العودة للسلطة التنفيذية برأسين والقائمة المفتوحة في الانتخابات يرى الخبير الدستوري علاوة العايب أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1، وأول أمين عام لمجلس الأمة، في هذا الحوار الذي خص به «الشعب»، أن تأسيس الجمهورية الجديدة يكون عن طريق الذهاب إلى تعديل عميق للدستور يفصل بين السلطات الثلاث، ويحدد طبيعة نظام الحكم، ويقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية، مقترحا العودة إلى السلطة التنفيذية برأسين بدل رأس واحدة مثلما كان قبل تعديل 2008، كما يحتاج الأمر إلى مراجعة بقية القوانين العضوية الأخرى المهمة كقوانين الانتخابات، الأحزاب السياسية، الجمعيات، الإعلام، الولاية والبلدية، ولكن حسب الأولوية والاستعجال، مقترحا العودة إلى القائمة المفتوحة في الانتخابات حتى تعطي للناخب حرية اختيار من يمثله، وتسمح للكفاءات بالظهور. - الشعب: أعلن الرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء ليوم الأحد عن التوجه إلى تعديل عميق للدستور، واعتبره حجر الزاوية في بناء الجمهورية الجديدة، حتى نصل إلى ذلك ما الذي ينبغي تعديله في الدستوري الحالي؟ البروفيسور العايب علاوة: أولا أتمنى أن ننهي مع هذا التعديل العميق للدستور المنتظر، ثقافة التعديلات المتواصلة للدستور مع كل رئيس جمهورية سواء كانت التعديلات على مقاسه أومقاسات أخرى، يجب أن ننهي هذا التقليد غير المحمود، ونعدّ دستورا استشرافيا يبقى للأجيال القادمة يراعي الماضي والحاضر والمستقبل للجزائر، لأن دستور 1963 وضع في عهد الرئيس الراحل أحمد بن بلة، و1976 الراحل هواري بومدين، ثم 1989 مع الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد وفي 1996 مع الرئيس اليامين زروال، وتمت كل تلك التعديلات عن طريق الاستفتاء، أما التعديلات التي كانت سنوات 2002 و2008 و2016 بالرغم من أنها كانت جوهرية إلا أنها كانت بدعة لأنها مرت على البرلمان وهي سابقة أولى في تاريخ الجزائر، خاصة وأن الانتخابات التشريعية كان مشكوكا في نزاهتها والمفروض كان يجب أن تمرر عن طريق الاستفتاء الشعبي وليس على غرفتي البرلمان. التعديل الدستوري العميق والذي ذكره المترشحون الخمسة لرئاسيات 2019 وعلى رأسهم عبد المجيد تبون، نتمنى أن يكون شبه دائم بمعنى أنه يستمر إلى 60 أو70 سنة قادمة، وشروط ذلك لابد من أن يتم إعداده من طرف المختصين بعد استشارة واسعة من الأكاديميين الجامعيين أوالسياسيين الممارسين، تشمل تاريخ وماضي ومستقبل الجزائر، ومن أجل ذلك يجب أن تنشأ ورشة كبيرة تجمع بين الأكاديميين الجامعيين وتطعم بسياسيين حتى تكون المسودة معبرة عن آمال وطموحات الجزائريين، أما الإعداد من الناحية الإجرائية فيجب أن يكون عن طريق ورشة عمل تتكفل بتحرير مشروع تعديل الدستور، ولما يتم الانتهاء من المشروع يعرض على البرلمان بغرفتيه كل على حدة، المجلس الشعبي الوطني أولا لمناقشته وتمريره بنفس الطريقة التي يمرر بها القانون العضوي، ثم يحال إلى مجلس الأمة حتى يقوم بنفس العمل، وتعد اللجنة القانونية تقريرها التمهيدي والتكميلي بشأنه ويعرض للمصادقة عليه، ثم يرسل إلى رئيس الجمهورية وله 50 يوما لكي يعرضه على الشعب للاستفتاء عليه وإذا وافق عليه يعتمد أو إذا لم يوافق عليه يعدم. إنهاء التعديلات الظرفية - وما هي الأحكام التي يجب إعادة النظر فيها؟ الدستور الحالي فيه الكثير من الغموض وحتى الألغام ولذلك يتعين معالجته بطريقة شاملة ووافية لكي ينسجم النص الدستوري مع القوانين اللاحقة له، وبالتالي يجب إعداد مشروع الدستور جيدا حتى لا يكون غامضا أويحمل ثغرات، فمثلا في قضية الفصل بين السلطات الثلاث، يجب أن يكون الفصل تاما بين السلطة التنفيذية، التشريعية، والقضائية ولكنه مع التعاون والتوازن، ونذهب إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية المغالى فيها في الدستور الحالي، وقد ذكر الرئيس تبون ذلك، بمعنى نرجع إلى التعديل الدستوري لسنة 1996 حيث كان الجهاز التنفيذي يسير برأسين، وليس برأس واحد مثلما هو معمول به حاليا، وحتى يكون الوزير الأول مسؤولا يجب أن يكون حيث توجد السلطة، ونرجع إلى التسمية القديمة رئيس الحكومة بدلا من الوزير الأول لخلق نوع من التوازن داخل الجهاز التنفيذي. ثانيا السلطة التنفيذية