يرمي قانون المالية للسنة القادمة إلى تحقيق جملة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الكلية بما يضمن استمرارية وتيرة التنمية مستهدفا انجاز نسبة نمو بمقدار 4،7 بالمائة. وهو أمر يقتضي تركيز مزيد من الجهود على مختلف جوانب استهلاك الميزانية التي تبنى تقديراتها على أساس مرجعي لسعر البرميل من النفط يقدر بمبلغ 37 دولار للسعر المرجعي الضريبي و90 دولار لسعر السوق مع تسطير نسبة لصرف العملة الوطنية الدينار بقيمة 74 دينار مقابل دولار واحد. وتتوقع تقديرات الميزانية مصاريف بقيمة 7 428 مليار دينار مقابل مدا خيل تقدر بحوالي 3455،6 مليار دينار جزائري أي بتوقع عجز في الميزانية يقدر ب25 بالمائة من الدخل الداخلي الخام مقابل نسبة عجز متوقعة ب34 بالمائة لسنة 2011 . ويقدر وزير القطاع المالي في ورقته التي عرضها أمام البرلمان أن التحكم في مسالة التضخم التي تبقى بمثابة شوكة في خاصرة الاقتصاد الوطني أمر في المتناول شرط أن يتم تشجيع تنمية ثقافة التوفير والاحتياط لتتجه الكتلة المالية الناجمة عن تحسين الأجور والرواتب إلى تعزيز الاحتياطي النقدي بالعملة الوطنية وترشيد استعمالها من أصحابها. وهنا من الطبيعي أن يعاد إطلاق النقاش حول نشاط التوفير والاحتياط خاصة بشان الأدوار التي يلعبها أو يمكن أن يلعبها الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط على الساحة المالية والاقتصادية الوطنية وذلك من خلال ترقية أنماط الخدمات وتنمية السلوكات بما يعزز من عنصري المصداقية والجدوى. وبالفعل يعد محور التوفير المالي احد المحاور التي لم تنل حقها في الجدل أمام ما خصت به محاور أخرى ذات صلة بالتنمية المالية ولئن كان الموضوع في السنوات الأخيرة غير ممكن التعاطي معه بسبب ضعف الأجور وهشاشة القدرة الشرائية إلا انه بالإمكان في الظرف الراهن التعويل على رد الاعتبار لهذه الممارسة الاقتصادية بفضل ما عرفته أجور عالم الشغل من زيادات خاصة لدى بعض الشرائح المهنية وبالذات في الوظيف العمومي. وفي هذا الإطار ليس من الحكمة أن تستهلك تلك القدرات المالية في شكل سيولة نقدية في السوق عبر صرفها في أمور استهلاكية بحتة اقل أهمية من قضايا سوسيواقتصادية ذات اثر اقتصادي اجتماعي جوهري في عملية التنمية مثل برامج السكن وتأسيس مؤسسات مصغرة أو إطلاق مشاريع جوارية من شانها أن تحدث عملية إنشاء الثروة التي تمثل بدورها صمام أمان للضغط على عامل التضخم والتقليل من أثره السلبي. لكن في ظل مناخ ايجابي يعكسه ارتياح مالي ونقدي غير مسبوق لا تزال مؤسسة التوفير والاحتياط متأخرة نوعا ما في اقتناص الفرصة لجذب تلك القدرات النقدية والكتلة المالية المعتبرة وتوجيهها إلى دواليب المنظومة المالية الاقتصادية وفق برامج وعمليات جديدة من حيث الطرح والمضمون وعدم الاكتفاء بالنمط التقليدي الذي لا يزال يبحث عن صياغة تصورات حديثة تعطي دفعا للعلاقة بين مثل هذا البنك المتخصص والعامل منذ السنوات الأولى للاستقلال من جهة والمجموعة الوطنية برمتها وبمختل شرائحها من جهة أخرى بل حان الوقت لإطلاق صيغ باتجاه الجالية الوطنية بالخارج عبر معالجة المعوقات والنقائص والقضاء على كل ما له صلة بالإجراءات البيروقراطية في ظل الوفرة التكنولوجية مثل أدوات الدفع الالكتروني والبطاقات المغناطيسية التي بقدر ما ينبغي توسيع دائرة استخدامها ينبغي أن تحصن وتحمى من أي تلاعب لتعزيز جانب الثقة في السوق بما يكثف من رقعة المعاملات المالية الكترونيا. وبطبيعة الحال إن التوفير ليس مجرد جمع للاحتياطات المالية لدى الأسر والأفراد ولكنه ثقافة اقتصادية مؤسساتية بأبعاد استثمارية