الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    قرار الجنائية الدولية سيعزل نتنياهو وغالانت دوليا    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزّ الدين ميهوبي: هُوِية الجزائر ليست في خطر
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 06 - 2014

"الجزائريون لا يستخدمون سوى 0.04 في المائة من معجم العربية"!
* لابد أن ننتقل من الحديث عن التعريب إلى تعميم اللّغة العربية
* الجزائر أكثر اهتماما بلغتها الأصلية من بعض البلدان الإفريقية
* العالم يعيش حالة غليان لغوي
* المونديال أثّر على الاهتمام الشعبي بتعديل الدستور
أكّد عزّ الدين ميهوبي، رئيس المجلس الأعلى للّغة العربية، أن الجزائريين لا يستعملون سوى 0.04 في المائة من معجم اللّغة العربية من أصل 12 مليون كلمة، مشيرا إلى أن اللّغة العربية هي الأكثر ثراء من بين كلّ اللّغات. وعن واقع تعليم لغة الضادّ في الجزائر قال ميهوبي في حوار خاص أجرته معه (أخبار اليوم) إن اللّغة العربية هي أفضل حالا في الجزائر مقارنة ببعض البلدان الإفريقية التي تنازلت عن لغتها الأصلية وأصبحت تعتمد الفرنسية أو اللّغة البرتغالية أو الإنجليزية كلغة أساسية لها، مشيرا إلى أن اللّغة الفرنسية تعدّ أمرا واقعا في حياة الجزائريين، ومع ذلك لا يرى ميهوبي أن هُوِية الجزائر والجزائريين في خطر. وعن اللّغة الأمازيغية قال ميهوبي إنها (لغة وطنية نعتزّ بها)، داعيا إلى ضرورة ترقيتها وتحسينها وتفعيلها من قِبل كلّ الفاعلين في اللسانيات لتطويرها، وشدّد في سياق حديثه على ضرورة تحييد مسألة اللّغة في تعاملاتنا الثقافية والسياسية وعدم جعلها حاجزا في التعامل.
أجرت الحوار: عبلة عيساتي
* أين هي الكتب باللّغة العربية؟
** أوّلا تتوفّر في المكتبات الكتب التي تعلّم باللّغة العربية، والتي لها صلة باللّغة والنّحو، كما أن هناك الكتب المدرسية، لكن لدى الناشرين هناك كتب للمهتمّين والمتخصّصين، وهناك كتب ترقية متخصّصة في اللّغة العربية وهي كتب مرتبطة بالتعليم وللمتخصّصين في اللسانيات واللّغويات وكلّ ما له شأن باللّغة العربية، والانشغال هنا يقع على الناشرين والجهات المعنية بهذا الموضوع. ولكن في معارض الكتاب دائما نجد أن الكتاب متوفّر في الجامعات وفي المكتبات الجامعية والعمومية، حيث يوجد كتب تُعنى بشأن اللّغة العربية.
* لماذا في كلّ مرّة نلاحظ بكاء الكتّاب الجزائريين على أطلال اللّغة العربية التي تعيش وضعا سيّئا للغاية بشهادة الكثيرين؟
** أنا لا أعرف لِمَ يبكي إنسان على لغة هو يكتب بها ويبدع بها وينتج بها وله جمهور ورصيد بهذه اللّغة، فالبكاء لماذا؟ أنا لا أعتقد أن هناك مبرّر كاف، ربما النّاس يتأثّرون قليلا يكون أن هناك حالة انحصار للّغة العربية على المحيط وليس على مستوى الانتشار في مجال الكتابة وفي مجال الثقافة واللّغة العربية والساحة الثقافية، فهناك 90 بالمائة يكتبون باللّغة العربية إن لم يكونوا أكثر، وهناك أيضا كتّاب يخوضون تجربة الكتابة باللّغة الأمازيغية، إلى جانب الكتابة طبعا باللّغة الفرنسية التي لا ننكر أن لها ناشرين وجمهورا، إنما هناك انحصار كما قلنا للّغة العربية لدى الجيل الجديد الذي لا يقبل على اللّغة العربية، سواء في تتبّعه لوسائل الإعلام والصحافة أو لكلّ كتاب باللّغة العربية، وهذا يعني أن الفرنسية لازالت محصورة فقط في جيل معيّن منهم ما فوق الأربعين.
