4 ملايين هكتار أراض غير مستغلة بسبب تأخر تسوية العقار يرى رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، منيب أوبيري، في حوار ل»الشعب»، أن النهوض بالفلاحة يحتاج إلى مجلس أعلى للأمن الغذائي، يكون هيئة مستقلة تضم ممثلين عن كل القطاعات ذات الصلة بالفلاحة وممثلين عن المهنيين والخبراء والمختصين، تتولى حصر جميع المشاكل المطروحة وتقدم حلولا لها لتطوير القطاع والسير به في الطريق الصحيح. يوضح الخبير أن تطوير الزراعة يحتاج إلى تذليل العقبات والقضاء على البيروقراطية وإلى قطاعات تعمل في تكامل وليس في تنافس، حتى يتمكن المستثمرون من تجسيد مشاريعهم ميدانيا وتحقيق هدف رفع المردودية خاصة في الشُعب الإستراتيجية كالحبوب والسكر والزيت الأكثر طلبا في السوق المحلية. وأكد أنه لا يمكن الحديث عن تطوير الإنتاج الفلاحي في ظل عدم استغلال الأراضي المعطلة التي تتجاوز 4 ملايين هكتار بسبب تأخر تسوية العقار الفلاحي، وعدم إتباع المسار التقني، وغياب مصانع الأسمدة والأدوية والبذور، التي تبقي الزراعة الجزائرية في تبعية للأسواق الدولية. - الشعب: وضعت السلطات العمومية هدف توسيع مساحة زراعة الحبوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد الباهظة، هل يمكن الوصول إلى هذا الهدف بالتقنيات المستعملة حاليا؟ المهندس أوبيري: معروف في مناطق الشمال أن الفلاحين ينتجون الحبوب بما فيها القمح اللين على مساحات هامة ولكن تعطي مردودا ضعيفا يتراوح بين 30 و40 قنطارا في الهكتار نظرا لشح الامطار وعوامل أخرى مثل عدم اتباع المسار التقني الذي يمكن اعتماده لتطوير الشعبة وتحسين مردودها، فضلا عن عدم اختيار الأصناف الملائمة التي تعطي مردودية أفضل، وهذان عاملان أساسيان لتحقيق إنتاج أكبر. الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في مادة الحبوب وخصوصا القمح اللّين الذي يستورد بكميات كبيرة، يقتضي وضع خطة على المدى القريب، المتوسط والبعيد، لأنه لا يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي بين عشية وضحاها، وللوصول إلى 2.5 مليون هكتار مساحة مزروعة مسقية، يجب استغلال الأراضي البور والمعطلة لمثل هذه الزراعات الاستراتيجية حتى نحقق إنتاجا أكبر ونوّفر هذه المادة بحيث نستغني تدريجيا عن استيرادها. من المفروض الدولة تعمل مبدئيا على اختيار أصناف البذور الملائمة، اتباع مسار تقني يرفع مردودية الهكتار الواحد، واستغلال أكثر للأراضي المعطلة لتكثيف المنتوج، وهذه برأيي عوامل أساسية تسمح لنا بتقليل الاستيراد ليس في ظرف سنة ولكن تدريجيا. - اتباع المسار التقني يقتضي إشراك المهندسين والمختصين، ولكن الفلاح متمسك بطرق الإنتاج التقليدية، والمعاهد التقنية لا نكاد نسمع بتدخلاتها لماذا؟ صحيح، رغم وجود معاهد تقنية تضم اطارات من الكفاءات العالية، لكن لا تتوفر على الامكانيات اللازمة لمرافقة الفلاحين، لذا يمكن للسلطات المختصة أن تفتح الأبواب للقطاع الخاص لتقديم خدماته في هذا المجال حتى تعطي فرصا أكبر للمتعاملين الاقتصاديين ورجال الأعمال عن طريق منحهم التسهيلات من أجل الاستثمار في القطاع، فنحن سجّلنا للأسف هروب المستثمرين من القطاع الفلاحي بعد عام أو عامين من الشروع في الإنتاج، لأنهم اصطدموا بعدة مشاكل، من بينها غياب المسالك والطرق، وانعدام الكهرباء الفلاحية، وحتى إذا توفرت هذه الإمكانيات وتحقق الإنتاج لا يجدون مراكز للتخزين، أومن يشتري منهم المنتوج مثلما حدث في أكثر من مرة مع مادة البطاطا، أو الطماطم أو البرتقال، لذلك ينبغي محاربة كل هذه العراقيل إذا أردنا تحقيق الأهداف المسطرة. الفلاحة بدون تقنيات ودون مهندسين ليست فلاحة، لذلك تشجيع الشباب على الاستثمار في القطاع أمر مهم حتى يكونوا مثالا يحتذى به لنظرائهم، ومصدرا لنشر التقنيات، إذ يمكن توظيف هذه الفئة خاصة حاملي الشهادات الجامعية لدى المهندسين لإكتساب الخبرة، كما يمكن إلزام كل مستثمر يستفيد من قطعة أرض فلاحية، بإشراك المهندسين أو الخبراء في مشروعه ضمن دفتر شروط يبرز بوضوح أهمية الاعتماد على المعرفة والتكنولوجية لتحقيق نتائج جيدة ومردودية أفضل. نحن الآن نناضل من أجل إنشاء العمادة الوطنية للمهندسين الزراعيين، المشروع يوشك على الانتهاء وسيقدم للوزارة الوصية لطرحه على أعلى مستوى قريبا، ونهدف من خلاله إلى تنظيم المهنة حتى يؤدي المهندس عمله بأريحية وتحت غطاء قانوني يكون تحفيزي له لتقديم الأفضل. - الأراضي المعطّلة (غير المستغلة) معضلة لم يتم حلها لحد الآن، كيف يمكن استرجاعها وإعادتها للإنتاج؟ العقار يبقى المشكل الحقيقي في الجزائر، وتأخر تسوية وضعية الأراضي الفلاحية، أبقت مساحات صالحة للزراعة مهملة ودون استغلال، لأنها لا تملك أصحابها وأخرى متنازع عليها بين العرش لم يستطع أي أحد الاستثمار فيها، لذا حينما تتخذ الدولة قرارا صارما لتنظيمه وتمنحه لأصحابه أعتقد أنه كل طرف سيعرف حينها المساحات المسموح باستغلالها، وتلك التي لا يمكن له الاقتراب منها. يوجد قوانين لتسوية العقار الفلاحي، ولكن إجراءاتها معطلة وغير مطبقة على أرض الواقع بدليل وجود أكثر من 4 ملايين هكتار من الأراضي المنتجة غير مستغلة وهذا أمر مقلق، لذايجب أن يكون القانون صارما، ويضرب بيد من حديد كل الأطراف التي لم تستغل الأراضي الفلاحية لأنها ثروة وإهمالها سيضيع فرصة استحداث مناصب شغل للشباب وتنويع الإنتاج. استغلال الأراضي المعطلة يتطلب وضع خطة محددة الأهداف، وضمن آجال زمنية معروفة، كأن يسطر في بداية الأمر هدف الوصول على الأقل إلى زراعة مليوني هكتار في مدة لا تتجاوز 4 سنوات، مع العمل على حشد كل الإمكانيات والموارد المائية اللازمة لإعادة إنعاشها، وحتى المدخلات الفلاحية يجب الاهتمام بها فلحد الآن لازلنا نستورد الأسمدة، فكيف نقوي الإنتاج ونرفع المردودية بدون أسمدة وبذور وأدوية للمعالجة؟. الجزائر مازالت رهينة استيراد البذور والأسمدة، وتداعيات جائحة كورونا أثرت على مخزون هذه المدخلات، فكيف سنلبي الطلب ونطور أداء الانتاج الوطني؟، ينبغي التفكير في هذا وفتح الاستثمار في المدخلات الفلاحية وتشجيع المستثمرين على إقامة مصانع للأسمدة والأدوية الفلاحية، كما في مصر والأردن حتى تتحرر الزراعة الجزائرية من التبعية للأسواق الدولية. من غير المعقول الاستمرار في هذا المسار، لذلك ينبغي إعداد خطة باشراك جميع الفاعلين ولِمَ لا الذهاب إلى تأسيس مجلس أعلى للأمن الغذائي، كما تقرر بقطاع الصحة حيث أمر رئيس الجمهورية بإستحداث الوكالة الوطنية للأمن الصحي لتطوير القطاع. - ولكن القانون التوجيهي للفلاحة لسنة 2008 ينصّ في الفصل الرابع على إنشاء مجلس أعلى للتنمية الفلاحية يكون جهازا استشاريا مفتوحا للحوار والنقاش لإبداء الرأي في مسائل مثل التغذية والزراعة الغذائية. يعني الأمر يحتاج الى تفعيل نص المادة القانونية ليس أكثر؟ نحن أسميناه في الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين مجلس أعلى للغذاء أو للأمن الغذائي، يضم في تشكيلته ممثلين عن القطاعات ذات الصلة بالفلاحة على غرار وزارة الموارد المائية، الطاقة، التجارة، وممثلين عن الهيئات والتنظيمات المهنية، وخبراء وباحثين، يكون هيئة مستقلة دورها تحديد جميع المشاكل المطروحة والعمل على حلّها لتطوير القطاع والسير به في الطريق الصحيح، فلحد اليوم لا يوجد نظام محدد يسيره، يوجد فقط خطط مناسباتية توضع لمعالجة اختلالات ظرفية كاحتواء فائض الإنتاج بمنطقة ما أو إغراق السوق بالاستيراد لحل مشكل الندرة. صحيح في هذا العام عرفنا وفرة في الإنتاج رغم تداعيات آثار جائحة كورونا التي أضرت باقتصاديات كل دول العالم، ولكن العام المقبل نتوقع نقصا حادا أو ندرة في الإنتاج، بسبب تراجع المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة وأدوية بعد توقف الاستيراد، إثر تعليق حركة النقل البحري والجوي والبري وتطبيق الحجر الصحي، منذ مارس الماضي، وسنرى حينها كيف يمكن تحقيق هدف رفع الإنتاج، في غياب هذه المدخلات الضرورية للإنتاج وتحسين المردودية. - قلتم إن تطوير القطاع الفلاحي تأثر بتأخر تسوية ملفات العقّار، ولكن التجارب السابقة عرّت حقائق بعض المستثمرين الذين استفادوا من أراض وقروض دون أن ينفذوا مشاريعهم في الميدان، كيف نضع حدا لهذا التحايل؟ منح الأراضي الفلاحية يجب أن يخضع لدراسة دقيقة وتوزع على المستثمرين الحاملين للمشاريع الجادة المنتجة للثروة، وعلى السلطات العمومية أو الوزارة الوصية أن تلزم المستثمر بتقديم دراسة جدوى وفق آجال محددة تبرز فيها الأهداف المراد تحقيقها وفق الاحتياجات الوطنية المعبر عنها من طرف الدولة، فلا يمكن أن نترك المجال مفتوحا للمستثمر لإنتاج مواد تعرف تشبعا في السوق المحلية، فالهدف الوصول الى استحداث أقطاب زراعية كبرى، كل قطب يختص في إنتاج مادة معينة لتنويع الشعب الفلاحية ورفع المردودية. المجلس الأعلى للأمن الغذائي مهم كثيرا، لوضع حد للفوضى القائمة ورسم خريطة الطريق لتطوير القطاع وإرسائها على أرض الواقع، ووزارة الفلاحة لا يمكنها بمفردها حل المشاكل العالقة والمطروحة فهي طرف من الأطراف التي عليها رسم خطة النهوض بالقطاع، والسياسات الماضية أبانت عن تردد الإدارة في اتخاذ القرارات نظرا لعدة ظروف، كما حوّلت بعض القطاعات كالتجارة إلى منافس بدل مساعد على تذليل العراقيل للمستثمرين والفاعلين في القطاع. صحيح الفلاحون يكافحون في الميدان وبرهنوا في أكثر من مناسبة عن قدرتهم في رفع التحدي وكسب الرهان، ولكنهم اليوم يعانون من الفوضى وعدة مشاكل كغياب الطرق والكهرباء وانعدام الوسائل المادية والتقنية، لذا يجب الرفع من هذه القدرات بتنظيم القطاع، وفتح النقاش للخبراء والمختصين لتقديم الرؤى وتصحيح مسار الإنتاج، فالفلاحة تحتاج الى تذليل العقبات والقضاء على البيروقراطية وإلى قطاعات تعمل بتكامل وليس بتنافس. - تراهن السلطات على الاستهلاك المحلي للزيت والذرة والسكر. هل يتحقق هذا ونحن لا نملك مساحات كبرى لإنتاج هذه المواد، ومصانع تحويل؟ تتوفر الجزائر على تجارب ناجحة في مجال الزراعات الاستراتيجية السكرية (البنجر السكري) والزيتية (نبات عباد الشمس)، ولكن يجب تحضير الأرضية لإطلاق هذه المشاريع حتى تحقق الهدف المسطر، فيمكن أن نكون فرقا تقنية أو ننشئ مزارع نموذجية لإنتاج هذه المواد، وننجز مصانع تكرير أو تحويل مرافقة، بقدرات بسيطة أو متوسطة، ثم نذهب بعدها إلى تكثيف هذا النوع من الزراعات وتثمين المنتوج. نجاح هذا النوع من الزراعات يتطلب تحديد الأراضي الصالحة التي يمكن لهذه النباتات والبذور التأقلم معها، وكذا حشد المياه الكافية والأهم انجاز مصانع التحويل والتكرير فإذا لم تكن متوفرة لن نصل إلى الهدف المرجو، لذا ينبغي تشجيع المستثمرين في هذا المجال، ومنحهم الدعم في شكل قروض أو أراض حتى تنجز مصانع في مناطق الإنتاج وتتحول إلى أقطاب زراعية كبرى مدمجة، لأنه في غياب أرضية ملائمة لا يمكن الوصول للمبتغى وتحقيق الهدف، وإذا تحقق سيكون بخسائر أكبر. - تحديد مساحات الأشجار المثمرة، كالتين والأرقان، على أي معايير يمكن أن تكون لتطوير هذا النشاط واللّحاق بركب الدول المصدّرة لهذه المنتوجات؟ الجزائر تتوفر على الكثير من الأصناف غير التين والأرقان يمكن استغلالها في خلق الثروة وضمان مداخيل جديدة، ينبغي التفكير في وضع مشاتل لهذه الأشجار فلا يعقل أن نبقى في تبعية للخارج ونستمر في استيراد البذور من موريتانيا أومن دول الجنوب. يمكن أن تتحول الجهة الجنوبية الغربية، ابتداء من بشار وصولا إلى تندوف الى منطقة منتجة للأرقان وزيته، ولكن كيف نشجع الاستثمار في هذا النوع من الأشجار المثمرة ولا نملك بذور أو شتلات هذا الصنف، لذا ينبغي في البداية إقامة مشاتل عمومية توضع تحت وصاية محافظات الغابات أو تدعيم المشاتل الخاصة، لأنه توجد امكانيات ضعيفة جدا لا تفي بالغرض لتطوير هذا الصنف من الأشجار. شجر الخروب كذلك مهم جدا، زراعته امتدت على مساحات واسعة من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، ولكن غير مستغل بالشكل الكافي، لذلك نرى ضرورة تشجيع الشباب على استغلاله في المناطق الجبلية، خاصة وأنه يوجد مستثمرون خواص يبحثون عن مساحات الخروب لتحويله وتصديره للخارج، فلماذا لا نشجع على الاستثمار في هذا النوع ونعمل على توسيع مساحة غراسته بالمناطق الجبلية وحتى للساكنة المحلية. أما بالنسبة للتين فتوجد العديد من الدول على غرار عمان طوّرت إنتاج هذا النوع في بيئة صحراوية، وهذا يعني أن زراعته تنجح حتى في الصحراء، لأن أشجار التين مقاومة للجفاف والمناخ وتصلح للغراسة في كل الأماكن، ولكن هذه الشعبة يجب أن تسند الى أهل الاختصاص لتطويرها. مثل هذه الشعب كالتين، الخروب، الأرقان، النخيل، تحتاج الى خطة دقيقة لتطويرها تنطلق من التكوين ونشر المعارف واستغلال الطاقات، وتوفير الإمكانيات لها، من بذور وشتلات، خاصة وأن عديد الأصناف أثبتت التجارب نجاح زراعتها في الجزائر، لذا لا ينبغي أن يبقى هذا الكلام مجرّد حبر على ورق.