همس مؤسس لزمن مغاير يحتفي بالجديد...وارتحال مسائل لهوية تروم الاختلاف....وحرف كان منطقه الانتفاض ....ذلك هو الدكتور عبد الغني بن الشيخ الأستاذ المحاضر بجامعة المسيلة الذي زرته مرات عديدة من خلال كونه الإبداعي وتساؤلاته الاشكالية حول فلسفة الوجود وحقيقة الكلمة نرحب به بين قراء الشعب ونرحب بأنفسنا بين اعترافاته الجميلة. اجرت الحديث : غزلان هاشمي ^ ونسأله أن يقدم نفسه للقراء أولا فمن هو الدكتور عبد الغني بن الشيخ ؟ أنت بهذا الشكل أستاذة غزلان، تورطينني بسؤال هو من أعقد الأسئلة التي توجه إليّ على الإطلاق ، لكنني ? سأحاول مختزلاً لوحة سيرتي الأكاديمية لأن ذلك أسهل .. أنا أستاذ محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة المسيلة ، متحصل على دكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة قسنطينة ، أما مجال تخصصي واهتمامي فهو الرواية العربية المعاصرة و السرديات، أعيش أكاديميا على وقع هواجس أسئلة الرواية وعوالمها التخييلية و قضاياها ،كما تؤرقني على المستوى الفردي هموم الوضع الثقافي في بلادنا في تجلياته الآنية ، مثلما تؤرق العديد من زملائي الأكاديميين والمبدعين والمثقفين بعامة ، في حاضر متقلب، يشهد تحولات حاسمة على جميع المستويات، حاضرٌ يشوبه الغياب ، نلحظ فيه تراجع المثقفين عن آداء أدوارهم المنوطة بهم كأنهم غير معنيين بالمشهد. كيف تجد الحركة النقدية الجزائرية؟ كنت أتوقّع أنك ستورطينني بعد سؤالك الأول، بسؤال أكثر تعقيدا ،تفتح الإجابة عليه نوافذ كثيرة وهواجس كثيرة ،تراودني باستمرار دون أن أجد لها إجابات تبرر هذا الركود الذي نعيشه في زمن العولمة والتسونامي الثقافي ، وهذا ، حين أحاول مقارنة وضع حركتنا النقدية مقاربة بمثيلتها في بلاد عربية شقيقة أخرى - وما أبرئ نفسي - أتساءل لماذا نعيش هذا الركود النقدي في مسايرة الحركة الإبداعية المحليّة التي أجدها نشطة بعض الشيء ،مع تزايد عدد دور النشر ، وانفتاح فضاءاتها رغم الصعوبات التي يواجهها المبدع قبل أن يرى كتابه النور وحتى بعد صدوره ، غير أن الحركة النقدية تبدو لي محتشمة إن لم اقل مشلولة ، تتمثل في مقالات تنشر هنا أو هناك أو بعض الكتب التي تنشر متأخرة عن زمن تأليفها ، لأسباب عدة معقدة ، أما ما يحز في نفسي فعلا ،فهو تجاهلنا لما يؤلفه باحثونا وأكاديميونا في الجزائر رغم سمعتهم الكبيرة في الخارج ، فلا تحظى كتبهم بالقراءة و المتابعة محليا إلا بنسبة محدودة ،لذا بات العديد منهم، يهرّب نفسه ، وبحوثه ودراساته إلى الخارج، لتأتينا غريبة من باب المعرض الدولي للكتاب أو من باب دار نشر أجنبية تتباهى في عقر دارنا بما أبدعه كتابنا ، فنلهف أساتذة وطلبة ومهتمين بالشان النقدي والأدبي باحثين عن كتب ألفها أساتذتنا وباحثونا تصل الينا عادة متأخرة.هو ما كتبت عنه منذ سنين وسميته بالنصوص المهاجرة .الكل “مهووس” بالارتحال والهجرة والغربة حتى النصوص . 3 يعبر النص الإبداعي عن ذاكرة “منهوكة” تبحث عن هويتها من خلال ممكنات متعددة أو عن ذلك الزمن العربي المفقود كيف يمكن استرجاع الأخير إبداعيا؟ السعي إلى استحضار ما مضى من الموروث ليس مجرد حنين الى الماضي ،بقدر ما يعبر عن حاجة المبدع إلى التواصل مع ماضيه ، الماضي الذي تعمدنا إهماله لفترة طويلة بعدما أن أعمت هالة الإنبهار بالآخر بصائرنا فلم نعد نر الإبداع إلا في ما ينجزه الغرب واكتفينا في مجال النقد بما تتكرم به علينا النظريات الغربية، إلا أن المبدعين شعراء وروائيين ونقاد انتبهوا بعد غفلة طويلة نسبيا إلى أهمية ثراء تراثنا الأدبي وتنوع أشكاله فعادوا إليه لاستثماره والإشتغال عليه ، وقد أتاح لي - على المستوى الشخصي- البحث في مرحلة الماجستير ثم في الدكتوراه في قضايا مرتبطة باستحضار التراث في الرواية العربية المعاصرة عند جمال الغيطاني في رواياته المعبقة بالتراث “ كتاب التجليات” ثم عند الرحمن منيف في ثلاثيته” أرض السواد” وعند العديد من الروائيين الذين ألهمهم التاريخ والتراث في كتابة رواية ، أتاح لي كل ذلك أن استبشر خيرا بمستقبل الرواية العربية التي باتت تنحو نحو التأصيل والتحرّر من النموذج الغربي ،وهو ما شهدته الرواية الجزائرية من تحول بعد التسعينيات ، عند واسيني الأعرج و أمين الزاوي و الطاهر وطار ، و عند جيل جديد من المبدعين لم تحظ رواياتهم بالمتابعة اللازمة ، وذلك إجحاف في حقهم، إلا أني ألاحظ عند فئة من المبدعين ظاهرة استحضار التراث من أجل استحضاره ،وتقليدا لروائيين يحسنون الإشتغال على التراث ، فلا يضيفون إليه شيئا ولا يتجاوزونه ،وهذا يلغي سمة التميّز و الإبداع .في هذا السياق، أعتقد أننا في الجزائر لم نستثمر بعد تاريخنا القريب ولا البعيد بالشكل الكافي ،الذي يتحقه ، كما لم نستثمر موروثنا الشعبي وتنوعه ، تنوع لا محدود، من شانه أن ينتج رواية بحجم تنوع تضاريس الجزائر ذاتها ، لا اقول هذا من باب غيرتي على إبداعنا الجزائري فحسب بل انطلاقا من قناعة شخصية وأكاديمية. يقال أن العمل الروائي خضع إلى معيارية ثابتة في تشكلاته إذ امتثل إلى قوانين الآخر مم أنتج ذوات امتثالية لا تحترم حدود هويتها ما مدى صحة هذا القول من منظور عبد الغني؟ وهل استطاع النص الجزائري التحرر من معايير الغرب وإنتاج معايير خاصة به؟ باعتقادي ليس من الإنصاف ولا مقبولا موضوعيا، أن نحكم على كل الروايات وكل الروائيين بنفس الحكم ، فالرواية العربية منذ ظهورها الرسمي ،على الأقل منذ بدأ المهتمون بالتأريخ للأدب يطلقون على جنس من النصوص العربية اسم رواية ،عرفت الرواية العربية تحولات كبيرة عميقة، إنْ على مستوى الموضوعات التي تطرحها أوالقضايا التي تثيرها أو على مستوى التخييل و التقنيات، أمّا عن المرحلة الأولى فقد شهدنا ? بالفعل- ضربا من التقليد والإستنساخ لنمودج الآخر ،نتيجة التأثر الكبير بالرواية الغربية ،وأرى ذلك أمرا طبيعيا عرفته معظم الآداب والثقافات ، ينطبق على ظواهر أخرى ثقافية عشناها وما زلنا نعيشها، كثقافة اللباس، و الإنتاج السنيمائي و الغناء والرسم و ما إلى ذلك، وهذا ليس مجال الحديث عنه، وفي اعتقادي أن الرواية العربية منذ ما بعد هزيمة حزيران المشؤومة تحوّلت تحوّلا عميقا، لازال يتبلور إلى يومنا هذا ،وهي آخذة في التحرّر تدريجيا من سلطة نموذج الرواية الغربية ،إذْ، لا ينبغي أن يغيب على أذهاننا أنّ التخلّص من أثار التقليد، ليس بالأمر الهيّن في غياب البديل، وفي تجاهلنا