* خلال نقاش الندوة التي شاركتم فيها، والتي نظّمتها الرّابطة الجزائرية للفكر والثقافة تحت عنوان (مستقبل الإبداع في الجزائر) لاحظنا عدم وجود حيّز تواصل كبير بين كتّاب اللّغة العربية وكتّاب اللّغة الفرنسية، بماذا تفسّرون ذلك؟
** صحيح، لكن ليس هناك غياب كامل للتواصل بين الكتّاب، هو موجود لكن بنسب محدودة جدّا، ونحن نسعى دائما إلى أن يكون هناك حوار بين الكتّاب بكلّ اللّغات لمناقشة مسألة اللّغة، لكن لابد أن نناقش مسألة الفعل الثقافي الذي يجب ألا يكون منطلقه اللّغة لكن يجب أن يكون منطلقه الحقيقي الفكرة في حدّ ذاتها. ربما جيراننا في تونس والمغرب خاصّة عندهم وضع ثقافي تاريخي شبيه بالوضع الثقافي الجزائري، لكنهم تجاوزوا مسألة هذا الذي يكتب عربي أو فرنسي، ومن هنا لا يمكننا أن نقول إن هناك صراعا، بل هناك تفاعل أفكار. نحن في الجزائر مازالت مسألة اللّغة يطغى عليها البعد الإيديولوجي، وهناك كذلك حالة نفور واضحة بين الذي يكتب باللّغة العربية وباللّغة الفرنسية، إلاّ القلّة القليلة التي تجاوزت هذا الأمر، سواء للذين يكتبون بالعربية أو بالفرنسية، حيث يشاركون في لقاءات هي مزيج بين المثقّفين بالعربية والفرنسية في ظلّ تمازج اللّغات، لكن نحن نريد أن نضيّق الهامش أكثر.
* وعن جانب الإعلام الثقافي كيف تفسّرون اهتمام الصحف بالجانب الخبري في القسم الثقافي وإهمال الجانب الإبداعي؟
** بعض القائمين على الجرائد يعتقدون أن الجرائد اليومية هي جرائد تهتمّ بالخبر أكثر من أيّ شيء، حيث أن بعضها يركّز على الخبر الثقافي ونقل المعلومة الثقافية لأن هناك نشاطا يوميا، وتكون هناك نشاطات وفعاليات ولقاءات تأتي بأخبار جديدة حول الثقافة وتعطي الأولوية للثقافة. لهذا نرى أن عمق الثقافة هي في البحث عن نقد الإبداع، هكذا يجب أن تكون كما ننظر إليها في صفحتنا إمّا متخصّصة أو مجلاّت أكاديمية، هذا مجالها، هم يريدون أن يركّزوا على الجانب الخبري أكثر، لهذا فإن انعدام وجود مجلاّت متخصّصة في الثقافة والإبداع مقارنة بما كانت عليه في السابق، تقلّصها بنسب كبيرة جدّا ولم تعد تصدر بانتظام، أين أصبح التركيز الآن خاصّة على المجلاّت التي تصدر في الجامعات والمخابر الجامعية المتخصّصة في شؤون الثقافة واللّغة العربية والآدب، ورغم كلّ هذه الإصدارات إلاّ أنها لا تسدّ الفراغ الموجود في إصدارات اللّغة العربية المتخصّصة. مع العلم، أن انتشار هذه المجلاّت هو انتشار محدود انتشار أكاديمي بين الجامعات لكنه لا يجد طريقه إلى السوق. نحن الآن نتحدّث عن الإعلام الثقافي، والإعلام ليس مقصورا على الصحافة المكتوبة فقط، بل حتى القنوات التلفزيونية معنية بالأمر وهي بحاجة إلى تأسيس أكثر لشبكاتها البرامجية لإعلام ثقافي متمّيز، يعني أن تكون هناك حصص خاصّة بالأدب والسينما والمسرح وحتى الفنون التشكيلية حتى يمكننا الذهاب أبعد لتحليل ما وراء الخبر والغوص في أعماق الثقافة.
