أظهرت مداخلات نواب الغرفة السفلى في مناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة جدّية في علاج قضايا الأمة، التي تستدعي تقويما وإصلاحا عاجلا، يفرضه الظرف الراهن استجابة لتطلّعات استكمال الدولة الوطنية الحديثة. وهي إصلاحات مهّدت لها ورشة مراجعة الدستور بغرض تعزيز الممارسة الديمقراطية والفصل بين السلطات مع إعطاء أهمية لوظيفة الهيئة التشريعية في الرقابة، في دولة مطالبة بحماية حقوق وحريات المواطن وجعله شريكا كاملا في اختيار المشاريع والبرامج. تقاطعت مداخلات النواب مع مخطط عمل الحكومة حول ضبط آليات ضمان شفافية أكبر في محاربة الفساد بلا هوادة، بالرهان على جيل جديد مشبع بقيم النزاهة والمصداقية، يدرك معنى المسؤولية وثقلها في إدارة شؤون الرعية والتكفل بانشغالاتها فورا، تركها يزيد الأمر تعقيدا ويصعب علاجها وما تولّده من انعكاسات سلبية تؤدي إلى نزع المواطن ثقته في المؤسسات وممثليه بالمجالس الانتخابية محلية ووطنية. يجد هذا المعطى تفسيرا في البرنامج الرئاسي الذي حرص على تطهير المحيط من أي متطفّل لا يعير اهتماما للمسؤولية ويعتبرها المنفذ لنهب المال العام واستعمال النفوذ والمهام في غير موطنه ووظيفته. في هذا الإطار تندرج معادلة مراجعة القانون الانتخابي بضبط شروط ومواصفات دقيقة للمترشحين لانتخابات المجالس، بالرهان على معيار الكفاءة ووضع خطوط فاصلة بين المال والسياسة، حتى لا تتكرر التجربة السابقة التي أدت إلى اضطراب وفوضى. هنا تكتمل صورة إصلاح الدولة بكل فروعها ومؤسساتها، وتظهر ملامح التغيير ويبرز مسعى التجدّد لإقامة دولة القانون التي تراقب بصرامة التمويل السياسي وتتابع بلا توقف تجسيد مبدأ أخلقة الحياة السياسية وترسيخ الحكم الراشد وشفافية منظومة سياسية، تعتمد معيار التداول على السلطة قاعدة مطلقة لا تقبل المساس أو الاختراق. هي صورة مركّبة للجزائر الجديدة التي أكدت مداخلات النواب السعي الجاد للمرافقة في إقامتها بجهد جماعي وفريق عمل متناسق، ممثلا في سلطتين تنفيذية وتشريعية تتقاسمان الوظيفة في وضع آليات لنجاعة قرار سياسي سيادي يؤسس لدولة المؤسسات ويجنب السقوط في الشخصنة والانفراد بالسلطة. صورة اعتبرها نواب تعدّدت زوايا طروحاتهم وتوافقت حول غاية واحدة، أنها تؤسس للجمهورية الجديدة التي لا مكان فيها للجمود ولا موقع للذهنيات البائدة. هي جمهورية مفتوحة لكل القوى الحية التي تؤمن بالتغيير وبالقطيعة مع الممارسات السابقة، مقتنعة بجدوى التفتّح على الكفاءات الوطنية في التسيير ومرافقتها في إنجاز المشاريع الحيوية، التي تعدّ أساس الانطلاق الاقتصادي وإقلاع التحول نحو منظومة منتجة للثروة والقيمة المضافة وليس الريع النفطي الذي يستدعي التخلص منه من خلال بدائل طاقوية تعزّز مداخيلنا وتقوي خيارات القرار السياسي المستقل وتؤمّن السيادة الوطنية من أي تهديد وطارئ محتمل.