أتقن على مرّ السنين موهبتي الرسم بالرمل والتصوير الفوتوغرافي، وهو أحد الفنانين التشكيليين العصاميين بمنطقة الساورة، جعل من محيطه الصعب وظروف المعيشة القاسية إلهاما للوحاته الجميلة، محمد سعدودي يكشف من خلال هذا الحوار، مساره الفني، انشغالاته وتطلعاته لمستقبل الفن التشكيلي عامة والرسم بالرمل خاصة في مدينته بشار. - «الشعب»: ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه الفنان التشكيلي داخل مجتمعه؟ محمد سعدودي: الدور الذي يلعبه الفنان التشكيلي داخل مجتمعه هو تصوير الواقع المعاش هذا من جهة، أما بحسب مفهومي الخاص، فالهدف الذي أسعى إليه بالدرجة الأولى هو صيانة التراث الجزائري الأصيل، الصحراوي، بل السعي إلى إحيائه والتعريف به داخل الوطن وخارجه. - متى كانت بدايتك مع هذا الفن، وبمن تأثرت من الفنانين؟ نشأت في أسرة محافظة، لا تعرف من الفن سوى الأغنية الصحراوية، لتحتفل بعد ذلك بميلاد فنان تشكيلي كله عزيمة وإصرار وحب للفن. بدأت الرسم في سن مبكرة وعمري لا يتجاوز 6 سنوات في المدارسة الابتدائية، أحسست بحركات غريبة تنتاب أصابعي، وبدأت أول رسوماتي على باب المنزل، ثم على السبورة بالطباشير، لتتحول بعد ذلك فوق الدفاتر المدرسية، وبرزت موهبتي في أول دخول مدرسي، حيث كنت أحصد نقطا جد عالية في التربية التشكيلية مقارنة مع المواد الأخرى، وتلقيت تشجيعا كبيرا من طرف عائلتي، المعلمين والأساتذة ومنهم الأستاذ مباكي بلال رحمة الله عليه وكل من شاهد رسوماتي تنبأ لي بمستقبل مشرق في مجال الفن، شاركت في عدة مسابقات محلية، وطنية ودولية في المرحلة الابتدائية والإعدادية وفي سنة 2005 شاركت في معرض برفقة جمعية الإعلام والاتصال في أوساط الشباب وأحرزت المرتبة الأولى، وأنا الفنان العصامي الفنان الذي لم يدخل إلى معاهد الفنون التشكيلية حيث تفجرت موهبتي في التعليم الثانوي على يد الأستاذ المرحوم مباركي أكثر فأكثر تحت تشجيع الأساتذة والمسؤولين وكجميع الفنانين التشكيليين أقوم بزيارة المعارض الفنية التشكيلية بصفة مستمرة، كما أتابع بكل شغف حركة الفن التشكيلي الكلاسيكي والحديث المعاصر، وفي هذا السياق أفضل أن أوظف مصطلح إعجاب بأعمال بعض الفنانين بدل تأثير، لأنني أشتغل على عدة مدارس فنية، مثل التجريدية، الواقعية، التشخيصية أو ما يعرف بفن البورتريه، الخط العربي وكذلك الكاريكاتير…وأتميز بأسلوبي الخاص. - ما هي فلسفتك في مجالك الفني؟ فلسفتي الخاصة تقوم على أساس اعتبار الفن مرآة تعكس ما يقع داخل المجتمعات من تحولات، تصورات، وكذلك من عنف، إرهاب... وبالفعل الفن هو مرآة تعكس شخصية الفنان وما يحس به بالداخل. فهو تذوق للحياة، وتجاوز للتفكير البسيط وبحكم انتمائي إلى وطني الأم «الجزائر أرض المليون ونصف مليون من الشهداء « لا بد وأن تكون لي رسالة سامية أطمح في تبليغها إلى جميع فئات وطبقات المجتمع من صغير وكبير، وهذا ما يجعلني أركز أكثر على البساطة حتى تكون رسالتي سهلة الفهم والقراءة، وبلغة أخرى يلعب الفن التشكيلي دورا مهما في المساهمة في تطوير المجتمع والسير به قدما إلى الأمام وذلك بمعالجته بعض القضايا المجتمعية، سواء المتعلقة بالعلاقات الإنسانية والصحية أو التي لها علاقة ببعض السلوكيات. وخلاصة القول فالفن التشكيلي يجعل عين المتذوق ترى ما هو أجمل وأحسن وأصدق. - هل أنت مع فكرة أن الفن يمكن أن يكون للفن فقط؟ على العكس أنا ضد فكرة الفن للفن فقط، بل هو وسيلة يحاول الفنان من خلالها أن يعطي صورة بديلة لما يجب أن يكون عليه الواقع المعاش، ولما لا تغييره إلى الأحسن. فالفن سلاح قوي ومسالم يهاجم العدو بكل حكمة وعقل، يجرح العدو دون إراقة دمه. - ما مدى تأثير المكان على الألوان في حياتك؟ فعلا، هناك تأثير كبير، بل علاقة جد وطيدة بين الألوان والمكان وأبسط دليل، عندما أبدأ بصباغة عملي الفني بكل تلقائية وعفوية وبدون قصد تتجه ريشتي إلى الألوان الساخنة الداكنة من حبات الرمل بمسقط رأسي تاغيت، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أصل جذوري. لأنني ذو أصل جزائري صحراوي. وكما هو معروف فالمناطق الصحراوية تتميز بطابعها الساخن بشمسها ورمالها الذهبية وبأسوارها التي يغلب عليها اللون البني الداكن . - أوصف لنا شعورك حين تقف أمام ربوة من الرمال الذهبية، وماذا يجول في خاطرك من مواضيع لأعمال جديدة؟ أفضل تلقيب الرمل بالصديق الوفي المخلص الذي أجالسه وبيدي فنجان شاي لساعات طويلة، أهمس إليه ما يجول في خاطري وهو كله آذان صاغية لكل ما أحس به وأعبر عنه، فهو من يواسيني ويخزن أسراري وأفكاري. وبحكم ممارستي للتصوير الفوتوغرافي والرسم بالرمل، فأنا أقضي معظم أوقاتي أتجول في الصحراء لاختيار الرمل المناسب للوحاتي، أو اقتناص مواضيع من الواقع المعاش بعدسة آلة التصوير. بعد ذلك أقوم بطبعها على شكل صور فوتوغرافية أجسدها في ما بعد في لوحات بالرمل... في بعض أعمالي التجريدية يكون الموضوع قد بدأ بنقطة على المسطح الأبيض لتتحول وتتطور هذه النقطة إلى عمل فني. - حدّثنا عن أهم لوحة رسمتها في حياتك وأخرى تتمنى تجسيدها؟ كوني أميل أكثر إلى فن «البورترية « قمت برسم عدة فنانين ومشاهير، وفي هذا الإطار سأجزم بالقول أن أهم لوحة رسمتها هي صورة مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر ، وصورة الرئيس هواري بومدين، كما أن هناك عمل فني في المستقبل إن شاء الله سيتضمن لوحة فنية عن الجيش الأبيض الذي وقف في وجه فيروس كورونا وسيكون على القماش وبتقنية الرمل وعلى مساحة كبيرة إن شاء الله. - ما هي المواد الأخرى التي تستعملها في عملك إضافة إلى الرمل؟ هي مواد طبيعية ومحلية مثل الجبس، الرمال، الحناء ومسحوق النجارة.. كذلك أقوم بتوظيف الورق، القطع البلاستيكية، وبقايا الأشياء المستعملة..، كل هذه المواد أقوم بتوظيفها في عمل فني بصبغة فنية تحت مفهوم «إعادة تصنيع. - هل لك أنشطة وهوايات أخرى إلى جانب الفن؟ إلى جانب الفن التشكيلي واشتغالي في الورشة بالبيت المتواضع هناك تفاصيل تميز عالمي الخاص الذي لا أسمح لأي كان أن يشاركني فيه. كما أحب الخلوة بالفكر، قصد استحضار الفكرة أو العمل الفني، كذلك أتميز بالهدوء والتركيز، وأفضل عند اشتغالي داخل الورشة الاستماع إلى الموسيقى الهادئة وصوت العود والناي، هذا إذا كان العمل الفني الذي اشتغل عليه عملا كلاسيكيا. وعلى العكس أستمتع بموسيقي عالاه عند اشتغالي على المواضيع التي تتضمن حركة قوية وسريعة. - ما هي نظرتك للفن التشكيلي العالمي؟ وما هي ملامح المشهد العربي والجزائري؟ الفن التشكيلي العالمي في مستوى ممتاز، كما يشمل فنانين تشكيليين يحضرون بكل قوة. ويمكن أن نقول إن الفن التشكيلي العربي والجزائري في تحسن وتطور مستمر. وأبسط دليل في السنوات الأخيرة نظمت عدة تظاهرات ومعارض فنية وطنية كبرى علاوة على ذلك أصبح الفنان الجزائري في تواصل مباشر مع المتذوق…إلخ. - ما هي أبرز العراقيل والمشاكل التي تعترض الفنانين التشكيليين؟ كل الفنانين في الصحراء عصاميين وليس لهم منصب عمل قار لدى نطلب من السلطات الولائية و السيدة الوزيرة أن تفتح لنا مناصب توظيف ولو كأعوان أمن بالمؤسسات العمومية أو الاقتصادية، منصب عمل يضمن للفنان استقرارا ماديا يساعده في حياته و في انتاجه الفني وكذلك يوجد نقص في قاعات العرض الكبرى وكذلك المدارس الفنية التشكيلية في الجنوب الكبير. - هل هناك معرض تتهيأ له في المستقبل القريب؟ نعم ولله الحمد أنا بصدد إقامة معرض تشكيلي بمدينة الدوحة بقطر إذا وجدت يد المساعدة وآخر بالجزائر العاصمة، كما أن هناك معارض أخرى مبرمجة في عدة مدن جزائرية إن شاء الله بعد خروجنا منتصرين من فيروس كورونا ولما لا خارج الوطن. سأقوم كذلك بإنجاز أعمال فنية في أحد الجرائد الوطنية، كما أنني بصدد إنشاء جمعية فنية مخصصة للأطفال الموهوبين الذين يحتاجون الدعم المادي والمعنوي من أجل تشجيعهم والسير بهم نحو الأمام.