* تطرّقتم في الندوة التي نظّمتها الرّابطة الجزائرية للفكر والثقافة إلى موضوع (مستقبل الإبداع في الجزائر)، إذن ما هو مستقبل الإبداع في الجزائر؟
** مستقبل الإبداع في الجزائر أوّلا هو جزء من حركة المجتمع، والدولة بقدر تمويلها لهذه الجوانب المرتبطة بحاجيات المواطن والثقافة جزء من هذه الحاجيات لا نختلف عنها، لهذا دائما في المجتمع الجزائري عن التنمية الثقافية والحديث عن الولوج إلى المعرفة والحديث أيضا عن ضرورة القضاء على الفجوة الرقمية، كلّها مرتبطة أساسا بالاهتمام بالثقافة والمعرفة، أما الآن المعرفة أوسع لأنها تشمل عدّة جوانب من بينها (الثقافة، الإعلام والفكر)، وكلّ هذه الأشياء هي مرتبطة بحيوية المستقبل الجزائري. الدولة تمنح الكثير من أجل الانتقال في الثقافة الجزائرية إلى مستوى أرقى والاستجابة لأكثر من حاجيات المجتمع، وهذا يعني استيعاب التحوّلات التي يشهدها العالم. الآن نحن نتعامل بالكتاب الورقي ومضطرّين إلى أن نتهيّأ لأن نتعامل بالكتاب الالكتروني والكتاب المسموع، وصرنا أيضا بحاجة إلى عملية تطوير في المسرح وإلى تكييفه مع التحوّلات الجديدة في العالم، وضرورة إنشاء مسرح حداثي توظّف فيه التقنيات الحديثة، إلى جانب الفنون التشكيلية التي هي الأخرى بحاجة إلى توسيع في فضاءاته لأن يكون أقرب في التفاعل مع التقنيات الجديدة في الرسم وفي غيره.
أوّلا هناك دعم مالي وتشريعي وسند معنوي من الدولة، الدولة لا تنتج الإبداع، لكن الإبداع ينتج من المجتمع (أفرادا)، الدولة تدعّم وتمكّن المجتمع من الوسائل التي تضمن لهذه الثقافة الانتشار، وبالتالي فإنه علينا أن نبرز على مشارف بلدان كثيرة برزت في المجال الثقافي، يعني كيف نجحت بعض البلدان في أن تكون الثقافة لديها ذات بعد تركيزي في المجتمع. فمثلا إيران تنتج أكثر من 400 فيلم في السنة، الهند تنتج أكثر من 2000 فيلم في السنة، علينا أن نُفعّل كلّ الطاقات المبدعة في الجزائر لكي نصل إلى بلد يفرض حضوره الثقافي المتميّز.
* ألا ترى أن ما يحدث على الساحة السياسية غيّب تماما المشهد الثقافي؟
** طبيعي جدّا أن يعيش مجتمعنا هذه التحوّلات، ربما في هذه الفترة نعيش حالة تفاعل مع الخطاب السياسي، يعني الآن الجزائر تعيش إصلاحات سياسية جارية، حيث أنه تمّت الانتخابات، ونعيش في الوقت الرّاهن فترة تعديل الدستور، طبيعي جدّا لأن نهتمّ بهذا الجانب، لأن المجتمع الجزائري أصبحت السياسة تشكّل خبزه اليومي مع مرور الوقت. لكن الثقافة موجودة والمثقّفون لهم كلمتهم في السياسة مثلما لهم حضورهم في إنتاج فعل ثقافي، ربما لم تواكبه حركة إعلامية قوية لهذا فإن الثقافة بقي يشعر بها النّاس وكأنها عجلة خامسة، في حين هي موجودة مع الفارق بين هذا الفيلم وذاك وبين هذه المسرحية وتلك وبين هذا الكتاب وذاك، هذا أمر طبيعي جدّا.