لا يجب أن تتدخل في السلطة التشريعية المجسدة في البرلمان بغرفتيه، التي مهمتها التشريع والرقابة، والتشريع يكون في صورة اقتراح قوانين تصعد من البرلمان إلى الجهاز التنفيذي وليس مشاريع قوانين تأتي من السلطة للبرلمان، ولكن حتى يؤدي البرلمان هذا الدور لابد أن يكون تمثيليا وشرعيا وعليه يجب إجراء انتخابات جديدة تضفي الشرعية والصفة القانونية على ممثلي الشعب سواء في الغرفة الأولى أو الثانية. ثالثا السلطة التنفيذية لا يجب أن تؤثر على السلطة القضائية، الممثلة في المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي حتى نحقق مطالب القضاة لابد أن تكون وثيقة دستورية معبرة عن استقلالية القضاء. - هل أنتم مع المقترح الداعي إلى إعادة النظر في طبيعة نظام الحكم؟ نحن في نظام شبه رئاسي، والنظام البرلماني يكون فيه منصب رئيس الجمهورية شرفيا، والوزير الأول يأتي من الأغلبية البرلمانية، وهو من يشكل الحكومة، وهذا لا يليق بنا ولكن يجب أن نحدد أصله وفصله وطبيعته جيدا في الدستور القادم، لأن المعادلة الآن في النظام شبه الرئاسي رئيس الجمهورية هو الذي يعين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية وينهي مهامه ولكن رئيس الجمهورية غير ملزم برأي الأغلبية في الدستور وهذا يجب البحث فيه جيدا. ومن بين المظاهر الإيجابية الموجودة تبادل الرقابة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، حيث تملك السلطة التنفيذية حق حل المجالس المنتخبة، في حين تملك السلطة التشريعية حق الرقابة على الحكومة، عن طريق الأسئلة الشفوية والكتابية، لجان التحقيق، المهام الاستطلاعية ملتمس الرقابة، كلها ميكانيزمات ووسائل لرقابة السلطة التنفيذية في مدى إنجازها للقوانين الصادرة عن البرلمان يجب أن تثمن. - دعا الرئيس إلى مراجعة قانون الانتخابات من أجل أخلقة الحياة السياسية، ما هي مقترحاتكم حتى نصل إلى ضبط قانون مثالي يضع حدا لأصحاب الشكارة ويعيد الاعتبار للكفاءات؟ أعتقد أن رئيس الجمهورية ونظرا للاستعجال قرر مراجعة قانون الانتخابات لأن التعديل الأخير كان طفيفا وشمل مهام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي أنشئت لأول مرة من أجل ضمان نزاهة وشفافية الاقتراع، وعليه يجب إنشاء ورشة قانون أخرى تسمى ورشة تعديل قانون الانتخابات لأنه لا يمكن أن تكون التعديلات طفيفة، فالأمر يحتاج إلى توضيح وبدقة كيفية إعداد العملية الانتخابية وتمويل الحملة الانتخابية حتى نبعد المال الفاسد عن السياسة وهذا شعار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي جاء به، كما يجب إعادة النظر في طريقة الانتخابات نفسها، هل نبقي على القائمة المغلقة أم نذهب إلى القائمة المفتوحة التي تعطي للناخب حرية اختيار من يمثله، وتسمح للكفاءات بالظهور؟، وهنا يجب التفكير في هذا الأمر جيدا واتباع القائمة المفتوحة مثلما كان معمولا به سنوات الثمانينات حتى يتحقق أكبر قدر ممكن من الديمقراطية. - أثارت عملية إسقاط الحصانة البرلمانية على ممثلي الشعب المتابعين في الفساد الكثير من الجدل، فمنهم من رأى ضرورة الإبقاء عليها حتى وإن كان النائب متهما، ومنهم من طالبوا بإسقاطها تمكينا للعدالة من القيام بدورها في متابعة هؤلاء ومحاكمتهم، ما رأيكم؟ الحصانة البرلمانية، فيها خلط وتعسف، وسوء فهم لاستعمالها، فالحصانة البرلمانية معترف بها عالميا ولكن داخل حدود البرلمان، ولكن تسقط عندما يعتدي النائب في الطريق أوفي أي مكان على أشخاص أوممتلكات، وحتى خلال ممارسته نشاطه البرلماني هو مطالب أن تكون تصريحاته دون شتم أوسب أوتعد لا على رئيس الجمهورية ولا على الوزراء، أما خارج البرلمان فهو مواطن عادي ويعامل على هذا الأساس. وعليه لابد أن تضبط الحصانة البرلمانية في الدستور الجديد، وحتى لا تنزع من البرلماني يجب أن تمارس داخل قبة البرلمان مع احترام مؤسسات الجمهورية وحاضر وماضي ومستقبل الجزائر، ولابد للبرلماني أن يكون مثقفا أو أكاديميا أو ذا مستوى علمي، وليس مثلما لاحظنا في التمثيل الأخير. وحتى نؤسس لجمهورية جديدة يجب أن يكون ذلك عن طريق تعديل أولا الدستور، ثم القانون العضوي للانتخابات ثم قانون الأحزاب السياسية ثم الجمعيات ثم الإعلام، ثم قانوني الولاية والبلدية، ولكن حسب الأولوية والاستعجال.