تحاور «الشعب» الأستاذ المتخصص في القانون والعلوم السياسية من جامعة معسكر، المحامي حاج مختار بوداعة، لفتح أبواب النقاش على مصراعيها من خلال إعلام هادف يسهم في مد جسور الحوار والتوافق بين أبناء الوطن الواحد حتى تتضح الرؤية. الشعب: بداية ما هي الدروس التي تستخلصها من حراك 22 فيفري .. ما هي مكامن الخلل في دستور 2016، وما هي خصوصيات دستور 2020 المرتقب. بوداعة الحاج مختار: الدستور قبل أن يكون وثيقة قانونية مرجعية أساسية للبلد، هوعبارة عن عقد اجتماعي ووثيقة سياسية لا بد أن تبنى على توافق سياسي واجتماعي بين السلطة والشعب. الحراك الشعبي في الجزائر أفرز واقعا جديدا وأظهر إختلالات كبيرة في مسألة إدارة شؤون الحكم في الجزائر، وهذه الاختلالات كانت محل انشغال بعض النخب السياسية التي لطالما اشتكت من تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات الأخرى، وهذا ما معناه خرق لمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها. على هذا الأساس تعهد الرئيس المنتخب في برنامجه، أن أول ورشة ستكون مراجعة عميقة للدستور، بشكل يستجيب لما رفعه الحراك الشعبي من مطالب، من حيث مسألة تعزيز الحقوق والحريات الأساسية في الدستور، بما يضمن تعميق الممارسة الديمقراطية خاصة فيما تعلق بمسالة التظاهر وحرية الصحافة والصحافة الالكترونية، ومسألة الفصل بين السلطات في الدستور، والذهاب نحوالفصل المطلق بينها بعدم تدخل السلطة التنفيذية في صلاحيات السلطة القضائية أوالسلطة التشريعية. إضافة إلى الذهاب نحوتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وخلق نوع من التعاون والتجانس داخل السلطة التنفيذية نفسها، وبالتالي إعادة منصب رئيس الحكومة ومنحه صلاحيات أكثر، من أجل فعالية اكبر للسلطة التنفيذية، لأن رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يلم بجميع الصلاحيات في سلطة واحدة. هل مكامن الخلل موجودة فقط في المحاور السبعة التي تتعلق بها مسالة تعديل الدستور؟ اعتقد أن هذه المسائل الأساسية والضرورية من أجل منظومة حكم جديدة تتماشي مع مطالب الحراك الشعبي. نلاحظ أن المحاور المقترحة على لجنة الخبراء اغلبها تتعلق بالفصل بين السلطات وتنظيمها، منح صلاحيات لرئيس الحكومة وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، تعزيز الدور الرقابي للبرلمان على عمل الحكومة، استقلالية القضاء وتوازن السلطات والفصل بينها. وبالتالي يظهر أن الخلل يكمن في نظام الحكم، كان هناك عجز في عمل المؤسسات الدستورية أدى إلى انسداد سياسي، ورؤية رئيس الجمهورية تنصب على إصلاح نظام الحكم من خلال تحديد دستوري لصلاحيات كل مؤسسة. هل يمكن أن تحظى الجزائر بدستور مرجعي يكون مخرجا نهائيا من الأزمة وهل يوفر دستور 2020 تلك الفرصة؟ اعتقد أن دستور 2020 سيبنى على التوافق، ما دام هناك نية في التغيير وإصلاح نظام الحكم، هذا التغيير الذي تتطلع إليه أطياف الشعب الجزائري،لا بد أن يبنى على مقاربة جديدة تتبنى ضرورة الفصل بين المال والسياسة وأخلقة الحياة العامة وإضفاء الشفافية تولي مناصب المسؤولية مهما كانت تنفيذية أوتشريعية، مركزية أومحلية، من خلال منع تعارض المصالح وإتباع الطرق الوقائية تشديد الرقابة على ممتلكات المسؤول قبل توليه المسؤولية وبعدها تكريسا لشفافية الحياة العامة، لا بد من خلال هذا التعديل الدستوري وضع آليات جديدة لهذه الرقابة ليس صعبا أومستحيلا أن ننهل من تجارب دول نجحت في أخلقة الحياة السياسية. قانون الفساد اثبت عجزه لا بد أن لا نكتفي بالمتابعات والعقوبات الجزائية التي تنطق بها المحاكم، لابد إلى جانب ذلك من تدابير وقائية على غرار منع تعارض المصالح، حيث لا يجب أن تكون مناصب المسؤولية وسيلة للثراء غير المشروع. بذكر قانون مكافحة الفساد، سلطان القانون واستقلالية العدالة هي احد ركائز دول الحق والقانون، ما هي الضمانات أوالآليات التي تكفل استقلالية القضاء؟ استقلالية السلطة القضائية مسألة مفروغ منها ولابد من تكريسها من خلال الفصل التام بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وذلك يقتضي أن يكون المجلس الأعلى للقضاء مكلفا بإدارة وضمان استقلالية القضاة تابعون للمجلس الأعلى للقضاء أعضاؤه منتخبون والقضاة التابعون له ويترأسه الرئيس الأول للمحكمة العليا، نقترح كمختصين أن يكون رئيس مجلس الدولة منتخبا، والرئيس الأول للمحكمة العليا يكون منتخبا أيضا وليس معينا. هذه الآليات تعزز بلا شك استقلالية القاضي والقاضي يكون مسؤولا أمام القانون والمجلس الأعلى للقضاء وبالتالي نمنع تدخل وتأثير السلطة التنفيذية على عمل القاضي. ويبقى للسلطة التنفيذية رسم السياسة القضائية في الجزائر سواء تعلق ذلك بالمجال الجزائي أوبإعادة التربية وتأهيل المسجونين، إضافة إلى مسألة التشريع وما يرتبط بالعمل القضائي، لكن إدارة عمل الهيئات القضائية منوط بالقضاة والمجلس الأعلى للقضاء الذي ينتخب أعضاؤه ويكونون مستقلين عن الجهاز التنفيذي أوالسلطة التنفيذية. تطرح تساؤلات لماذا تكليف لجنة خبراء بصياغة الدستور عوض مشاورات سياسية واسعة أوندوة وطنية جامعة كيف تقيم ذلك؟ اعتقد أن تعديل الدستور جاء من أولويات رئيس الجمهورية وتكليف لجنة خبراء بهذه المهمة قد يرجع لسببين، الأول اعتبار تعديل الدستور أولوية، حيث لا يستطيع الرئيس تحقيق برنامجه خلال عهدته الانتخابية المحددة ب 5 سنوات دون وجود مؤسسات دستورية قوية، ووجودها يقتضي تعديل الدستور لذلك يستحسن تعديل الدستور ثم تعديل القوانين العضوية على غرار قانون الانتخابات وقانون الأحزاب التي تعتبر آليات قانونية تساعد الرئيس على تحقيق برنامجه، بنفس الأثر الذي قد يقع على أخلقة الحياة العامة والعمل السياسي، ثم لجنة الخبراء ستعد مسودة الدستور وتطرحها للنقاش السياسي قبل عرض ذلك على البرلمان واستفتاء شعبي وسيكون محل إثراء واسع بالنظر إلى الآلية المنتهجة زيادة على الحوار المفتوح مع الشخصيات الوطنية. لذلك اعتقد أنه لا جدوى من تنظيم انتخابات برلمانية أومحلية في الوقت الحالي وقبل تعديل الدستور. هل تعتقد أن تعديل قانون الانتخابات سيعزز الممارسة الديمقراطية ويرتقي بالعمل السياسي؟ بكل تأكيد إعادة النظر في القانون الحالي للانتخابات بما يتماشى مع التعديل الدستوري يعتبر ضرورة ملحة، قانون الانتخابات الحالي عجز عن إفراز طبقة سياسية قادرة على إحداث التغيير المنشود، بل عزز اختلاط المال الفاسد والسياسة وشراء الذمم، سيساعد تعديله على وصول النخب والشباب لمناصب المسؤولية التمثيلية سواء على مستوى البرلمان أوالمجالس المحلية المنتخبة، سواء من خلال الآليات القانونية التي ستطرأ عليه أومن خلال شروط الترشح التي يفترض أن يكون من بينها شرط المستوى التعليمي، الاختيار بين السياسة والأعمال والتصريح بالممتلكات. الجزائر قطعت أشواطا مهمة في الممارسة الديمقراطية ما هونظام الحكم الأنسب في رأيك؟ المسار الديمقراطي يكتسب على مراحل ومع الممارسة، في الجزائر الديمقراطية ليست متجذرة لبناء نظام برلماني هناك وعي شعبي بدا يتبلور، مسألة نظام الحكم لا بد أن تكون محل نقاش سياسي بين الجزائريين واعتقد أن النظام الأنسب في ظل هذه الظروف هوالنظام شبه الرئاسي.