* أين أصالة اللّغة العربية في زخم العولمة؟ وماذا عن كتابة لافتات المحلاّت باللّغة الأجنبية (الفرنسية)؟
** نظرتي الشخصية هي أنه لابد أن لا نضع نظّارات سوادء، وأن لا ننظر إلى الواقع وكأنه سوداوي، ربما هناك ملاحظات نسجّلها بأسف أجل، لكن الهيئات المنتخبة لم تقم بدورها في حماية المحيط فيما يتعلّق باللّغة العربية وفيما يتعلّق بهذه المحلاّت والمؤسسات والمرافق التي تكتب بحروف لاتينية. اللّغة العربية كأيّ لغة أخرى تعيش حالة صعود وهبوط في أدائها داخل أيّ مجتمع، كلّ اللّغات الآن تعرف حالة تحوّل في العالم، الإنجليزية تعرف حالة تحوّل وتعيش مضايقة من الإسبانية في الولايات المتّحدة الأمريكية باعتبار أن الإنجليزية الآن أكثر انتشارا من الأمريكية، ولأن الإنجليزية في بريطانيا هي لغة (شكسبير)، لكن في أمريكا هي لغة (بيل غيتس) بمعنى اللّغة الرقمية الجديدة، اللّغة الفرنسية تتقهقر بصورة يقرّها خبراؤها وسياسيوها الذين أكّدوا أن هناك تراجعا كبيرا للّغة. كما أن هناك أيضا محاولة منح جرعة أوكسجين جديدة للثقافة الفرنسية في العالم، مع أنه الآن يوجد انشار للّغة الصينية بحكم الانتشار الواسع للمنتجات الصينية في العالم وحتى في الجزائر، كما أن الألمانية تحاول أن تنتشر قليلا في أوروبا الشرقية وروسيا تحاول أن تستعيد ما فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الكورية الآن تسعى لأن تبسط معجمها حتى يقبل عليها الأجانب باعتبار أن كوريا الجنوبية خاصّة هي منتج المعرفة والثقافة والتكنولوجيات.
إذن كلّ العالم يعيش حالة غليان لغوي، ونحن جزء منه ولا يوجد بلد واحد في العالم لا يعرف حالة تشظي لغوي أو انفجار لغوي، لكن اللّغة العربية هي لغة كيان مستقلّ لا شأن له بالإنجليزية ولا بالصينية ولا بغيرها من اللّغات الأجنبية. اللّغة العربية لها معجم مختلف نطق مختلف للألفاظ ولها كمّ من الكلمات ولا يمكن لأيّ لغة في العالم أن تصل إليه، حيث لها 12 مليون كلمة، في حين أن اللّغة الفرنسية 100 ألف كلمة والإنجليزية مليون كلمة، إذن هناك فارق في مسألة اللّغة، حيث أننا لا نستعمل من اللّغة العربية إلاّ 0.04 في المائة من معجمها. وبالتالي اللّغة العربية لا تتداخل لا مع الفرنسية ولا مع الإنجليزية ولا مع الإسبانية ولا مع الأردية ولا الفارسية (اللّغة لها كيان)، هي أشبه بعمارة كلّ واحد مستقلّ شقّة خاصّة به نسمّيها عمارة اللّغة. إذن فاللّغة العربية لا تعيش مزاحمة على الصعيد اللساني وإنما على الصعيد المعرفي، المجتمع لا ينتج معرفة لهذا يبقى يتراوح في المكان، لكن البلدان الأخرى تنتج معرفة تتطوّر لغتها لأنها منتجة، تنتج معرفة (مادة) تمنحها اسم، (أنت لا تنتج لا تمنح شيئا للّغة العربية)، إذن نحن نوظّف المصطلح الآخر. لكن نحن في الجزائر بلد عاش 130 سنة استعمار استيطاني كان هدفه القضاء على المقوّمات الشخصية للجزائريين وتدمير الهُوِية (العربية، الإسلام، الأمازيغية) وبكلّ ألسنتها هذا لأنه جاء ليحلّ محلّ ما كان سائدا هنا، لكن الحمد للّه الجزائريون محافظون على لسانهم وعلى هُوِيتهم، لهذا نقول إن اللّغة العربية في الجزائر هي أفضل حالا ممّا هي عليه لغات أخرى. وعن اللاّفتات التي تكتب بلغات أجنبية على واجهة المحلاّت نقول إنه لو نذهب إلى أيّ بلد في العالم نجد محلاّت مكتوبة باللّغة العربية كما هو الحال في بعض الأحياء في فرنسا، وهذا راجع إلى الجالية بفرنسا. أمّا في أمريكا فهناك أحياء كاملة بالصينية، نحن لدينا حالة انبهار فقط، هناك أناس يعتقدون أنهم لو كتبوا على واجهة محلاّتهم بحروف لاتينية فإنهم سيحقّقون منفعة تجارية، وهم مخطئون.
