تعرف مساحات التجارة الفوضوية بالعاصمة انتشارا كبيرا، حيث انتعشت مؤخرا بنسبة 10 بالمائة بعد ارتفاع عدد التجار الفوضويين الموسميين بنحو 150 الف تاجر، في حين يحتكر مليون تاجر فوضوي أكثر من 500 نقطة بيع فوضوية ثابتة وألف سوق متحركة عبر الوطن. تكشف الأرقام المعلن عنها مدى الاستفحال الخطير للتجارة الفوضوية ببلادنا، فرغم كل الجهود المبذولة للقضاء عليها، إلا أنها تبقى بعيدة عن السيطرة باعتبار أن 60 بالمائة من عمليات توزيع المنتجات، تتم عبر قنوات موازية وبعيدة عن عيون الرقابة والضرائب، وذلك قبل الحديث عن تجارتها وتسويقها للمستهلكين بطريقة فوضوية، ما يستدعي التساؤل عن مصدر تمويل هذه الأسواق التي تتم هي الأخرى بطريقة فوضوية وخفية يقف وراءها مستوردون ومنتجون محليون يزودون التجار الفوضويين وحتى الشرعيين. وقد سجلت هذه الأسواق تدفق الملايين من المواطنين الذين يشجعون مثل هذه الممارسات، حيث لم تعد هذه الأخيرة تستقطب الطبقات الفقيرة والمعوزة من المجتمع، بل أضحت الوجهة الأولى لميسوري الحال وجميع شرائح المجتمع الذين لا يتوانون في البحث عن كل ما هو رخيص. تذمر من عرقلة حركة المرور واكتسحت التجارة الفوضوية العديد من أرصفة وطرقات بلديات العاصمة، مما أثار استياء القاطنين الذين يدفعون ثمن الفوضى والانتشار الرهيب للنفايات والروائح القذرة التي يخلفها مثل هذا النشاط غير القانوني. ببلدية القصبة وبالضبط بساحة الشهداء، يثير هذا النوع من التجارة حفيظة الأغلبية نظرا لما يتسبب فيه من الفوضى، حيث استغلوا جميع الأرصفة ومعظم الطرقات ليضطر السكان إلى استعمال طرق السيارات مما يتسبب في عرقلة حركة المرور وضجيج رهيب نابع من منبهات المركبات وضجيجهم الذي لا يتوقف، والأسواء من ذلك كله هو كمية النفايات التي يخلّفونها وراءهم كل مساء، حيث لا يكلف هؤلاء عناء جمع مخلفاتهم التي تتكاثر وتتكدس محدثة انتشارا رهيبا. وقد طالب المواطنون الذين اشتكوا من تنامي هذه الظاهرة وسلبياتها التي تعد أكثر من ايجابياتها في تصريح ل«الشعب” السلطات المحلية بوضع حد لهذه الظاهرة أو تنظيمها والعمل على تحرير الأرصفة وتنظيفها، باعتبارهم يشكلون مصدرا لقلق المواطنين. أما السوق الفوضوي لبلدية الدويرة، فقد بات يسبب إزعاجا كبيرا خاصة للمتمدرسين باعتباره يتواجد بالقرب من مدرستين ابتدائيتين ومحطة النقل، ما يدفع المارة إلى السير على الطرقات معرضا بذلك حياتهم للخطر. وأفاد محدثونا في ظل المعاناة اليومية التي يتجرعونها بسبب مزاولة هذه التجارة الفوضوية، إلى أن المكان يتحول عند تفرق الباعة إلى ما يشبه المفرغة العمومية باعثا ورائه روائح كريهة بالمنطقة، تتسبب في انتشار رهيب للحشرات والبعوض، الأمر الذي نغّص من الحياة اليومية لسكان البلدية، وناشد في هذا الإطار مواطنو هذه البلدية السلطات المحلية لاتخاذ إجراءات ردعية ضدهم وتنظيمهم بصفة قانونية، باعتبار أن معظمهم لا يملكون تراخيص من البلدية تسمح لهم بمزاولة النشاط، مع تأكيدهم لمطلب انتهاء مصالح البلدية من تجسيد السوق الجديد الجاري انجازه، والذي لا يزال في مرحلة التهيئة، رغم انه كان مبرمجا لتسليمه سنة من قبل، لكن تأخر الأشغال عرقل ذلك، ونذكر أن هذا السوق يضم حوالي 400 طاولة في الهواء. وعبّر لنا بدورهم التجار الشرعيين عن تذمرهم الشديد من العودة القوية للتجار الموازيين، معبرين لنا عن آمالهم في القضاء على هذه التجارة الموازية من منطلق أنهم يدفعون الضرائب فيما يحقق هؤلاء الباعة أرباحا صافية دون دفع أي مستحقات. التجارة الموازية ....ولا شبح البطالة من جهة أخرى تقربت “الشعب” بعدد من التجار الذين يعرضون سلعهم على الأرصفة واستفسرت عن سبب مزاولتهم لمثل هذا النشاط غير القانوني الذي يجعلهم محل مطاردة من طرف الشرطة في كل مرة ومصدر إزعاج كبير للمواطنين، فأكدوا لنا أنهم مضطرون إلى ممارسة هذا النوع من النشاط في ظلّ غياب فرص عمل أخرى وكذا للاستجابة لحاجيات عائلاتهم. وقال محمد شاب يبلغ من العمر 22سنة، إنه يمارس مثل هذا النوع من التجارة منذ تخليه عن مقاعد الدراسة اثر وفاة ولده من اجل إعانة عائلته الفقيرة، حيث لم يجد بديلا عن هذا النشاط. أما كريم البالغ من العمر 27 سنة والمتحصل على شهادة جامعية في شعبة القانون فقد أكّد لنا أن خيار ممارسته لمثل هذا النشاط في ظل نقص فرص العمل. وأشار من جهة أخرى محدثونا إلى غياب سوق البلدي وتأخر مشروع 100محل بمختلف بلديات العاصمة الذي ساهم في انتشار التجارة الفوضوية بصفة سريعة، حيث لم يجدوا بديلا عن ممارسة تجارتهم إلا بطرق غير الشرعية. ويتفق مختلف رؤساء بلديات العاصمة من خلال تصريحاتهم السابقة في مختلف المناسبات، أن القضاء على الأسواق الفوضوية خطوة لا بدمنها للمحافظة على سلامة المواطن بالدرجة الأولى الذي بات يقتل نفسه بطريقة بطيئة دون أن يعي خطورة المواد التي يستهلكها وحتى الألبسة التي يرتديها، وكذا إعادة الوجه الجمالي لأحياء البلديات، بعد أن شوهتها هذه التجارة الفوضوية. ويوجه المنتخبون المحليون أصابع الاتهام للمواطن في حد ذاته الذي يفتقر إلى ثقافة استهلاكية تحميه، حيث يتوافد على هذه الأسواق بصفة يومية، فلم تعد بذلك تشكل هذه الأخيرة تهديدا على الاقتصاد الوطني فحسب، بل تعدته إلى الخطر الصحي عبر تسويق المنتجات الاستهلاكية سريعة التلف. ويؤكد المنتخبون المحليون، أن القضاء على هذه التجارة يجب أن يتم في أطر قانونية وبصفة تدريجية وهي الخطوة التي لن تتم حسبهم إلا من خلال تجسيد أسواق جوارية واستكمال مشروع رئيس الجمهورية الخاص ب100محل في كل بلدية.