اختلال في التّواصل بين الإدارة والفنّان تستعد لجنة إصلاح سوق الفن بعد أربع اجتماعات وعدة لقاءات افتراضية لصياغة مسودة أولية وتقديمها إلى وزيرة الثقافة والفنون، ستكون بعد إثرائها ورفع التحفظات عنها محور لقاء وطني يجمع الفاعلين في القطاع شهر سبتمبر الداخل. يحدّثنا المسرحي والسينوغرافي حمزة جاب الله في هذا الحوار عن التوصيات التي خرجت بها اللجنة، والبرنامج المسطر للعناية بالفنان والمثقف، كاشفا التحديات والرهانات المستقبلية. الشعب: هل لكم أن تشرحوا لنا المقصود بمصطلح سوق الفن على ضوء اجتماعات اللّجنة منذ تنصيبها في 26 جويلية الفارط؟ المسرحي والسّينوغرافي حمزة جاب الله: نلاحظ أنّ هناك بعض اللبس في الجزائر حول مفهوم سوق الفن، وهو لبس يسجل حتى عند النخبة وبعض الفنانين. المتعارف عليه أن سوق الفن يشمل الفنون التشكيلية، الأروقة، المعارض، الموسيقى وغيرها...حاولنا في اللجنة إعطاء تعريف إجرائي دقيق لسوق الفن، الذي نتبنّاه ضمن الإستراتيجية الثقافية الجديدة لوزارة المعنية، إذ نحاول إنشاء آلية حقيقية تعمل على إنعاش قطاع الثقافة بالدرجة الأولى والإنتاج الثقافي المحلي والوطني عموما، وهو ما يدخل ضمن الأولويات والطموحات والتحديات التي سطّرتها لجنة إصلاح سوق الفن. يبقى الركن الهام في هذا المشروع، الاستثمار في العنصر البشري من خلال التوجيهات التي سطرتها الوزارة تحت إشراف الوزيرة مليكة بن دودة التي ترتكز أساسا على نظام الفنان النجم أو أنموذج النجم الجزائري. العنصر البشري الرّقم الأهم في معادلة نجاح أي مشروع هل يقصد بنظام الفنان، التعريف به وبأعماله؟ لاحظنا أنّه رغم الاجتهادات والمجهودات السابقة، ورغم كل ما قدمته الدولة من إمكانيات، مازلنا نقف أمام حلقة مفقودة وهي غياب تثمين الفنان كفرد فاعل في المجتمع وعلى الساحة الثقافة، يجب علينا إذا اعتماد مقاربة أخرى تتمثل في التسويق لفنانينا، فالعنصر البشري يبقى الركيزة الأساسية في معادلة نجاح أي مشروع. غالبا ما يكون التّسويق للفنان من اختصاص المُسيّر الفني أو الثّقافي، وهو عندنا بمثابة حلقة مفقودة، هل تولي اللّجنة اهتماما بهذا الجانب وتصحّح الخلل؟ المسيّر الثقافي تخصّص قائم بحد ذاته، نحن نعمل حاليا في وزارة الثقافة على ملف الرخصة الخاصة بمتعاهدي العروض، هو دور المستثمر والمسير الثقافي، وفي نفس الوقت حين يتحصّل متعهد العروض على الرخصة ويكون مختصا في عملية التسويق والعملية التجارية التي نرى أنها غائبة كليا. نتحدّث الآن عن سوق الفن من المنظور الاقتصادي، كيف تجد الثقافة مكانتها على أنها شريك في التنمية المستدامة وفي الاقتصاد الوطني، علينا كوزارة أن نساعد الفنان من خلال التنظيمات والقوانين وبعض الامتيازات. حاليا نشتغل على إيجاد أرضية مقننة وصلبة يعتمد عليها كل ممارس في مجاله، الفنان من خلال إطلاق العنان لموهبته والمسير أو متعهد العروض من خلال تنظيم وإنجاح التظاهرات الفنية، عندما يأخذ المتعهد الرخصة ويكون له سجلا تجاريا، فهو يدخل ضمن آلية دعم الفنان وتشجيع الاستثمار الثقافي الذي وضعته الحكومة. تعرف السّاحة الثّقافية اختلالا بين المشاريع وآليات الدعم وبين عدم استفادة الفنان منها، كيف تصحّح المعادلة وتكسب توازنها؟ نعتقد أنّ الإشكال القائم اليوم في نقص التواصل بين مختلف الشركاء، ولهذا تسعى اللجنة إلى توطيد العملية التواصلية مع كل الفاعلين، ما سيسمح بتعريفهم بما هو مطلوب من الممارس وما هو متوفر أمامه. كما أنّنا نعمل على تقديم رؤية واضحة للفنان والمستثمرين خاصة الشباب، حول آليات الدعم وكيفية الاستفادة منه. مثلا هناك نخبة كبيرة في مجال الفنون التشكيلية، منهم من فقد الثقة، منهم من يجهل أن هناك صندوق دعم الأروقة الفنية والمشاركة في المعرض داخل وخارج الوطن وتمويل المواد الأولية للفنون التشكيلية وغيرها، وهو واقع لا يمكن أن نتجاهله إذا أردنا أن نبني سوق فن حقيقية، لابد أن نتصالح مع الذات ونعترف بالخطأ. هناك معضلة لابد من حلها، غالبا ما يسلط الفنان جام غضبه على عملية الدعم، ولكن الإشكال القائم أن الدعم موجود ومتوفر، والخطأ يكمن في عملية توجيهه، هناك إصلاحات للتخفيف من البيروقراطية السلبية واليوم نعترف بهذه الأخطاء التي علينا أن نواجهها بتضافر الجهود. من المؤكّد أنّ الآلية الإدارية تتحمل جزءاً كبيراً من هذا الخطأ، لكن على الشريك الاجتماعي أيضا أن يقوم بواجبه ويكون مراقبا لعملية تقديم الدعم. ضرورة التّفتّح على التّكنولوجيات الحديثة ووسائط التّواصل الاجتماعي الرّهان الاختلال إذا في التّواصل بين الإدارة والفنّان، وغياب أو نقص في آليات التّحسيس والتعريف بما يمكن تقديمه من دعم؟ لابد أن تنفتح الإدارة أكثر على التكنولوجيات الحديثة، وأن تستعمل وسائط التواصل الاجتماعي في هذه العملية لأن الجانب الإعلامي غائب في الكثير من الأحيان. القضاء على البيروقراطية وعلاج مسألة غياب مبدأ الشفافية في التواصل والتعريف بكل ما يمكن تقديمه من آليات دعم للفنان هو من الرهانات التي لابد لنا من كسبها، كما أن على الفنان أن يقوم من جهته بتبرير استفادته من الدعم خاصة في ما يخص الأثر الفني في المجتمع. نحن لا نشكّك في إبداع الفنانين لكن نعمل على سن سياسية موحّدة بينهم وبين الإدارة من أجل أن يكون للدعم المقدم له أثر اقتصادي واجتماعي وانعكاس جيد على المواطن حقه في الثقافة، وعلى الفنان أن يعي من جهته أن هذا الدعم ما هو سوى محطة انطلاقة لمساره، وأن لا يبقى دائما مرهونا بهذا الريع ومعتمدا عليه. هل هناك حصيلة أولية لنشاط اللجنة؟ وهل تمّ تحديد مهلة معيّنة للمشاورات والاجتماعات قبل الانطلاق في تجسيد التّوصيات والقرارات ميدانيا؟ بالفعل تمّ تحديد تاريخ اليوم الأحد 30 أوت 2020 لصياغة المسودة الأولية ورفعها للسيدة وزيرة الثقافة والفنون، للتقييم والتوجيه والموافقة عليها، قبل توزيعها على الفنانين والفاعلين، قبل لقاء وطني شامل مع مختلف الفاعلين والحركة الجمعوية والأكاديميين والفنانين التشكيليين عبر الوطن لتقديم آرائهم بشان مسودة اللجنة حول الفنون وسوق الفن، وسيكون اللقاء مبرمجا منتصف سبتمبر المقبل. البطاقية الوطنية للفنّانين التّشكيليّين ضرورة ملحّة ما المنتظر من هذا اللقاء الوطني، أي الملفات الأكثر ترشّحا للتّجسيد؟ ستختم الأشغال بالمصادقة على القرارات التنفيذية، لننطلق في المدى القصير في تجسيد القضايا المستعجلة وعلى رأسها ضبط البطاقية الوطنية الخاصة بالفنانين التشكيليين، التي نقوم حاليا بإعداد منصة رقمية لها، تضم أسماء الممارسين في مجال الفن على المستوى الوطني، كما يمكن توسيعها لفنانينا في المهجر. المشروع تبنّته مجموعة من المبدعين الشباب المختصين في البرمجة في الإعلام الآلي من عنابة، وسيتم استضافة هذه البطاقية الالكترونية بموقع وزارة الثقافة والفنون فور الانتهاء من إعدادها. أملنا أن ينخرط فيها جميع الفنانين، الذين سيجدون عبر هذه المنصة خانات للتعريف بسيرهم الذاتية وبأعمالهم وبالتسويق لها إلكترونيا، كما نسعى مستقبلا إلى ضبط خانة سوق الفن الالكتروني وبيع وشراء المنتجات الفنية بصورة قانونية، وأن نضبط الأمور مع وزارة التجارة. هل هناك نصوص قانونية لسوق الفن التّشكيلي؟ النّصوص القانونية موجودة، لكن الإشكال القائم في عدم التوافق بين الجانبين القانوني والتطبيقي. الإشكال ليس في النصوص التشريعية بل في فهم النصوص التطبيقية، غالبا ما يكون عندنا سوء فهم في التنفيذ، وهذا ما يسبب لنا نوعا من البيروقراطية أو التوجهات الخاطئة للإداري أو الفنان المرتبطين بهذه القوانين. أين يكمن الخلل في إرساء ساحة ثقافية وفنية إذا كانت الفضاءات والقوانين والآليات موجودة؟ على الكل أن يعي أن الثقافة مسؤولية الجميع وليست مسؤولية الوزارة أو المؤسسة، الوزارة ما هي سوى هيكل منظّم للعملية الثقافية التي هي نتاج مجتمع في أوسع تركيبته وتنوعها بالدرجة الأولى، ينقصنا التعامل في انسجام تام وإيجاد بيئة ملائمة لانتعاش الفعل الثقافي، كما يلزمنا علاج العوائق في هذا القطاع الحيوي لمساعدة اهل الفن من أجل الانطلاق في الإبداع بكل أريحية. نحتاج أيضا إلى مواصلة المسار والاستمرارية بين المشاريع السّابقة واللاّحقة، وتجسيد كل ما هو إيجابي منها على أرض الواقع وشكل منطلق الإقلاع للآتي. نحتاج إلى غرس ثقافة فنية في المجتمع، وتكون الانطلاقة من وزارة التربية والناشئة حتى ترسّخ في الأذهان حقيقة ثابتة مفادها «أنّ الثّقافة مسؤوليّة الجميع». هل من كلمة للشّباب حاملي المشاريع الثّقافية؟ ندعو الشّباب الحاملين لمشاريع الاستثمار الثّقافي وأصحاب المؤسّسات والاستثمارات في مجال الأروقة الفنية، صناعة الآلات الموسيقية والمواد الخام للفنون التّشكيلية، إلى التقرب من وزارة الثقافة والفنون من خلال ورشة إصلاح الفن لتقديم ملفاتهم. نطمئنهم بأنّ الوزارة على استعداد لتوجيههم ومرافقتهم في تجسيدها، بمعية وزارتي الصناعة والمؤسسات النّاشئة، نخبرهم بإعلان رسمي في هذا الشأن سيبث قريبا عبر الموقع الالكتروني للوزارة، يتضمن أدق التفاصيل للمشروع الذي نعلّق عليه كل الآمال والطّموح.