* تتواجدون على رأس المجلس الأعلى للّغة العربية منذ مدّة ليست بالقصيرة، كيف تقيّمون آداء المجلس في الفترة الماضية؟ وماذا قدّمتم للّغة العربية؟
** أتولى رئاسة المجلس الأعلى للّغة العربية منذ عام و3 أشهر، إنها مدّة قصيرة قياسا بمن لديه مشروعا كبيرا، أنا لمّا جئت إلى المجلس كنت من قبل مواظبا على نشاطاته قبل أن أكون على رأسه، وقبل أن يمنحني رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ثقته في شخصي لتولّي هذه المؤسسة الهامّة والحيوية. أكملت المسار الذي قام به الدكتور محمد العربي ولد خليفة، والذي قام بدور جدّ كبير، عمل أعطى معنى للّغة العربية في بعدها الثقافي كعنصر أساسي في الهُوِية الوطنية، فنحن نواصل على نفس المسعى، فربما في مجال النشر والملتقيات والإصدارات نواصل على هذا الجانب، لكن أسعى أيضا لأن تكون لدينا خطوة أخرى فيما نسمّيه بتنمية الحسّ الجواري في خدمة اللّغة العربية. المواطن العادي لابد أن يدافع عن اللّغة العربية، ما الشيء الذي يمنع إذا دخلنا إلى مطعم أن نطلب لائحة المأكولات باللّغة العربية ونرفضها باللّغة الفرنسية مثلا؟ لكن المنطق التجاري هنا يفرض على صاحب المطعم أن يقدّم اللاّئحة باللّغة الأُمّ، أي بالعربية إلى جانب لغات أخرى، والمواطن من حقّه كذلك أن يمثّل اللّغة العربية في المجتمع المدني، وعليه أن ينتبه إلى مثل هذه التصرّفات التي قد تكون جدّ خطيرة على لغتنا وهذا ما نسمّيه أمن القيم، ومنه نتحدّث عن الأمن اللّغوي واللّغة تؤمّن أيضا على غرار الممتلكات الأخرى. وفي العالم هناك جمعيات من المجتمع المدني تهتمّ وتدافع عن لغتها الأُمّ خاصّة وعن المحيط بصفة عامّة، نحن لسنا ضد اللّغات بالعكس نحن مع الجزائريين وكلّ لغات العالم، لكن ليس على حساب اللّغة الرّسمية للجزائر، والتي هي لغة القرآن الكريم والدستور والمجتمع وهي اللّغة التي قاومنا بها وحفظنا بها شخصيتنا وهُوِيتنا، إلى جانب طبعا الأمازيغية كشقيقة للّغة العربية.
* ما تقييمكم لواقع تعليم اللّغة العربية في الجزائر؟
** التعليم هو بحاجة إلى تطوير في المناهج لتحفيز المردود في مجال اللّغة العربية، ويجب أن تولى لغة الضادّ في المصطلحات العلمية والتقنية أهمّية كبرى، ولا يمكن أن نعلّم بغيرها، بمعنى أن اللّغة التي نتعلّمها هي التي نعلّم بها. الرياضيات الكيمياء والتاريخ كلّ هذه المواد تعتبر اللّغة العربية هي الأساس فيها.
* يرى البعض أن مشروع التعريب يحتضر في بلادنا، هل هذا صحيح في تقديركم؟
** لا يمكننا بعد نصف قرن من الاستقلال أن نتحدّث عن مشروع التعريب في الجزائر، لابد أن نتحدّث عن تعميم اللّغة العربية التي هي غير موجودة في بعض القطاعات وبعض المؤسسات، نحن نقوم بعملية مسح من خلال ما نقوم به كدور للمجلس الأعلى للّغة العربية في هذا المجال. ولابد من الاقتراب أكثر من المؤسسات التي تعيش الاختلالات ومعرفة ما هي الأسباب التي جعلتها في هذا الأمر، وهذا الشيء الذي جعلنا نتواصل مع عدد من القطاعات للتنسيق معها في مجال تقليص استعمال اللّغات الأجنبية في هذه المؤسسات وتوسيع مساحة استعمال العربية بها ولو كانت تقنية.
