يؤكد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب ويكاند»، أن اللّغة العربية «بخير» في الجزائر ولا خطر عليها، ويرى بأن التأسيس الدستوري للمسألة اللّغوية في البلاد يعزز المواطنة اللّغوية، ويشير إلى الأداء الرسمي للحكومة بالعربية جيدا ورئيس الجمهورية هو المرجعية في ذلك، لأنه صارم في قضية الهوّية اللّغوية. «الشعب»: لم تدرج في وثيقة تعديل الدستور، المعروضة للاستفتاء، أية تعديلات على نص المادة الثالثة، الخاصة باللغة العربية، ما هي قراءتكم لذلك؟ أ.د صالح بلعيد: في مشروع تعديل الدستور 2020، بقيت المادة الثالثة على حالها، والتي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية وتظل كذلك، ويحدث لدى رئيس الجمهورية مجلس أعلى يهتم بها ويقوم بالمهام الثلاثة: العمل على ازدهارها، تعميم استعمالها في العلوم والتكنولوجية، والترجمة من اللغات الأخرى إليها. الآن، لما ننظر إلى دستور 2016، نرى بأن التعديل الدستوري حافظ على نفس المادة. لكن المسألة لا تقيس المادة بالمادة، بل تقاس بالمواد اللاحقة على مستوى المؤسسات الدستورية والاستشارية الأخرى، فقياسا بما أحيط بالمادة الثالثة فإن هذا التعديل الدستوري يعزز المواطنة اللغوية أكثر، بحيث ثمنها بالمادة الرابعة والتي تنص على إنشاء مجمع للغة الأمازيغية، يقوم على خدمة تنوعات تمازيغيت في مختلف مجالاتها، وثمنها بما يليها من مواد وبنود أخرى، ونبارك ما ورد فيه. * البعض يجنح بالنقاش حول المسألة اللّغوية في الجزائر، إلى ما يطلقون عليه الثنائية اللغوية فيستثيرون هواجس وقلاقل، ما رأي المجلس الأعلى للغة العربية؟ ** لابد من تحديد المصطلح..الثنائية اللغوية تعني اللغة الوطنية مع اللغة الأجنبية. إذا نحن عندنا تعدد لغوي، والذي يطلق على شيئين، على تعدد اللغات وعلى اللغات الوطنية. عندنا الآن اللغة المشتركة وهي اللغة العربية، اللغة الجامعة، وعندنا اللغة المحلية (تمازيغت)، وهي لغة كل الجزائريين ولكن لها أداءات متنوعة. الآن، هل تتعارض اللغات الوطنية فيما بينها أم تتكامل؟ في الحقيقة إن هذا التعدد اللغوي لا يتعارض أبدا. بالعكس الواحدة تكمل الأخرى وقيمة مضافة لها، بشرط أن يكون قانون يجمع هذا التعدد اللغوي. ونعني هنا، بأن هناك لغة (العربية) لها حمولة لغوية قبل بها الأجداد واتخذوها كلغة علم وانتجوا بها، وهي كبيرة جدا، وعملاقة بما لها من تراث وإنتاج علمي وأدبي. اللغة الثانية (تمازيغت)، شفاهية، وحافظت على شفاهيتها لماذا؟ لأن أجدادنا جعلوها لغة المعاملات اليومية الضيقة وليست لها صفة الانتشار الموجود للغة العربية، ولكن تقضى بها ما يسمى في المصطلح الفقهي بالمصالح المشتركة؟. أي الأداء البيني الضيق في منطقة من المناطق، بين قرية وقرية أو بين عرش وعرش. عندما جاء أجدادنا أثناء الفتحات الإسلامية ماذا فعلوا؟ نظروا إلى الدين في المقام الأول على أنه مخلص الساكنة من وثنية الرومان، فاعتنقوه، ولكي يفهم الدين لا بد أن تفهم لغته فهما جيدا، إذا أعلوا لغة الدين أكثر من لغتهم، ولم يكتفوا عند هذا الحد، حيث عملوا على تطويرها. وقديما، وإضافة إلى طريق الحرير الذي ينطلق من الصين، كان هناك طريق الملح الذي ينطلق من السعودية ويمر عبر الجزائر بلاد توات إلى كل إفريقيا. ما هي اللغة التي تقضى بها مصالح المقايضة في التجارة؟ كانت لغة يقال لها «لونغا فرانكا» أي لغة المصالح المرسلة أو لغة التواصل. في لغة التواصل هذه، هناك 45 بالمائة من اللغة العربية، و55 بالمائة هجين لغات أخرى، لأن العربية كانت موجودة في هذا الطريق، فعندما جاء الفاتحون لم يستصحبوا معهم التراجمة، لأنهم وجدوا لغة أولى سهلة التواصل. أجدادنا تعودوا على الدين الإسلامي وتعودوا على العربية. والدليل على ذلك أنه لم تحدث أبدا حرب لغوية هنا في شمال إفريقيا. كانت هناك خلافات وحروب وصراعات لا ينكرها التاريخ، اختلفوا حول من يحكم حول المنطقة حول المنهج ولكن اللغة كانت قاسمهم المشترك. هذا التعدد اللغوي من الأحسن أن يطور ويستغل فيما يسمى بالسياسة اللغوية لأي بلد. ثم لا ننكر تاريخنا. 13 ملكا من ملوك البربر كانوا يستعملون لغتين، الرسمية هي العربية وكذا اللغات المحلية، وهذا لا يمكن أن ننكره. فنحن بحاجة إلى حلحلة هذه المسألة ليكون التكامل، ونسد كل ما يمكن أن تدخل منه شوشرة عن طريق أن تكون لغة مشتركة وهي العربية، ولغة محلية تملك تراثا يمكن أن نحتويه ونخلصه من المدرسة الكولونيالية ومن النظريات الغربية التي تستغل هذه النقطة من أجل تحدث السياسة المعروفة فرق تسد. والأداءات المحلية في الجزائر متنوعة، لأن الأمازيغية في العالم عندها 35 أداء، وعندنا في بلادنا وحدها لديها 17 أداء منها 4 قوية بحكم عدد ناطقيها. وهي تحتاج إلى ترقية لأنها تملك تراثا وفنونا وحكمة ويا حبذا أن يكون تكامل لأنها قيمة مضافة إلى العربية. وأعود دائما إلى وصفة الأجداد، الذين لم يكونوا على غباء عندما اختاروا اللغة العربية كخيار استراتيجي متميز، وحافظوا على اللغات المحلية لقضاء المصالح الضيقة. * رئيس الجمهورية، أكد أن الثوابت الوطنية في التعديل الدستوري ليست مطروحة للنقاش. باعتبار اللغة من الثوابت ما السبيل لإبعادها عن متاهات الجدل العقيم؟ ** هناك في الدستور مواد صماء، أي ما هو من الثوابت من المساءل التي بث فيها الأجداد ويا حبذا أن نكون نحن منهجيين بأن نبحث فيما يمكن أن نقدمه جديدا. ليس في كل مرة نعيد النظر ونبدأ من حيث بدأ الأوّلون، هذه مسألة كبيرة ولا نبني الحضارة بهذه الطريقة، والبحث في مسألة اللّغة كمن يبحث أيهما الأسبق البيضة أم الدجاجة. فنحن الآن في الجزائر، نطرح المسال التي عفى عليها الزمن وخاصة مسألة الذاكرة، من أكون؟ وإلى أية حاضرة أنتمي؟ هذه من المسائل الصماء مثلما قال رئيس الجمهورية. علينا أن نذهب في المنهجية إلى كيف نطور ونرقي هذه اللغات، بما تحمل من حمولة فكرية وثقافة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وهكذا نبني الحضارة. ومأثورنا المعروف يقول: إن أحسن اللاحق فإن الفضل للسابق. إذا السابقون وضعوا لنا لبنات، فكيف نضع لبنات تخصّنا نحن؟.