عندما تتابع وقائع ما يحدث اليوم مع كبار المسؤولين في الدولة، يتبيّن لك بأنّ هذا النوع من البشر لم يكونوا حقا يتمتّعون بذرّة من الإنسانية أو حتى البشرية والعياذ بالله؟ا فكيف كانت يا ترى تحيا بين جوانحهم وزمرهم ملايير السنتيمات؟ وكيف أنّهم عزّزوا مواقعهم على المديين القريب والبعيد وكذا مع عائلاتهم وأصهارهم؟ وكيف استغلوا بهذا المال القذر نفوذهم وصنعوا فعلا امبراطوريات، للأسف الشديد لم يكن بنيانها أصيلا أو بأدوات أصيلة وفوق أراضِ تربتها حلالا محلّلا؟ا لا تشوبهم خشية أو خوف من التاريخ والأقدار...ورغم ذلك للأسف الشديد تجد بعضهم يساهم بالإغداق من هذا المال في بناء بيوت الله؟ا وآخرون يتهافتون على أداء خامس الأركان يوم يطوفون بالبقاع ومِنى..حيث يحط المال بهم أينما شاؤوا ورغبوا. الفرق بين ثراء رجال المال في الخارج وثراء مسؤولينا فرق شاسع جدا..الأول مبني على حركة رؤوس الأموال التي تضخّمت بفعل الاستثمار في الفكر والمواد التي تشكّل استهلاكا واسعا لدى مواطني دولهم..والثاني اتخذ من العقار والحاويات منتجعا رحبا وطبعا بطرق ملتوية طبعا (فقط لم يبقى لهم وحركة الاتجار بالبشر إلا بضع خطوات)، وربما لو تسنى لهم ذلك لفعلوا... أثرياء المثال الأول جعلت منهم أسماء لامعة في عالم المال والأعمال، إلى درجة أن تجد أغلبهم يتوجه نحو المسائل الثقافية وهو مرفوع الرأس. أما رجال امبراطورياتنا الورقية فهم لا يظهرون للعمل أيام عزهم، بل لا يعملون في وضح النهار إنما هم كالخفافيش، تختصر حركتهم على الهواتف وطبعا غير الذكية؟ا بل من أجل التغطية والتوجيه لرؤوس ومؤخرات حاوياتهم... لذلك فغالبا ما صار المواطن الجزائري يتفاجأ حينما يسمع عن إيداع هذا المسؤول أو ذلك غياهب السجون، وهو من كان ذات تاريخ في نظره قدوة لأرقى المسؤوليات والمناصب..ولو استمرت عملية المحاسبة الدقيقة شهورا أخرى لزُج بالنصف الأكبر من الجزائريين..ولم يبقى لنا إلا بعض الطاعنين في السن وعشرات من الشباب المتحمّس للحراك؟ا إنّ الثراء كمفهوم حضاري هو حق مشروع شريطة أن يكون كالبناء المرصوص حجرة أصيلة فوق أخرى لكن معشر الذين باتت القنوات والصحف تنقل لنا أخبارهم فقد شقوا البحار على طريقة القراصنة..داسوا على كثير من المبادئ والقيم، وانتزعوا جلود الانسانية من أجسادهم، وأعلنوها صرخة واحدة وهي (عدم القناعة) حتى ولو استدعى الأمر كسب كل خزائن هذا الوطن الحبيب، وكأن بهم يخوضون سباقا محموما في رفع أرصدتهم وإيصالها نحو أرقام لا تخطر ببال..لكن واخيبتاه كما يقال جاءت الساعة التي لا ينفعهم فيها لا مال ولا بنون. وهنا تذكّرت حكمة قالها إمامنا الجليل الشافعي رحمة الله: «ما فائدة أن تكسب كنوز الدنيا وسمعتك سيئة»، لأنّ الأكيد المؤكد هم الآن في موضع لا يحسدون عليه من النواحي النفسية والإحباطية...تذكّرت هنا ما حدث للخليفة العباسي المستعصم حينما دخل عليه هولاكو قائد التتار الشرس، والذي نكل بالعلماء والفقهاء كلهم، فدلهم هذا الخليفة على كل أماكن الذهب والفضة، ثم أضاف أن أرشدهم على كنز تحت النهر وهذا ليبيّن المستعصم حجم صدقه حتى ينجو بجسده فقال هولاكو له «لو وزعت هذا المال على رعيتك بانصاف لحموّك اليوم مني»، فأخذ التتار ما جمعه العباسيين طيلة خمسة قرون في ليلة واحدة. وهذه عِبر في التاريخ لم نستفد منها للأسف نحن معشر المسلمين...