كباحثين لمحاولات المبدعين من الجيل الجديد وتركيزنا في محاضراتنا وبحوثنا ودراستنا على جيل معيّن و اسماء محدّدة ، بل وعناوين بعينها، فإننا نساهم في تكريس سلطة النمودج أي الهروب من النموذج إلى النموذج ، وباعتقادي فإن التجريب المؤسس على وعي إبداعي حقيقي مدعمّ بثقافة أدبية واسعة ، من شان صاحبه أن يبدع رواية عربية لها خصوصياتها المحلية، رواية معبقة بالتراث ، منفتحة على الآخر دون عقدة ، والخطر كل الخطر ? برأيي- أن نميل كل الميل إلى هذا القطب أو ذاك حداثة أو تقليدا ، دون وعي يخلصنا من التبعية المطلقة، أي تكرار النص والخضوع لسلطة النموذج ، ومن ثمّ، قتل روح الإبداع والركون إلى التقليد. يصوّر النص الجزائري ذوات متأزمة بهويات مشتتة تبحث عن زمن التحقق الأصيل فلا تجده في ظل صراعات مختلفة،فهل كانت هذه النصوص في مستوى تطلعات القارئ الجزائري؟وهل أسهمت في تمثل معاناته؟ أنا لا أعتقد أن الأمر يتعلق بهويات مشتتة منفصلة عن بعضها البعض ، بقدر ما أراه نوعا من التعبير عن الغربة الفظيعة التي يعيشها المبدع عندنا، بداية من الوسط الصغير الذي يعيش فيه ،ومرورا بالوسط الإجتماعي المفتوح الذي لا يولي لإبداعه أي اهتمام يذكر ، ووقوفا عند فئة القراء المثقفين ومنهم الأكادميين والباحثين وطلبة الجامعات الذين لا يثمنون أعمال زملائهم و أستاذتهم ، مؤخرا قرأت حوارين للأستاذين الجزائرين المبدعين ، سعيد بوطجين و ... فشعرت بمرارة ما يعانيه المبدع والأكاديمي عندنا في أعلى المستويات، من غياب في التواصل وصراع مع من كان يفترض ان يتواصل معهم تواصلا ابداعيا وعلميا يقول بوطجين بالعبارة الواحدة : “ تعبت من المحيط ومن الناس وما يشبه الدنيا، وتعبت من الكتابة لأنها جلبت لي أعداء في الجامعة، وفي الحياة. “ أن مثل هذا الوصف لحال الأكاديمي المبدع في الجزائر يدل على هذا التشتّت واللاتواصل الحاصل بين الأكادميين والأكادميين والمبدعين ، وقبله قرأت ما قام به الشاعر عادل صياد بقبر دواوين شعره وإقامة العزاء تعبيرا عن التهميش ،وما كتبته ربيعة جلطي على صفحتها على”الفايس بوك تشكو من التهميش والإقصاء للعام الرابع من فعاليات المعرض الدولي للكتاب، ووو ..فماذا نقول بعد ذلك عن القارئ العادي في زمن بات فيه الأشقاء يبذلون كل الجهد في التعريف بنصوص مبدعيهم وتتبعها بالدراسة والنقد ، وأنا شخصيا تصلني بين الحين والحين والآخر رسائل إلكترونية من زملاء أشقاء في البلاد العربية تروج لنص أو تعرف بمبدع أو دراسة لباحث أو ناقد من البلاد العربية الشقيقة ، ولا يحدث هذا أبدا عندنا في الجزائر، بيننا نحن الأكادميين إلا نادرا،فقد ينشر زميلك كتابا أو مقالة ولا تعرف أنه نشرها إلا بالصدفة العجيبة، وكرم”غوغل” السخي .. فالمشكلة حسب اعتقادي ليست في النص في حذ ذاته، ولا في من يتلقاه ، إنها أعقد من ذلك بكثير ، المشكلة كامنة في التواصل قبل القراءة وقبل النقد، ففي غياب التواصل تغيب القراءة ويغيب النقد ، تعربد الرداءة و هو ما نعيشه للأسف في واقعنا الأدبي والثقافي . اللغة في النص الجزائري المعاصر مضطربة مشتتة هاربة من حدود التماثل تستمد وجودها من مرجعيات متضاربة،هل يمكن القول أنه أي النص الجزائري المعاصر قد تأثر بمرحلة ما بعد الحداثة التي شهدها الغرب والعالم ككل مع العلم أننا تجاوزناها إلى ما فوق الحداثة؟ الانبهار بالحداثة ليس ظاهرة نصية جزائرية محلية، بل هو ظاهرة ثقافية عربية ، هي بالأساس وليدة الإحتكاك المباشر وغير المباشر بالغرب، وهي في الجزائر ظاهرة معاصرة، لا نجدها عند جيل الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كما شاهدناه مبكرا عند شعراء وأدباء الحداثة في لبنان وسوريا على وجه الخصوص ، وتتجلى ملامحها في الانزياح والتجاوز الذي يمارسه المبدع في اشتغاله على اللغة ، في الشعر كما في السرد الروائي ، ومهما قيل عن طبيعة التجاوز الممارس في الإشتغال على اللغة ،فأنه ينبغي أن نتفهّم رغبة الجيل الجديد من المبدعين في التجديد والخروج عن المألوف و دحض سلطة النموذج ،غير أن للحداثة خطورتها من جانب آخر ، حين تُتَّخذ مطية لتهديم القيم و التطاول على المقدسات دون أي اعتبار، فيتحول الأدب إلى فجور فكري قبل أن يتحوّل إلى فجور أدبي يخدش الحياء .إلى الحد الذي تستحي فيه أن تقرأ أحيانا نصا ? فاجرا - على طلبتك ، وهذا إشكال حداثي آخر، وفي اعتقادي أننا لم نستوعب الحداثة الغربية بما يكفي لا في سياقها الثقافي ولا في سياقنا الثقافي، فكيف نستوعب الفكر ما بعد الحداثي وما بعد بعد الحداثي ؟ يعتبر عبد الله إبراهيم أن النص الروائي العربي في بدايته ظهر في سياق مغاير لما يروج له الخطاب النقدي إذ مع القرن 19 حينما وفدت الرواية عن طريق الترجمة بدأ إنتاج النصوص القصصية والروائية أو ترجمتها لكن تأثرا بالمرويات السردية القديمة أي أنها خضعت للذائقة العامة آنذاك وليس العكس.ماهي رؤية الدكتور عبد الغني في هذا الموضوع؟ شخصيا،أوافق عبد الله ابراهيم في تشكيكه في أن تكون نشأة الرواية العربية وليدة الرواية الغربية بصفة مطلقة، كما أوافقه التشكيك في أن تكون رواية “ زينب “ الرواية العربية الأولى على الإطلاق ،إن ذلك يقصي محاولات عديدة لكتابة الرواية، سبقت رواية زينب أو عاصرت ظهورها،على امتداد مساحة الوطن العربي، ثم إنني أوافقه الطرح في أن المنتديات والتجمعات والمرويات الشعبية والتراثية كان لها أثرها في ظهور نصوص يمكن اعتبارها من الرواية، سبقت ظهور رواية زينب، وقد تحدث عنها العديد من المتابعين لشأن الرواية ،و باعتقادي فقد كانت تلك النصوص مؤهلة أسلوبا وتقنية ،لأن تتبلور نحو سردية عربية حديثة لها خصوصياتها، لولا ذلك الإنبهار المبالغ فيه بالرواية والحداثة الغربية ، الذي أدى في النهاية إلى شعور بالإنفصام أدبيا وثقافيا ،أصبحنا نعيش من خلاله حالتين متناقضتين : قطبها الأول نحن وقطبها الثاني “ الآخر” الغرب. ما مدى التزام النص الأدبي الجزائري بالقضايا العربية؟ اعتقد أن الرواية الجزائرية - مثلها مثل الرواية العربية في الأقطار العربية الأخرى، سعت بجرأة كبيرة إلى تعرية الواقع وطرح قضاياه الأكثر إشكالا وتعقيدا ، بالنبش في المحظور من قضايا السياسة والتاريخ و المرأة وقضايا أخرى لا تقل أهمية، تناولتها الرواية الجزائرية من زاوية نظر سردية ، شوهتها أحيانا الرؤية الإيديولوجية الضيقة .