بدأت العلاقات الجزائرية الليبية تعود إلى سابق عهدها بعد مرحلة من التوتر لم تعمر طويلا، كانت ناجمة عن سوء فهم للموقف الرسمي تجاه ما يحدث في الجارة ليبيا، على الرغم من أن هذا الموقف كان واضحا، عبر عنه العديد من المسؤولين في مناسبات كثيرة وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام ارادة الشعب الليبي في التغيير نحو الأفضل. موقف الجزائر الذي أخذ أبعادا مغلوطة في كثير من الأحيان، في ظل اتهامات مغرضة، بقي ثابتا ولم ينحز لأي طرف ضد الآخر، ولأنه لا يمكن تغيير الجغرافيا بين الجزائر وليبيا، فان البلدين مجبران على التعاون فيما بينهما، وهو ما يجسد بوضوح من خلال التقارب السريع الذي طبع العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، كمقدمة لتعاون أشمل وأوسع يضع التحديات التي يواجهها البلدان على رأس الاهتمامات الثنائية، مع الزيارات المرتقبة لمسؤولين ليبيين للجزائر وفي مقدمتهم رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل. وإن كان تركيز البلدين على الأمن في المنطقة، ف لأن الوضع العام الذي أفرزته عملية الانتقال الديمقراطي في ليبيا كانت لها تداعيات خطيرة وانعكست سلبا على دول المنطقة ككل، من خلال، هذا الكم الهائل من الأسلحة الذي تسرب إلى الجماعات الإرهابية المسلحة وانتشار مختلف أنواع الجرائم التي لم تكن فيما مضى غريبة ولكن زادت حدتها مع التقلبات الأخيرة التي عرفتها المنطقة. الجزائر التي لها خبرة طويلة في التصدي للجماعات الإرهابية، تبدو اليوم أكثر ترشيحا لقيادة علمية استرجاع الأمن، ولم تبخل على الأشقاء في ليبيا لمد يد المساعدة من خلال مرافقتها في مواجهة تداعيات الثورة الليبية على الأمن والاستقرار الداخلي، وهي الرغبة التي عبر عنها المسؤولون الجزائريون في زيارتهم إلى ليبيا، ووجدت تجاوبا سريعا، ترجم بوضع برنامج عمل براغماتي يمس بالدرجة الأولى المساعدة المباشرة في تكوين أهم عناصر الأمن الداخلي من شرطة وجيش، وتليه مسائل أخرى ترتبط بالتعاون الثنائي في مجالات عديدة لا تقل أهمية عن المسائل الأمنية، من أجل اعادة ربط علاقات ثنائية متينة مبنية على التعاون المشترك الفعال. أمن ليبيا من أمن الجزائر، والعكس صحيح، هذه العبارة ترددت كثيرا في مباحثات مسؤولي البلدين، وتعكس الرغبة المتبادلة في وضع أسس شراكة سياسية، أمنية واقتصادية، يكون عنوانها الرئيسي المصلحة المشتركة واستغلال كل فرص التقارب من أجل اعادة بناء علاقات قوية تعود بالفائدة على الشعبين.