* ما هي معوقات التعريب وتعليم لغة الضادّ في الجزائر؟
** الآن ظهرت تقنيات جديدة في العالم من خلال عملية تلقين اللّغات، حيث يمكن للمرء أن يتقن لغة في 4 أو 8 أسابيع أقصاها 10 أسابيع، وذلك حسب تعقيدات هذه اللّغة، وهناك بعض اللّغات المتشابهة كالإنجليزية والإسبانية والإيطالية مثلا يمكن تلقينها في 8 أسابيع، ويمكن أن تصبح لغة تواصل، أمّا بعض اللّغات التي ليست من جنس هذه اللّغات لا من هذا ولا من ذاك في نطقها ومعجمها فتتطلّب ضعف هذا الوقت، وهنا الخبراء يقولون إنه في 6 أشهر كأقصى تقدير يمكن أن تتعلّم لغة وتتحدّث وتتواصل بها، مسألة اللّغة أصبحت مسألة تقنية ميكانيكية يمكن إتقانها دون أن نجهد عقولنا. أمّا عن الجانب الإيديولوجي كما هو الحال فقد أتعبونا وأتعبوا أنفسهم، حيث أن من يكتب باللّغة العربية يقصي من يكتب بالفرنسية ومن يكتب باللّغة الفرنسية يقصي من يكتب بالعربية، وهكذا وكأن بينهم شحناء ليس لها أيّ معنى وليس لها أيّ مبرّر، بل على العكس هي جدّ مخجلة. لابد أن يسود الاحترام بين كلّ النّاس على اختلاف ميولها ودون أن يمارس الوصاية هذا على ذاك أو العكس، وبذلك إقصاء وإلغاء الآخر. إذن المناهج الجديدة في تعليم اللّغة العربية يجب أن تدرّس على المستوى التعليمي وعلى مستوى المهارات التقنية بالنّسبة للمختصّين في مجال الطبّ، ما الشيء الذي يمنع الأطبّاء من إجراء تكوين في مصطلحات تخصّصهم باللّغة العربية؟ يجب ألا يحصر الطبيب نفسه في لغة واحدة فقط يفترض عليه أو على أيّ باحث أو مهتمّ بمجال معيّن أن يكون عارفا بالعديد من اللّغات، خاصّة لغة الاختصاص، ولاحظت أن هناك الكثير ممّن يبذلون جهودا في معرفة لغات تخصّصاتهم كبعض الأطبّاء الذين اجتهدوا في البحث عن لغتهم لشرح الألفاظ التقنية في الطبّ وشرحها لمرضاهم، خاصّة أصحاب الريف والبدو الرُحّل. لذا لابد لذوي الاختصاص أن يتقنوا على الأقل لغة المجتمع، حيث أن هناك مثقّفين لا يستطيعون أن يستوعبوا بعض الألفاظ العلمية.
* حتى تعليم اللّغات الأجنبية يواجه إشكالات معقّدة في الجزائر، هل تحظى الفرنسية بالأولوية في التعليم أم تفضيلها مجرّد أمر واقع إداريا لا أكثر؟ وكيف ترى واقع تعليم بقية اللّغات؟
** هذا صحيح، تعليم اللّغات الأجنبية يلاقي تعقيدات في الجزائر، وأريد أن أقول إن اللّغة الفرنسية هي واقع في حياتنا، ونحن أفضل حال من بعض البلدان الإفريقية التي تنازلت عن لغتها الأصلية وأصبحت تعتمد الفرنسية أو اللّغة البرتغالية أو الإنجليزية كلغة أساسية لها. نحن استعدنا لغتنا الأساسية، أمّا الفرنسية فهي لغة ثانية في الدراسة والإعلام وفي بعض المناحي موجودة، وهذا إرث تاريخي موجود في الأساس ولا يمكن نكرانه والقفز على هذا الواقع، ولكن وجود اللّغة الفرنسية في المجتمع الجزائري هو تمكين للّغة العربية من أن تكون موجودة في كلّ مكان، اللّغة العربية هي رأس المال، أمّا اللّغات الأخرى فهي فائدة. طبعا، لا يمكن أن نرهن الأمازيغية ضمن اللّغات الأجنبية لأنها لغة رسمية، لكن نتكلّم عن اللّغة العربية باعتبارها اللّغة المنتشرة في مجالات التعليم والإبداع وغيرها في الجزائر، أمّا الفرنسية فهي منتشرة في نطاقات ضيّقة تماما، لابد للجزائري أن يرفض وثائق واستمارات باللغّة الفرنسية تقدّم له في الإدارات ويطالب بوثائق باللّغة العربية للمساهمة في تعزيز مكانة لغة الضادّ في مؤسساتنا، والدستور إلى جانب المواطن في هذا كونه يحمل في طيّاته أن العربية هي ثابت من ثوابته الثلاث. وواقع تعليم بقية اللّغات في الجزائر يفترض أن يعتمد على عملية ترقية لتحصيل آداء تعليم اللّغات الأخرى، فنحن نعيش في مجتمع متفتّح على العالم، وبالتالي نحن مضطرّون إلى أن يدرس أبناؤنا لغات أجنبية إلى جانب تمّكنهم من لغتهم الأصلية، خاصّة اللّغة الأكثر استعمالا في العالم، إذا قلنا الإنجليزية فهي لغة التواصل في العالم ولأنها لغة التقنية ولغة الديبلوماسية ولأنها لغة البحث في الكثير من المجالات، وعندما نقول أيضا الصينية كنا نقول (اطلب العلم ولو في الصين). الصين اليوم في بيوتنا بين أيدينا ولا نحتاج إلى أن نذهب إليها، هناك مدارس تفتح الآن في الجزائر لتدريس الصينية والتركية وغيرها من اللّغات بدواعي اقتصادية وتجارية بحتة.