النص الذي لا يموت هو النص الإنساني المفتوح على القضايا الإنسانية ، بما في ذلك القضايا المحلية،إذْ ليس ثمة ما يمنع من دخول العالمية من باب المحلية،في زمن فُتِحت فيه كل النوافذ ، والروايات الجزائرية المترجمة إلى لغات عدّة، دليل مشجع على أنها خطت خطوة مهمّة نحو العالمية، دون أن ننسى أهمية الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية في التعريف بأدبنا و ثقافتنا، دون إقصاء أو تهميش لكل الأصوات السردية الجزائرية، كما ينبغي تكثيف الملتقيات والأيام الدراسية الجدية حول الرواية الجزائرية وآفاقها المستقبلية بإشراك جميع المهتمين والمشتغلين على الرواية والرواية الجزائرية ، بعيدا عن تلك الملتقيات الفلكلورية التي تكرر ديكورها و موضوعاتها وشخوصها،تلك الملتقيات التي تُحضّر في الخفاء وتُجرى فعالياتها في الخفاء.إننا مطالبون إذ شئنا الازدهار لروايتنا وأدبنا وجامعاتنا أن نغيّر من ذهنياتنا، بالإنفتاح على ذواتنا قبل السعي إلى الإنفتاح على غيرنا. هل يمكن اعتبار الثورات والاضطرابات العربية هي ثورة على السلطة الأدبية السائدة أيضا؟ الثورات العربية شكل من أشكال التّمرد و الإحتجاج على الوضع السائد المألوف، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا وثقافيا، وإن كان الجانب الأكثر بروزا هو الاحتجاج على السلطة “ إرحل “ والرواية في سياقها الثقافي نوع من الاحتاج ،تتحول بتحوّل الأوضاع ذاتها ، يشتد احتجاجها كلما ازداد الوضع تأزما، وهو ما شهدته الرواية العربية عامة بعد هزيمة حزيران وما شهدته الرواية الجزائرية خاصة في التسعينيات من القرن العشرين، نتيجة تأزم الوضع في الجزائر وما عاشته بلادنا من أوضاع مظطربة مؤلمة ، فكان لذلك تأثيره في بناء خطاب الرواية وفي موضوعاتها وأسئلتها، ومعلوم أن كل تحوّل في بناء الخطاب - لا ريب- يتبعه تحوّل في الإشتغال على اللغة ،في تراكيبها وأساليبها وصورها، كما يتبعها تحوّل ولو تدريجي في الشكل وطرائق السرد و في التقنيات ،و باعتقادي فإن كل احتجاج أو ثورة على طريقة ما نشهده في الوطن العربي، من شأنه أن يزعزع القيم الثابتة ( لوجه التسلّط ) في المجتمع والسياسة و في الأدب، ومن شأنه أن يحرر الخيال المقيد،ويلهم الروائي ليبتكر ويجدّد ويبدع، مع فرق بسيط بين ثورة الشعب وثورة الأدب ، يكمن في أن ثورة الشعوب تجلياتها آنية فورية ، بينما ثورة الأدب تحولاتها وتجلياتها تدريجية ، تحتاج إلى وقت كي تتجلى ملامحها وأشكالها ،وهذا ما ستشهده الرواية العربية من تحوّل أخاله سيمسُّ شكلها و تقنياتها وخطابها ، بشكل تدريحي قد يمتد لسنوات طويلة..يتناسب والتحولات الثقافية والأدبية ذاتها التي تأخذ في التحول بشكل مرحلي تدريجي ، في زمن تتحوّل فيه الأشياء بسرعة خارقة مذهلة. كلمة مفتوحة : أشكرك أستاذة غزلان ،ومن خلالك أشكر جريدة الشعب على هذه الاستضافة الكريمة ، التي سمحت لي بالنبش في هموم المشهد الثقافي عندنا، من خلال معايشتي ليومياته و تحوّلاته فإنني أتفاءل خيرا بجيل جديد مبدع، من شانه أن يغير وجه الحياة الثقافية في الجزائر، إذا فتحنا له فضاءات حقيقية، يبرز من خلالها فعله الإبداعي ، ويساهم بفعالية في المشهد الثقافي بعيدا عن أساليب الإقصاء والتهميش والتقزيم لما هو محلي.