يجتمع اليوم الأربعاء في بروكسل قادة الاتحاد الأوربي للبت في مقترحات وزراء مالية منطقة اليورو بخصوص إدارة أزمة الديون السيادية لليونان وبقية الدول الأوربية التي تعاني من فقدان السيولة مثل إيطاليا، إسبانيا والبرتغال. وكانت الأيام الأخيرة ساحة لجدل اقتصادي عميق بين كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس وزراء بريطانيا دايفيد كامرون. فباريس عكس لندن ترافع من أجل إعادة رسملة صندوق الانقاذ الأوربي كي يتحول الى بنك يمول حاجة الدول العاجزة الى السيولة في حركة واضحة لربح رضا البنوك الدائنة الى اليونان وحملة سندات الخزانة اليونانية. بينما ترافع لندن لأجل توسيع سياسة التقشف في الموازنة الى جميع دول الاتحاد الأوربي، كما فعلت هي تماما في إعداد موازناتها بعد العام 2009 . أما بون التي تمثل أقوى اقتصاديات منطقة اليورو، فلا تحبذ أن تتحمل مزيدا من التكاليف عن أخطاء تكون ارتكبتها الاقتصاديات الأوربية الهشة. فهل لنا أن نعتبر الجدل المذكور بين أقوى مراكز القرار في آوربا دليلا على فشل السياسات الأوربية الموحدة ؟ وما ننتظر من مشهد الركود الذي مازال يخيم على القارة العجوز ؟ خريف منطقة اليورو تمر منطقة اليورو بأخطر مرحلة اقتصادية منذ إطلاق العملة الموحدة العام 1999 على الاطلاق، وتشير بيانات الوظائف في كل من ألمانياوفرنسا وإيطاليا أي الدول المتصدرة للاقتصاد الأوربي - لشهر سبتمبر الأخير - الى وضعية قريبة من الهشة في سوق الشغل، بينما تلامس أسواق دول أخرى مثل إيرلندة وإسبانيا والبرتغال وضعية الهشاشة الكاملة. وكانت بيانات الاقتصاد الكلي في منطقة اليورو للسداسي الأول من العام الجاري أكدت تباطؤ الاقتصاد الفرنسي الى مستوى الصفر في النمو والاقتصاد الألماني الى 0.5 بالمائة، مما انعكس سلبا على وضعية أسواق المال وعلى بيانات أكبر البنوك في أوربا. وبالفعل تتعرض بورصات منطقة اليورو حاليا الى تراجعات يومية مستمرة لامست شهر سبتمبر الماضي ال 4 بالمائة في بورصة باريس، وأعادت وكالة التصنيف موديس تصنيف بنكي سوسييتي جنرال وكريدي أقريكول بنقطة واحدة، وفقد مصرف أسكتلندا - يو أس بي - 9 مليار دولار من أرباحه. وقبل أيام أعادت وكالة موديس تصنيف الاقتصاد الايطالي بنقطتين الى الأدنى ووضعت الاقتصاد الفرنسي تحت المراقبة. وكلها إشارات واضحة الى اتجاه عام آخذ في التراجع ليست كل الدول الأوربية مستعدة لأن تدفع الثمن وخاصة بريطانيا وألمانيا. الربيع العربي: مفترق طرق تمر منطقة اليورو حاليا فيما له علاقة بجسور التدخل في المنطقة العربية بمفترق طرق. فالمؤشرات المالية تدل على عجز حقيقي تجاوز حدود اتفاقية ماستريخت والاستثمارات الصناعية توقفت عند عتبة الركود بسبب شح السيولة، وفقد اليورو العملة الأوربية الموحدة 20 بالمائة من قيمته أمام الدولار منذ مارس الماضي، وجراء ذلك تراجعت تحويلات المهاجرين العرب من النقد الأجنبي بنحو 40 بالمائة منذ 2008، وطالت البطالة قطاعا واسعا من الجالية العربية في منطقة اليورو ما عجل بعودة المهاجرين لبلدانهم. و تشكو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بطالة مقنعة سببها سوء التخطيط لسوق الشغل، مما خفض من معدل الأجر الحقيقي للعمل وزاد من عبء التحويلات الاجتماعية على حساب الاستثمارات في المؤسسات المنتجة. ونفس المنطقة تشكو من وضع ديمقراطي هش بسبب هشاشة وضعية الانتقال في الدول الثائرة واستمرار الحكم المبني على النظام السياسي التقليدي في الدول الأخرى. وفي كل الحالات، فإن انتقال الثورة من حيز "اللاوعي" الى منطقة "الوعي" تحت ضغط العوامل الاجتماعية سيربك مراكز صناعة القرار الاقتصادي في دول منطقة اليورو التي تعتبر الشريك الرئيس لمنطقة - مينا - وربما يؤدي ذلك الى فقدان موقعها الاستراتيجي هناك. ولذا لا تجد الدول الصناعية خيارا آخر للحفاظ على موقعها وحفز الشركات الصناعية لولوج الأسواق العربية من جديد سوى الالتزام بتعهداتها ضمن برنامج المساعدات والاستجابة لنداءات الاستغاثة التي مازالت الحكومات العربية الجديدة تطلقها مع العلم أن الاستثمار في حفز النمو عربيا يخدم الشركات الصناعية الرأسمالية بالدرجة الأولى في المدى المتوسط. الانتخابات الرئاسية الفرنسية: الاستثمار في الأزمة هناك ترابط قوي ومباشر بين الأوضاع السياسية - في دول الربيع العربي - وأداء الاقتصاد على صعيد الأسواق - كل الأسواق - بسبب الترابط الشديد بين القرارين السياسي والاقتصادي، ويكون من الأنجع أوربيا تجنب سيناريو الانفجار والفوضى الخلاقة لصالح التحول السلمي للأنظمة ومرافقة الأنظمة الجديدة التي تكون دائما في حاجة الى عوامل الاستقرار وعلى رأسها التمويلات اللازمة لتلبية مطالب السكان على المديين القصير والمتوسط. ولكن وفي نفس الوقت تواجه المصالح الأوربية في المنطقة العربية المعنية بالانتقال الثوري تحديا من نوع جديد أي دخول لاعبين جدد وبقوة أكبر - تحت ضغط الطلب الكلي الداخلي لتلك البلدان وإعمار الاقتصاد - وعلى رأسهم العملاق الصيني ومجموعة دول البريكس أي كل من البرازيل وروسيا وكوريا والهند والى حد ما جنوب افريقيا، وهي الدول التي تملك جسور تعاون سابق ولو محتشم مع دول الربيع العربي ولكنها غير منافسة على سلم التكنولوجيا والجودة، وهو ما يفسر بالضبط التسابق الفرنسي البريطاني الألماني نحو جنوب المتوسط وكان آجر جولات التسابق الزيارة المشتركة لكل من ساركوزي ودافيد كاميرون الى طرابلس وسط سبتمبر الماضي وزيارة مسؤولين برتغال الى الجزائر شهر أكتوبر الجاري. يواجه اجتماع بروكسل اليوم تحديا حقيقيا في تجنب سيناريو تفكك الاتحاد الأوربي على الرغم من تأكيد بون على أن ألمانيا لن تسمح بذلك، ولكن انتخابات الرئاسة في فرنسا العام القادم ستدفع بحكومة ساركوزي الى ساحة منافسة أخرى أمام الحزب الاشتراكي هي نفسها ساحة الأزمة الاقتصادية الأوربية ولو بابتكار خيارات للتدخل ضمن محيط فرنسا التاريخي بشكل أو بآخر.