* ماذا عن الأمازيغية؟
** الأمازيغية هي لغة وطنية نعتزّ بها وندعو إلى ضرورة ترقيتها وتحسينها، وأن يكون هناك تعاون بين كلّ الفاعلين في اللّسانيات لتطويرها وليس ليبقى عليها كلغة يدخلها الكثير من اللّغات التي ليست منها.
* هل ما زال الصراع الفكري بين الفرنكوفونيين والفرنكفيليين من جهة والمعربين والقوميين من جهة ثانية قائما في الجزائر؟ كيف ترى مستقبله وما أبرز تجلّياته في رأيك؟
** هو موجود بنسب مختلفة، لكن بدأ الجيل الحالي يتخلّص منه، إنما يجب أن نفرغ مسألة اللّغة في تعاملاتنا الثقافية والسياسية ولا نجعلها حاجزا في التعامل بيننا، ولابد أن نعمل حتى نقرّب ونقضي على هذه الهوة التي تسعى بعض الذهنيات المنتهية الصلاحية التي بقيت تدور في المجتمع لتعزيزها. أنا لا أفهم كيف ما زالت مثل هذه الأفكار تتداول بين الشعب الجزائري وتطوّرت بشكل خرافي، المجتمعات الأخرى سبقتنا بسنوات ضوئية ونحن ما زلنا هذا كذا وهذا كذا، لماذا مثل هذه التصنيفات التي لا نرى منها جدوى، بينما الشعوب الأخرى تجاوزتها تماما؟ أمّا عن تجلّياتها فسيسقطها الجيل القادم والجيل القادم سيتجاوز مثل هذه الأشياء، الشباب يتواصلون بتقنيات متطوّرة جدّا ومن يستخدم هذه التصنيفات هم إلى الزوال.
* ماذا بقي من هُوِية الجزائر في ظلّ اكتساح التغريب والتغريبيين لشتى مناحي الحياة ومختلف القطاعات في البلاد؟
** الهُوِية الجزائرية ما زالت موجودة ولم ينقص منها شيء، المظاهر أحيانا ربما يصنعها النّاس ضمن صفّ مجال الحرّيات ومجال الحداثة، لكن هذا لا يؤثّر على الجزائر، والجزائر ما زالت بمواصفاتها المعروفة وليس هناك ما يؤثّر فيها لا مسألة تغريب ولا تشريق.
* يشغل موضوع مراجعة الدستور الساحتين السياسية والإعلامية هذه الأيّام وسط لا مبالاة شعبية، ما رأيك في ما حملته مسودة الدستور؟ وما تفسيرك للبرود الشعبي في التعاطي مع المسائل السياسية؟
** مسودة الدستور هي أرضية وضعت لإثرائها وكثير من الأحزاب ومن الشخصيات السياسية قدّمت مقترحات أثرت بها هذه الوثيقة بأفكار تعزّز أكثر مفاهيم حقوق الإنسان والحرّيات والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وأشياء كثيرة، من دون شكّ أن هذا الدستور هو عاكس لتطلّعات الجزائريين والجزائريات والسير نحو الدولة الجزائرية شأن الدولة العصرية الجديدة -إن شاء اللّه-. والشعب الجزائري يتابع وليس عنده برود شعبي، ولكن ربما تزامن تعديل الدستور والمونديال لهذا التفتوا إلى المونديال وتناسوا الشأن السياسي.
* كلمتكم الأخيرة لقرّاء (أخبار اليوم)...
** أتمنّى لقرّاء (أخبار اليوم) رمضانا مباركا، وأدعو إلى المحافظة على ما تحقّق في الجزائر، ومن الضروري أن ننظر إلى المستقبل ورهاننا على ما سيأتي والحفاظ على ما تحقّق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.