دعا، أمس، الدكتور بشير مصطفى خبير اقتصادي إلى ضرورة أن تستغل الجزائر الظرف الحالي للربيع العربي اقتصاديا في ظل البحبوحة المالية التي تتمتع بها لأول مرة من أجل الاستثمار بقوة في هذه الدول التي تأثرت اقتصادياتها عن طريق توظيف أصولها النقدية وضمان أسواق جديدة لها، مشددا على التعجيل بإطلاق صندوق سيادي في الجزائر في أقرب وقت مفندا ما يروج من أننا لا نملك خبراء أكفاء لتسيير هذه الصناديق وفقدان القدرة على مواجهة عواقب المخاطرة . دافع بشير مصيطفى الخبير الاقتصادي الجزائري خلال ندوة نشطها بمركز «الشعب» للدراسات الإستراتجية حول «الربيع العربي، اقتصادا، أي موقع للجزائر؟» باستماتة عن قناعته والطرح الذي يشجع تحرك الجزائر نحو الاستثمار وبناء الجزائر لشراكات في الدول العربية التي مر عليها ''الربيع العربي'' وتحول اقتصادها إلى خريف، ووصف هذه الفرصة بالتاريخية حيث استفهم متسائلا: هل يمكن للجزائر أن توفر مشروع مارشال عربي؟، واقترح في هذا السياق دعم الدول العربية على غرار مصر وتونس والتي تمر في الوقت الراهن بفترة عصيبة في ظل خناق شروط صندوق النقد الدولي، ويرى مصيطفى أن الحل في يد الجزائر التي تنام على احتياطي صرف لا يقل عن 300 مليار دولار حيث تعد أغنى دولة عربية بعد السعودية وسابع دولة في الترتيب العالمي من حيث احتياطات الصرف . قدم بشير مصيطفى عرضا تحليليا سلط فيه الضوء على أثار ''الربيع العربي'' على اقتصاديات الدول العربية وعلى رأسها مصر وتونس وليبيا والجزائر على ضوء آخر ما سجل من مؤشرات اقتصادية، معترفا بأن الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي حققت مؤشرات اقتصادية إيجابية وعليها اغتنام الفرصة الذهبية وعدم تفويتها . وقال الدكتور مصيطفى أن الربيع العربي رغم تحقيقه لعدة أمور إيجابية على غرار الربيع الديمقراطي وتمهيده للحريات ورفع الغبن عن الشعوب والانفراج الأمني وتنفس الشباب والمرأة وكشفه عن فساد الأنظمة وأن الأنظمة المستبدة لن تعيش طويلا وأفضى إلى تكريس انتخابات شفافة أسفرت عن صعود قوى جديدة أبرزها إسلامية إلا أن هذه الدول حسب مصيطفى وجدت نفسها في حرج اقتصادي متمنيا أن يكون سقوطها الاقتصادي مؤقتا وتستعيد هذه الدول بعد مدة عافيتها . وتأسف كون تونس رغم توقعات ما قبل الربيع العربي كانت المؤشرات مشجعة إلا أن الواقع مغاير فلم يتحقق النمو المتوقع ب4 . 5 بالمائة في سنة 2011 حيث سجل نسبة صفر بسبب ركود الاقتصاد التونسي بسبب التأثيرات السياسية على الاقتصاد ويعتقد الدكتور في هذا المقام أن تونس ستكون درسا للدول المرشحة لدخول ربيع عربي حتى تحضر لإجراءات وقائية، بسبب تراجع السياحة التونسية والاستثمار الأجنبي عقب خروج 8 شركات أجنبية وإحالة ما لا يقل عن 700 ألف شخص وناهزت البطالة نسبة ال17 بالمائة، وخلص إلى القول في هذا المقام أن الربيع العربي كلف تونس ما لا يقل عن 4 . 