تضع تعليمة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المتعلّقة بوقف التعامل بالرسائل المجهولة لمحاربة الفساد، حدّا لممارسات كرّست «تصفية الحسابات» بدل محاربة الظاهرة واجتثاثها من الجذور، وكبلت أيادي مسؤولين نزهاء وكفاءات، وقطعت الطريق أمام الكثيرين في تولي المناصب السامية، خوفا من محاولات توريطهم في قضايا تنهي مسارهم المهني بين أسوار السجن. تمسّك رئيس الجمهورية بمكافحة الفساد، «ضرورة» لبناء جزائر جديدة يكون القانون السيّد فيها، وليس رسائل مجهولة المصدر تتحكم في مصير أشخاص وكفاءات، وتزرع الخوف والشك بين المسؤولين، بناء على شائعات ونوايا سيئة، عرقلت نشاط مؤسسات الدولة ومختلف هياكلها التنفيذية. وهو ما تحاول بعض الأطراف الوصول إليه، لغايات مغرضة تكبح استمرارية الجهود الرامية للمضيّ قدما، في إطار إصلاح الوضع العام، وترتيب شؤون البلاد الداخلية والخارجية، خاصة وأنّ الجزائر قاب قوسين أو أدنى من وضع دستور جديد، يؤسس لجمهورية جديدة تبنى على قواعد دائمة لا تزول بزوال الرجال وبعيدة عن الفساد، ويفصل فعليا بين السلطات، ويسمح بالتداول السلمي على السلطة ويعزّز الثقة بين الحاكم والمحكوم. وستسمح التعديلات الواردة في مشروع تعديل الدستور، باتخاذ آليات قانونية لمكافحة الفساد، بكل الوسائل القانونية الممكنة، ستتبعه تعديلات في المنظومة القانونية لتكييفها مع متطلّبات المرحلة الجديدة، ستعزّز لا محال صلاحيات العدالة في المجال الاقتصادي، لتأسيس بيئة سليمة تنهي عهد «تغوّل المال الفاسد» ونفوذ سياسيين ورجال أعمال، استغلّوا الثغرات القانونية لاستهداف كفاءات ومسؤولين نزهاء بالزجّ بهم في ملاحقات قضائية وتهم بريئين منها براءة الذئب من دم يوسف. وحمل مشروع تعديل الدستور عدة ضمانات، لحماية المال العام وإيجاد وسائل فعالة للوقاية من الفساد ومكافحته، ومن بين الآليات الموضوعة لمحاربة هذه الظاهرة، السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، كمؤسسة مستقلة، تعوّض ديوان مكافحة الفساد المعطل مهامه، منذ سنوات، تتولى وضع إستراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته والسهر على تنفيذها ومتابعاتها، وجمع ومعالجة وتبليغ المعلومات المرتبطة بمجال اختصاصها ووضعها في متناول الأجهزة المختصة، إخطار مجلس المحاسبة والسلطة القضائية المختصة. كما عاينت وجود مخالفات، وإصدار أوامر عند الاقتضاء للمؤسسات والأجهزة المعنية، المساهمة في تدعيم قدرات المجتمع والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد، ومتابعة وتنفيذ ونشر ثقافة الشفافية والوقاية ومكافحة الفساد، المساهمة في أخلقة الحياة العامة، وتعزيز مبادئ الشفافية الحكم الراشد والوقاية ومكافحة الفساد. وفي انتظار اعتماد مشروع تعديل الدستور لتكون أسمى وثيقة يحتكم إليها الجميع، وتكييف القوانين المتعلقة بمحاربة ظاهرة الفساد، ألزم رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة، والعدالة ومسؤولي الأجهزة الأمنية بعدم الأخذ برسائل التبليغ المجهولة بعين الاعتبار، من الآن فصاعدا، لأنها يقول الرئيس «لا يمكن أن تكون بأيّ حال من الأحوال دليلا قطعيا لنسب وقائع تكتسي صفة الجريمة والجنحة»، غير أنه أبقى الباب مفتوحا أمام المواطنين الذين يملكون معلومات حول جرائم اقتصادية التوجّه بها للسلطات المؤهلة أو وسائل الإعلام التي يكرّس الدستور حريتها بشرط أن تكون مقرونة بالأدلة الضرورية، والأخذ بها عند التحقيقات المحتملة. جدير بالذكر، أن التبليغ عن الفساد تزايد بعد الحراك الشعبي في 2019، وساهم في تقديم العديد من المسؤولين أمام القضاء ومتابعتهم في قضايا فساد أو خيانة منهم أكثر من 10 وزراء ووزيرين أولين، لكن في الوقت الآخر، أضرّ بآخرين لأن التبليغ كان في إطار تصفية حسابات أو بناء على شائعات يروّج لها أصحاب المال الفاسد لتعكير الجوّ العام وصرف الأنظار عن ملاحقتهم والمساس باستقرار الدولة ومؤسساتها.