أن نهدم ونبني من جديد ويأتي الآخرون ويفعلون نفس الفعل، فنبقى سنبقى في نقطة الانطلاق، وفي المسائل اللغوية لا يجب أن نذهب إلى الاستفتاء، وإنما نعود إلى السلف الصالح. علينا أن نبحث كيف نثمن فعل الأجداد والباحثين النزيهين ونتخلص من المدرسة الكولونيالية. مشكلتنا أننا نذهب إلى التفسير الأوروبي وتحديدا الفرنسي الذي يغفل أشياء كثيرة ويذكر أخرى تساعده لأحداث الشرخ، وهكذا نتخلص منه عن طريق احتواء هذه اللغة ونعطي المسألة للباحثين الذين يفعّلون فكرهم. * مرت 4 سنوات تقريبا على توليكم رئاسة المجلس الأعلى للغة العربية، ماهي المجالات التي ترون بحاجتها إلى مزيد من التطوير؟ ** المجلس مكلف بالمهام الثلاثة: العمل ازدهار العربية، تعميم استعمالها في العلوم والتكنولوجية، والترجمة إليها، هذه الأفعال الكبيرة نقوم بها، منذ تأسيس المجلس، ومنذ أن توليت رئاسته نهاية 2016، وهي محددة في الدستور. الآن، أفضل أن أقول ما هي المضايقات التي تعانيها اللغة العربية؟ وهي تتمثل في كثرة المؤسسات التي تشتغل على اللغة العربية دون تنسيق. كثرة المؤسسات جيد ومن المنافع ولكن عندما يصبح التنسيق منعدما تصبح بلاء على اللغة. ثانيا نحتاج إلى المرجعيات التي نستند إليها. لما تكون المرجعية هي، الحكم والفيصل في المسائل التي نحتاج أن نقطع فيها، الآن في الجزائر هناك مدارس التوريدية والتوزيعية والوظيفية، فكل ينتج المصطلح بحسب مدرسته واجتهاده ولكن أين التنسيق. والعربية لها رفاهية لغوية في مسألة الأدب والبلاغة، لكن عندما نذهب إلى التقانة المعاصرة نجد أنها تعاني مضايقات، نحن الآن مع العولمة بحاجة إلى ما يسمى بالنحو الكلي. في كوريا الجنوبية، يقولون أنه بالإمكان تعلم الكورية في حدود 6 أو 7 أشهر بطلاقة، لماذا نحن نتعلم العربية في 20 سنة ولازلنا نتعثر في مسألة الرفع والجر، هل نبدأ بالفعل أم الإسم؟، بمعنى نحتاج إلى خبرات وطنية في تعليم العربية للفطريين ولغير الفطريين. كيف يتعلمها الأجنبي تعلما سريعا ويدخل فيما يسمى باللغات الوظيفية؟ ما هي اللغة الوظيفية التي تتواصل بها عن طريق زميلك بدون أن تتعلم تلك القواعد النحوية الكثيرة والمعقدة؟ هنا نحتاج إلى خبرات وطنية تتقن المنطق اللغوي للغات وتتقن البحث عن ما يسمى بالنحو الكلي الجامع لكل اللغات. *مسألة اللغة تكمن في التربية، فما هي طرائق التلقين الأساسية، ثم كيف نستعيد هذا التراث القديم، الذي يمثل مكنزا كبيرا، فيه لغة العرب الفصيحة لغة القدامى، فيه القرآن الكريم بمختلف قرآته، فيه الحديث النبوي الشريف فيه الأعصر الخمسة التي بنيت عليها قواعد اللغة، ما هو الذكاء الصناعي الذي ينمذج هذه المادة الكبيرة كيف أحدث مسارا بين العربية القديمة وعربية 2021؟. ** العربية الآن بحاجة إلى ذكاء صناعي بحاجة إلى «أو. سي. أر»، وهو الذي يقرأ لك المدوّن ويرتبه لك ترتيبا دقيقا مثلما هو موجود في اللغات الأخرى، كيف أنني أتكلم والآلة تكتب دون خطأ؟ كيف أتكلم بالعربية والآلة تترجم إلى لغات أخرى دون خطأ؟ هذا هو الرهان الذي نحن نراهن عليه في المجلس الأعلى للغة العربية، وبدأنا نشتغل فيه وقطعنا أشواطا كبيرة في ميدان الذكاء الاصطناعي وأجرينا عليه مختلف الملتقيات وبنينا عليه المنصات. وفيه الرهان الكبير الآن، الذي نراهن عليه هو المعجم التاريخي للغة العربية والذي سيحل لنا كل القضايا العالقة باللغة العربية. لأنه المرجع والمشيخة، هو الذي يؤرخ للغة العربية ويحذف لك ما هو كرر وغير الصواب بحسب الأعصر الخمس. في 18 ديسمبر القادم سنحتفي ربما بستة مجلدات، وهذا العمل قامت به ثلاثة مؤسسات كبرى، المجلس الأعلى للغة العربية، اتحاد مجامع اللغات بالقاهرة ومجمع اللغة العربية بالشارقة، المرحلة الأولى أنهيناها، وستنطلق المرحلة الثانية بمناسبة اليوم الرمز للجزائر أول نوفمبر. إضافة إلى ذلك، أنجزنا معجم الألفاظ العامية في الجزائر في فترة ضيقة، فترة وباء كورونا، وسنحتفي في 18 ديسمبر بجزئه الأول الذي يحتوي على 17 ألف مدخل ومزال الجزء الثاني قادم. ونحن في المجلس نعمل في هذا الاتجاه، ونرى الأمور بخير والعربية مهما يقال عنها وما تعيشه من عثرات وهانات، شيء طبيعي، نبشر أنفسنا بأن الجزائر لها الريادة والمرجعية في كثير من الأشياء مع كثير من المؤسسات التي نشتغل معها إلى اليونيسكو والأليكسو،المجلس له مقام يستشار في كل صغيرة وكبيرة ولا يمكن أن يأخذوا بقرار لغوي قبل الأخذ برأي الجزائر. * نشاهد مطالب يومية، لإدخال العربية في الكثير من المجالات، في الشعب العلمية في فواتير الكهرباء والوصفات الطبية وغيرها، كيف يحول هذا الحرص إلى قيمة مضافة بدل توجس يستغل في النقاشات الواهية؟ ** أقول: لا خطر على اللغة العربية أبدا، العربية مأمورة. منذ أسبوع نوقشت مذكرة في طب الاسنان في جامعة تلمسان باللغة العربية، فأكبرنا هذا وبلغناه كل التهاني للطالب، ولكل من يشتغلون على بحوث علمية بنفس الطريقة وبقوة. والحقيقة أن اللغة العربية لا تعاني مشكلة أبدا في مجال العلوم، هناك من يقول بفوضى المصطلح، نعم موجود، ولكن كيف يكون المصطلح عاما أو معولما إذا لم يستعمل؟ الاستعمال سوف يفرض مصطلحا واحد. البعض ينتقد العربية بحجة أنها لا تستجيب للتقانة المعاصرة، ولكن هي لا تستعمل، إذ ينطبق عليها البيت الشعري، «ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تغرق». فك عنها الحصار واجعلها تستعمل وسترى. في بعض الجامعات ببعض الولايات، الأستاذ في العلوم الذي يلقي المحاضرة باللغة العربية يمتلئ المدرج بالحضور وعندما يلقى باللغة الفرنسي لا تجد نصف من الطلبة، لأن الطالب لا يحتاج في العربية لوسيط ترجمي، لأنه تعلم بها من الحضانة إلى الأطوار الثلاثة وفي الجامعة يدرس بلغة أخرى فيحتاج إلى ترجمة. أقول إننا نحتاج إلى أساتذة أفذاذ في خدمة اللغة العربية، قد تكون عثرات في البداية ثم تؤسس لنظرية نسقية معرفية، نسمع العربية متخلفة ولها مضايقات تقنية، هذه أشياء واهية نحن علينا أن نبادر وسيلتحق الجميع. * كيف يعلق المجلس على الأداء الرسمي (الحكومي) بالعربية؟ ** هذا يدخل في الألفة العائلية، والحقيقة أقولها بكل صدق هناك ألفة عائلية لدى كل الوزراء الحاليين في استعمال العربية، حتى ولو أن هناك تفاوت، ولكن هناك ألفة لأن المرجعية موجودة في شخص الرئيس وهو صارم في مسألة الهوية اللغوية وهذا شيء جميل جدا فعندما يكون المسؤول الأول، هو المؤسس والمبادر كل الأمور تسير، وينطلق القطار وما علينا إلا أن نركب ونلتحق به. وأبارك لهذا الطاقم الحكومي، كله ممتاز.