تعيش غزة وضعا مأساويا بفعل أزمة توريد الوقود لمحطة توليد الكهرباء في القطاع، في ظل تواطؤ دولي مخزي وصمت عربي رهيب. وفي الواقع، فإن هذه الحالة ليست بغريبة. فطالما قبل الجميع بفرض إسرائيل حصار غزة بدون أن يحرك أحد ساكنا. فلماذا التحرك لحل مشكل جزئي يتعلق بتزويد غزة بالكهرباء، فهو أمر غير ذي بال بالقياس إلى حالة الحصار التي فرضتها إسرائيل على غزة منذ جوان 2006، وتشديدها له بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتشريعيات في جوان 2007. إن جريمة قطع الكهرباء عن غزة لا تختلف عن جريمتي حصار غزة والعدوان عليها لاحقا. ويكفي الإشارة هنا إلى آخر مظاهرها المتمثل في مقتل ثلاثة أطفال في حريق نتج عن استخدام شمعة بسبب إنقطاع التيار الكهربائي بفعل توقف عمل محطة الكهرباء الوحيدة، رغم كل المحاولات الحيوية للحكومة المقالة في غزة، من دون أن يتحرك أحدا في الوقت المناسب لرفع المعاناة التي يعيشها 1,7 من الفلسطينيين بالقطاع. إن قطع الكهرباء عن غزة، ليس بالأمر الهيّن إذ أن الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي تصل لمدة 18 ساعة يوميا. كما أن محطات الوقود في غزة تعاني أصلا من شحّ الوقود، خاصة السولار والبنزين، الذي كان يتم تهريبه بكميات معتبرة بصورة يومية عبر الأنفاق على الحدود مع مصر، وهو ما كانت له إنعكاسات سلبية على مختلف قطاعات النشاطات الأخرى والمحدودة أصلا بفعل الحصار الإسرائيلي لكافة النشاطات والمنافذ البرية والبحرية والجوية. وعندما نسمع في كل مرة أن توقف توريد الوقود لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة، مرتبط بدفع قيمتها من تحصيلات شركة توزيع كهرباء غزة، وأن هذه الشركة قد حولت في هذه المرة مبلغ مليوني شيكل مقدما لتنفيذ إتفاق تم بهذا الشأن، وأن هناك مساع لتحقيق إتفاق مع الجانب المصري لحل أزمة الكهرباء ووضع جدول زمني عبر ثلاث مراحل يشعر الإنسان بالحيرة. إذ كيف يطلب من الحكومة المقالة بغزة تحمل مثل هذه الأعباء، وهي محاصرة تماما وممنوع عليها تحويل الأموال أو الاستفادة من المساعدات الدولية أو حتى العربية، بينما يفترض أن تتكفل السلطة الفلسطينية بمواجهة الأمر في الوقت المناسب، وبما لديها من إمكانيات مادية ومالية لا تقارن بما هو متوفر لدى الحكومة المقالة بغزة. ومن دون شك، فإن أزمة الكهرباء في غزة، لابد لها من حل سريع إلى حين إيجاد حلّ دائم بالاتفاق مع مصر وبدعم مالي من الأطراف العربية، يضمن وصول إمدادات الوقود بشكل منتظم إلى قطاع غزة، التي يعاني سكانه من أزمات خانقة، لا يمكن لهم الاستمرار في تحمل تبعاتها لوحدهم. وبالتالي فإن مساعدتهم بالحد الأدنى ليس منة، وإنما هو أكثر من واجب. إن تفاقم أزمة الكهرباء والوقود في قطاع غزة يوما بعد آخر بلا آفاق لحلول حقيقية على المديين القريب والبعيد، يتطلب إتخاذ موقف واضح من الجميع سواء من قبل الحكومة المقالة والسلطة الفلسطينية المسؤولة المباشرة عن إستمرارها الأزمة وتفاقمها، ذلك أن الأمر لا يعني وضع العراقيل أمام من يحكم غزة وإنما الأمر يهم بالأساس جميع المواطنين القاطنين بالقطاع. وعلى كل الأطراف الفلسطينية أن تتحمل مسؤوليتها لمعالجة هذا الأمر بعيدا عن الحسابات الإسرائيلية، وحتى يكون الحديث بصوت واحد والتناغم مع الأطراف الخارجية سواء كانت عربية أو أجنبية لتتحمل مسؤولياتها لمعالجة الإنعكاسات الكارثية الراهنة، التي أصبحت تشمل مختلف أوجه الحياة. مما قد يتسبب في حدوث إنفجار شعبي في قطاع غزة، لا يمكن التحكم في عواقبه.