5 بالمائة من ناتجها الخام. وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصر بدورها تكبدت الآثار السلبية للربيع العربي على اقتصادها كون نسبة ال60 بالمائة من شبابها يعانون من البطالة واحتياطي صرفها لا يفوق ال15 مليار دولار حيث لا تكفي لتغطية نفقات الاستيراد لأربعة أشهر، إلى جانب خسارة بورصتها لنحو 75 بالمائة من تداولها ووقف على الاستعجالات المالية لمصر والمقدرة بغلاف مالي يقدر ب15 مليار دينار وإلا وجدت مصر نفسها في أزمة اقتصادية تسمح بتدخل المؤسسات الدولية بها في ظل تجميد البنك الأوربي لمساعداته المقدرة ب4 . 3 مليار دولار على مصر، لأنها تعاني من عجز في الميزانية يناهز ال30 مليار دولار أمام تراجع السياحة بنسبة 70 بالمائة . أما بليبيا فتراجع إنتاج البترول من 5 . 1 برميل إلى 500 ألف برميل فقط ولم يخف أن ليبيا تحتاج إلى خمس سنوات حتى تسترجع طاقتها الإنتاجية لفترة ما قبل الثورة، لكنه قال أن الضغوطات الاقتصادية في ليبيا أقل . وفي ظل قناعته بأن أمام الجزائر فرصة تاريخية لتستثمر بقوة في مواردها المالية بالدول العربية استفهم قائلا: هل يمكن للجزائر أن توفر مخطط مارشال عربي؟ وأشار الخبير بشير مصيطفى أنه في الوقت الذي حققت الدول العربية حصيلة ضئيلة لأول مرة تتمكن الجزائر من تصدير ما لا يقل عن 74 مليار دولار لكنه حذر بالموازاة مع ذلك في ظل ارتفاع واردات القمح بنسبة مائة بالمائة، غير أنه بلغة الإلحاح دعا المسئولين في الجزائر لاقتناص هذه الفرصة الواعدة وعدم الاكتفاء باقتناء سندات أمريكية وهولندية لأنها لا تخلو من المخاطر ولأنه من المفروض بناء الشراكة والاستثمار في الشركات والمطارات وفي الذهب . وبسبب توقع تراجع أسعار النفط خلال السنة الجارية قال مصيطفى: يتوقع أن تحقق الجزائر نموا ب5 ، 2 بالمائة وبالموازاة مع ذلك فإن اوروبا لن تحقق أي نسبة في مجال النمو، واغتنم مصيطفى الفرصة ليقدم سلسلة من الانتقادات على غرار مغامرة الجزائر بميزانية تعرف عجزا بنسبة ال50 بالمائة رغم أنها تنام على احتياطات مالية تغطي أي عجز إلى غاية آفاق عام 2017، ووصل الخبير إلى قناعة أن الجزائر تشهد ربيعا اقتصاديا أما الدول العربية المتضررة تعيش خريفا اقتصاديا، وهنا طرح قناعته بضرورة الإسراع لإطلاق صندوق سيادي من أجل تحويل النقد الأجنبي إلى أصول استثمارية والسير نحو توظيف أموالنا في الدول العربية التي تعرف اقتصادياتها تراجعا لأن أوروبا تتخبط في الأزمة الاقتصادية ولا تحوز على السيولة، والظرف التاريخي والاقتصادي في نظر مصيطفى يحتم علينا الاستثمار وفق خطة جزائرية بالنظر إلى ضيق السوق الجزائرية على مستوى منطقة الأورزون واستحواذ أمريكا على السوق الإفريقية، وتشجيع المؤسسات الجزائرية الخاصة بالاستثمار في هذه الدول العربية بالنظر إلى توفر يد عاملة منخفضة الأجر وتطرق الخبير كذلك إلى الواجب الديني والقومي والحضاري الذي يفرض على الجزائر أن تقف إلى جانب الدول العربية ولا تترك المجال لمضايقات وضغط صندوق النقد الدولي على الإخوة العرب خاصة أن الجزائر تعرضت لنفس الموقف في بداية سنوات التسعينيات.