جل التقارير الوطنية والأجنبية، تتفق على أن المؤشرات الاقتصادية والمالية، تتحسن من سنة إلى سنة وتضع الجزائر، ضمن أكثر البلدان استقرارا اقتصاديا وماليا وأقلها مديونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في سنة 2011. ولكن وبالنظر إلى الأزمة المتعددة الجوانب التي مست ولاتزال تمس العديد من اقتصاديات العالم بما فيها الدول المتقدمة وما نجم عنها من عجز اقتصادي وديون عمومية غير مسبوقة، خاصة في منطقة اليورو، فإن الجزائر ومن حيث الموشرات المالية والاقتصادية الكبرى المحققة في السنة الماضية، توجد في موقع أفضل بكثير من العديد من الدول الأوروبية نفسها، لأنها استطاعت المحافظة على توازنات مالية ومؤشرات اقتصادية جعلتها تنجو ولو في الوقت الراهن من تداعيات التردي الاقتصادي العام الذي ساد أوروبا ولايزال، في ظرف صعب للغاية اختلطت السياسة مع الاقتصاد، وعمت موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة كلفت خزينة الدولة كلفة باهضة لشراء الاستقرار الاجتماعي، ولم تكن مخطئة. المتفائلون من المحللين الاقتصاديين، أو أولئك الذين يرون الكأس نصف ممتلىء يؤكدون على أن المؤشرات المالية والاقتصادية تحسنت على نحو تصاعدي من سنة إلى أخرى، بما أن النمو السنوي ناهز 9،3٪ بينما سجل الناتج الداخلي الخام مستوى هاما تعدى 184 مليار دولار، واحتياطي صرف بلغ 189 مليار دولار، وهذان المؤشران الأخيران مرشحان لأن يعرفا ارتفاعا آخر بما أنهما يمثلان حصيلة ال11 شهر من السنة الماضية، مما يعني أن التوقعات ببلوغ احتياطي الصرف بالعملة الصعبة سيتعدى ال200 مليار دولار، وهو رقم يرشح الجزائر باحتلال المرتبة الثانية بعد العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط والشمال الافريقي، مرتبة لم تحتلها الجزائر في السابق وتضفي عليها الكثير من الراحة المالية الخارجية وعمتها وضعية مديونيتها الخارجية، التي باتت أحد الأوجه البارزة الايجابية في أي تقييم سواء كان داخلي أو خارجي، يضاف إليها الفائض المسجل في الميزان التجاري والذي تجاوز 25 مليار دولار. غير أن هذه المؤشرات الايجابية ما كان لها أن تعرف ارتفاعا ملحوظا في البعض منها، لولا الارتفاع الهام في الصادرات المتأتية من قطاع المحروقات، التي بلغت خلال الأشهر ال11 سنة 2011 ما قيمته 76 ، 64 مليار دولار مع توقعات اختتام السنة الماضية على ارتفاع آخر، ليصل إلى حدود 70 مليار دولار، ومن هنا يبدأ الإشكال الحقيقي والذي عادة ما يستغله المتشائمون من المحليين أو الذين يرون نصف الكأس فارغا، للانطلاق في الكشف عن الوجه الآخر للاقتصاد الوطني والذي ينتقل من المؤشرات الكلية الايجابية إلى المؤشرات الجزئية المرتبطة بقدرة المؤسسات الاقتصادية على توفير متطلبات النمو من الإنتاج العيني وخلق القيمة المضافة. أول مؤشر سلبي كشفت عنه أرقام عام 2011، استمرار تبعية الاقتصاد الوطني لقطاع المحروقات في تمويل الغذاء والدواء ومتطلبات الانعاش الاقتصادي المتمثلة في الورشات الكبرى المتضمنة في مخططات التنمية، كانت أولى نتائجه ارتفاع فاتورة الاستيراد إلى حوالي 43 مليار دولار، بنسبة تجاوزت 17٪ وهو رقم غير مسبوق أيضا، يعكس التخلي التدريجي عن الانتاج المحلي لصالح الاستيراد، وبقاء حصيلة الصادرات خارج المحروقات في مستوى لا يتعدى ملياري دولار وهو رقم طفيف لا يمكن مقارنته بحجم صادرات المحروقات. أما عن الأرقام المحققة قطاعيا، فإنها لاتزال بعيدة جدا عن الأهداف المسطرة سواء تعلق بالنمو الصناعي الذي لايزال هزيلا للغاية، 9 ، 0 ٪، أو الفلاحي، الذي ورغم نسبة نموه المتوقعة بحوالي 7 ، 7٪ إلا أنه ظل عاجزا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في أهم المواد الغذائية واسعة الاستهلاك ويتعلق الأمر بانتاج الحبوب وارتفاع فاتورة استيراده من سنة أخرى لتتجاوز في نوفمبر الماضي 75،2 مليار دولار بعد التراجع المسجل في انتاجه محليا. ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع أسعار الخام وانعكاساته المباشرة على مداخيل النفط نحو التصاعد، يكون قد غطى على نحو كبير على مستوى الأداء المتواضع لقطاع المحروقات المتأثر بالهزات الداخلية التي شهدتها شركة سوناطراك في العامين الماضيين واستمرار تردد الشركات الأجنبية في الاستثمار في القطاع، بسبب ما وصف بالقيود المفروضة على الشراكة الأجنبية. توقعات تبدو متفائلة إلى حد ما بالنسبة لسنة 2012 من حيث استمرار تسجيل مؤشرات مالية واقتصادية ايجابية، في النمو الاقتصادي ب 5 ، 3٪ وتقليص العجز الميزاني ب5 ، 1٪ من الناتح الداخلي الخام بعد تقليص معدلات الانفاق العمومي ب 10٪ كإجراء احترازي لحماية الاقتصاد. هذه المؤشرات المالية والاقتصادية، التي قد تضع الجزائر مجددا في منأى عن الأزمة الخارجية في سنة 2012 قد لا تصمد طويلا في حالة ما إذا تراجع سعر الخام بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية وتراجع الطلب على النفط، وهو احتمال وارد جدا، كما أن الوفرة المالية التي سمحت للحكومة بتغطية نفقات الزيادة في الأجور التي عرفتها جل القطاعات الوطنية بما فيها المتقاعدين وغيرهم، قد تؤدي إلى زيادة معدل التضخم بين 4٪ و5٪ وانعكاساته المباشرة على ارتفاع الأسعار، مثلما يلاحظ في الآونة الأخيرة. تحديات ليس بالهينة تنتظر جزائر 2012: البطالة خاصة في صفوف الشباب، ومحاربة السوق الموازية وتحفيز الاستثمار، ورفع انتاجية القطاعات من خلال رفع العراقيل التقليدية التي لاتزال تواجه المؤسسات الوطنية من بيروقراطية المؤسسات المالية ولعل الأهم من كل هذا وذاك هو محاربة الفساد الذي يشكل تهديدا حقيقيا على ن مو الاقتصاد الوطني.