منطقة القبائل، كانت دائما ممثلة بحزبين أساسيين رغم اختلاف ثقل كل منهما، و تجلى ذلك بوضوح من خلال نتائج الانتخابات السابقة، التي كانت دائما ترجح الكفة لصالح أقدم حزب معارض في الجزائر وهو جبهة القوى الاشتراكية على حساب ما اصطلح على تسميته بالغريم اللدود أي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. غير أن ما ميز استحقاقات السنوات الماضية في منطقة القبائل، أنه نادرا ما اتفق الحزبان على المشاركة في الانتخابات، بحيث أنه كلما يقرر أحدهما الانخراط في المسعى الانتخابي، الا ويقاطعه الثاني وهكذا دواليك منذ مدة، ويبدو أن تشريعيات الربيع القادم ستسير في نفس الاتجاه، بعد أن أعلن حزب السعيد سعدي مقاطعتها رسميا ولم تكن مفاجأة، خاصة وأن الأرسيدي شن سلسلة من الانتقادات المشككة في نزاهة الاتخابات، أوحت للملاحظين أن سعدي الذي طالب بتأجيل اقتراع 10 ماي القادم، للسماح بتوفير شروط مراقبة دولية تشمل التحضير والمراقبة، إنما كان يسعى الى اختلاق مبررات للمقاطعة، خاصة عندما اشترط ما وصفه بدفتر أعباء يحدد فيه قواعد المنافسة بوضوح. الأرسيدي الذي كشف عن موقفه من التشريعيات الرافض لها، يكون أول المقاطعين، ولعله الوحيد من الأحزاب السياسية الذي سيسجل غيابه فيها. وعندما يغيب الأرسيدي عن التشريعيات، فهذا يعني أن غريمه اللدود أي الأفافاس بات من المؤكد مشاركته فيها، وهو ما بدا واضحا منذ البداية، حيث صبت جل التصريحات ومواقف الحزب في اتجاه عدم رفض المشاركة، وما زاد من تأكيد هذا الموقف ما صرح به زعيم الأفافاس السيد حسين آيت أحمد في مداختله الكتابية التي وجهها للمشاركين في أشغال الندوة الوطنية المنعقدة في نهاية الأسبوع الماضي، التي شهدت شبه انقسام حول جدوى المشاركة من عدمها، حيث يكون ومن خلال هذه الرسالة قد فصل في هذا الخلاف، خاصة عندما أكد فيها أن ''المقاطعة لا يمكنها أن تشكل بديلا فعالا عن المشاركة في الانتخابات القادمة؛ وهي رسالة واضحة لا تحتاج الى تأويلات أخرى على الرغم من أن زعيم الأفافاس يقر بصعوبة التوصل الى توافق بشأن الانتخابات ليزيل اللبس حول جدواها وضرورة المشاركة فيها بطريقة تكاد تكون مباشرة، في مسعى منه لترجيح كفة المشاركة، بينما وفي ذات السياق، يخاطب الطرف الآخر الرافض لها، ليؤكد له على أن المشاركة في حد ذاتها لا تعني بأي حال من الاحوال تحصين البلد وضمان الأمن الوطني واحداث التغيير الديمقراطي. موقف الأفافاس، او بالأحرى زعيمه آيت الحسين، سيترجم في الأيام القادمة بالاعلان عن المشاركة، حسب توقعات العديد من الملاحظين، على الرغم من أن الزعيم لم يوجه تعليمات مباشرة لمناضليه، لكن المصلحة العليا للحزب دفعت به الى توضيح الرؤى حول الرهانات الحقيية التي يمر بها الحزب بعد تقييم شامل لمساره طيلة السنوات الماضية، ومشاركته في التشريعيات قد تعيد للحزب مكانته وثقله في الساحة السياسية عموما، وفي منطقة القبائل على وجه الخصوص، وحتى لو لم يقاطع الأرسيدي الانتخابات، فان حظوظه تبدو ضئيلة للغاية لاحراز أي تقدم على الأفافاس الذي ينوي من خلال عدم تفويت فرصة المشاركة العودة بقوة للعب الأدوار الأساسية تحت قبة البرلمان، مثلما كان عليه الحال في سنوات التسعينات.