتها، ونتساءل كيف تحضّر هذه الممارسة التمثيلية الجزائرية الخالصة، رغم أن كاتب السيناريو مصريا؟؟كما نجز أن هناك الكثير من الحذف للحوارات والمشاهد، لبروز الخلل في التأسيس للسرد، بمعنى هناك تقديم في خطوات التعبير الدرامي ثم التراجع ليتقدم التعبير الكوميدي، في ظل صراع داخلي لشخصية القرصان بين أصله وتجاربه البحرية مع اللصوص... وتجلى لنا تفكك النص وعدم تماسك الأبعاد السردية، وكأن السيناريو كتب في ورشة فنية جماعية، تتداخل فيها المستويات الفنية وتختلف القناعات بين الدرامي والهزلي، كما أن الممثل صالح أوقروت خارج السياق الفني، لأنه حضر ماكياجا وصورة ولم يحضر تحركا تمثيليا ولم يبرز لنا الأداء النفسي والفكري، ولم نشاهده دراميا، شأنه شأن ممثلين آخرين نعرف قدراتهم الكوميدية والدرامية، لكن شاهدناهم تهريجيا بهلوانيا وفقط؟؟ ولسنا ندري هل ستكون الحلقات القادمة من المسلسل بمثل ما شهدناه لحد الآن؟ ويمكن أن تعترف بالقدرات التصويرية الكبيرة المعتمدة في المسلسل، لكن الخيبة كانت في غياب ترابط القصة، بمعنى أن العمل توفر على المتعة والادهاش في ظل غياب أي رسالة يريد أن يقولها؟؟ كما أننا لاحظنا اختلافا في مستوى الخطاب بن مشهد وآخر وحلقة وأخرى، فحينا نجده خطابا راقيا فنيا وفكريا، ويقترح الحكم والأمثال ويلمح لمسائل وجودية جوهرية، وحينا يكون سخيفا بسيطا لا رائحة للأيديولوجية والقيم فيه؟؟ كما أن الرسائل الفكرية والسياسية لم تكن واضحة أو أن صراعا قد حدث بين الكاتب والمخرج والمنتج، بمعنى السير في اتجاه النقد السياسي ثم التراجع والاكتفاء بالتلميح، وهنا سيلحظ المتلقي صعود التهريج وتراجع الإبداع التمثيلي في بكثير من المشاهد. وبقي أن نتساءل عن حضور الإشهار داخل بعض الحلقات، هل هو خداع للمتلقي أو مراوغة لقوانين الإشهار؟؟ وهل هذا مسموح أم ممنوع؟؟ وليعد القارئ لحلقة التي تنافس فيها فريق الرايس في مقابلة لكرة القدم مع فريق زعيم جزيرة، وليلحظ حضور التسويق لشركة اتصالات وغيرها في أقمصة اللاعبين، ولسنا ندري ما هي الرسائل الفنية الفكرية لمثل هذه الصور والمشاهد؟؟ وما وموفق سلطة السمعي البصري هنا؟؟ في الختام لا يمكن الحكم النهائي بالنجاح أو الإخفاق إلا بعد انتهاء كل حلقات هذين العملين وغيرهما، لكن تبقى إشكالية كتابة النصوص القابلة للتمثيل الكوميدي أوالدرامي مفتوحة في الجزائر، وتحتاج لحول ونقاشات، قد تكون مفاتيحها في جامعاتنا وكليات الفنون والآداب والثقافة عبر الوطن. في ظل كثرة القنوات جزائريا وعربيا، ندعو المشرفين على القنوات الجزائرية لوضع شريط دائم - في أسفل الشاشة - متضمن لأهم البرامج والأعمال المقدمة وتوقيتها، وكذلك وضع عنوان - في أعلى الشاشة - لكل برنامج أو مسلسل أو أي عمل، لتمكين المشاهد من المتابعة ويكون على دراية بعنوان ما يشاهده. وقد سجّلنا عموما تقدم الأعمال الرمضانية خطوات كبيرة في الإدهاش البصري والتحكم في التقنيات البصرية مع تراجع نسبي للمحتوى، والعمل على خداع المتلقي لكسب انتباهه وقبض فلوس الاشهار من المؤسسات الاقتصادية، وتبقى هذه ملاحظات شخصية، وما إسهامنا هذا إلا لخدمة المشهد الفني والإنتاج السمعي البصري عندنا ورمضان كريم.