حملت الذكرى ال 6 للاستفتاء على المصالحة الوطنية هذه المرة حالة من التمايز والخصوصية تكشف عنها الإصلاحات السياسية المقررة من أجل تدعيم جزائر المؤسسات، يكون الجدل حول كيفيات البناء الوطني وبالتي هي أحسن بعيدا عن لغة الحقد والإقصاء والتراشق العنفي، وهي وضعية غيرتها تدابير السلم والمصالحة المحتلة الأولوية في برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة. ونتذكر كيف اهتم الرئيس بوتفليقة بهذا المسعى الذي كسب عنده حالة الاستعجال ولماذا ظل محورا أساسيا في برنامجه الانتخابي قبل الألفية بالتأكيد الصريح أنه جاء من أجل السلم وإخراج الجزائر الجريحة التي تآمر عليها الأبناء قبل الأعداء من نزيف الدم والدمع. نتذكر تلك الرسائل غير المشفرة التي أطلقها الرئيس بلا انقطاع وهو يجوب البلاد طولا وعرضا وبأنه يفعل المستحيل من أجل استتباب الأمن وإعادة الجزائر من بعيد إلى واجهة الأحداث وقلب التحولات و الى الخارطة الجيو سياسية مرفوعة الهامة مكسرة الحصار موحدة القلوب، لا يخاف الجزائري من أخيه ولا يتآمر ضده تحت أي طارئ. نتذكر كيف تبددت المخاوف واستقرت المعادلة وأسمعت الجزائر صوتها للآخر وبأن الإرهاب ليس ''صناعة محلية'' تجعل الدول تنفض يدها من مواجهته وعدم الاقتناع بجدوى الانخراط في الاستراتيجية الموجهة لمحاربة الجماعات المسلحة التي تغالط الرأي العام باتخاذ من الدين قيما مغلوطة خاطئة للاعتداء على أقدس المقدسات الحقوقية: الحق في الحياة.. إنها مسائل أعادت لها المصالحة الوطنية مفاهيمها الحقة وكرست للمعادلة السياسية التوازن المفقود وأقنعت الآخر المتردد بأن مواجهة شبكات الإرهاب المتمادي في ضرب المصالحة والاعتداء بلا وجه حق على الأرواح جريمة لا يمكن التنازل عنها والاستخفاف منها. ومن واجب الأمم الانخراط في هذا التوجه طالما أن الإرهاب لا لون له ولا وطن وجرائمه عابرة للحدود. وكانت هذه رسالة الجزائر المرددة على الملأ في مختلف الدوائر والقمم على مدى أكثر من عشرية، وظلت إحدى المحاور الأساسية في مؤتمر الجزائر حول الإرهاب والمنتدى العالمي بنيويورك والاجتماع الوزاري العربي بتونس. في هذا الظرف المتحول بسرعة مدهشة تحل الذكرى ال 6 للتصويت بالأغلبية الساحقة على ميثاق السلم والمصالحة، وهي أغلبية تؤكد بالملموس تجاوب الجزائريين مع برنامج رئيس الجمهورية في بناء جزائر التقويم والتجديد تضم أبناءها مهما تباينت حساسيتهم واختلفت بعيدا عن ذهنية ''من يخالفني الرأي فهو ضدي يستدعي الإقصاء والإبعاد''. من هذه الزاوية نقرأ أبعاد ورشات الإصلاحات المتعددة الأوجه المفتوحة للإثراء والنقاش دون قوالب جاهزة، وهي ورشات عرفت مشاورات سياسية من ممثلي الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية قبل مرورها إلى البرلمان للحسم في الدورة الخريفية الراهنة. ويفهم من خلال توسيع دائرة النقاش إلى الأطراف الفاعلة أن الإرادة السياسية تريد أن يكون مشروع الإصلاح السياسي جديا في البعد والمضمون والغاية، فقررت أن تأخذ جولة الاستشارات مجراها الموسع ودون أحكام مسبقة حول الأهداف المسطرة، فكان النقاش الواسع بالبرلمان واضعا المنتخبين أمام مسؤوليتهم في إعطاء الورشات حق قدرها من الاهتمام دون تركها تمر مرور الكرام ما دامت تؤسس لمرحلة مصيرية من التعددية الجزائرية التي تبنى وفق استقلالية قرار وسيادة لا تقبل مواصفات الخارج واملاءاته. يفهم من خلال المسعى الأفقي مدى الرغبة السياسية في الذهاب بالإصلاحات إلى الاستقامة والتجذر الذي يخرج البلاد بصفة أبدية من الانتقالية وسياسة ڤالبريكولاج'' ليخرجها إلى التعددية التي تتنافس فيها الطبقات السياسية كل على طريقتها في بناء الديمقراطية، وهو بناء شرع فيه بدءا من أكتوبر ويستمر لسد فجوات منجرة عن الممارسة السياسية وجمع الشروط الكفيلة لإرساء التعددية التي تسقط ديمقراطية الواجهة وما تحمله من تداعيات خطيرة على نظام الحكم والاستقرار السياسي الذي يحمل قيمة لا تقدر بثمن.