كالعادة تواصل إسرائيل سياستها العدوانية على الفلسطينيين الضعفاء القابعين تحت وطأة حصار جائر مفروض على قطاع غزة، مرت عليه يوم الخميس الماضي خمس سنوات بالكامل لم يحرك الغرب ساكنا تجاهه، رغم تداعياته السلبية، التي زادت من جحيم العيش الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ أكثر من ستة عقود، بموافقة المجتمع الدولي، الذي أنشأ إسرائيل وباركها، وجعلها تستمد قواتها الغاصبة خارج كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، التي أنشأت دولة الكيان الصهيوني مستغلة في ذلك الضعف العربي طيلة الفترة الماضية والراهنة بتدعيم قواتها والسعي لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»..! وهكذا سجل خلال ال24 ساعة قبل الماضية سقوط ستة شهداء فلسطينيين، بعد غارة أمس التي سقط فيها شهيدان، نقلت جثتاهما إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، ووجدت الطواقم الطبية صعوبة في التعرف على هويتهما، وذلك لأنهما استهدفا بشكل مباشر من قبل الطائرات الإسرائيلية، بحيث حولتهما إلى أشلاء متفحمة، بالإضافة إلى عدد من المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، كما سجل مقتل عامل إسرائيلي بعد إشتباكات مع مجموعة مسلحة قال جيش الاحتلال بأنها تسللت من صحراء سيناء، في حين قام مستوطنون متطرفون بحرق مسجد بقرية جبع شمال شرقي القدس. وإذا كانت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد تبنت إطلاق أربعة صواريخ من عيار »107 ملم« فجر أمس على قاعدة «زيكيم» العسكرية بجنوب إسرائيل المحاذية لشمال قطاع غزة، حيث قالت الكتائب في بيانها: «إن ذلك يأتي في إطار الرد على جرائم الاحتلال الصهيوني المتكررة والتي كان آخر فصولها القصف الجوي على قطاعنا الحبيب»، مضيفا في هذا السياق: «تؤكد جاهزية مجاهدينا للرد على العدوان الصهيوني والتصدي لأي حماقة يقدم عليها الاحتلال الغاصب بكل ما بحوزتنا من وسائل بإذن اللّه تعالى». وبالمقابل، واصلت إسرائيل تصعيدها من خلال إفتعالها لأحداث مختلفة، وذلك عبر التحليق المكثف لطائراتها العسكرية على إرتفاع منخفض، فتقتل مثلما جرت العادة ما تشاء من الفلسطينيين بدم بارد بقذائف مخصصة أصلا لتدمير الأهداف العسكرية. ويندرج ذلك ضمن مخططات أصبحت معروفة بهدف رفع مستوى التوتر لتحقيق أهداف محددة لدى إسرائيل. وهي في كل مرة بعدما تقتل ما تقتل من دون الرد بالمثل من قبل الفلسطينيين إلى وضع إتفاق للتهدئة ولكن، سرعان ما تخرقه، ويبقى المجتمع الدولي في حالة تواطؤ كامل مع إسرائيل، إذ غالبا ما يعبر عن قلقه العميق من تدهور الوضع، ومطالبة جميع الأطراف إلى إلتزام أعلى درجات ضبط النفس لتفادي التصعيد. وهو ما عبرت عنه فرنسا في هذه المرة، حيث قالت وزارة خارجيتها في بيان أدانت فيه بشدة إطلاق صواريخ على إسرائيل، واصفة الأمر «بالهجوم الإرهابي». وقالت في ختامه: «أن هذا يجب أن يكون وقتا للتهدئة، وأن الأولوية الآن لاستئناف الحوار». ومن دون شك، فإن بقاء إسرائيل من دون عقاب لجرائمها التي تفتعل لها الأحداث، بحيث جاءت الغارات الإسرائيلية الأخيرة بعد إتهامها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صباح أول أمس بالوقوف خلف إطلاق صاروخين من نوع «غراد»، من سيناء المصرية على جنوب إسرائيل، بناء على طلب من جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. مما يكشف وجه آخر لمخطط رفع مستوى التوتر بالمنطقة، بتحذير مباشر للرئيس المصري المنتخب في جولة الإعادة. وضمن هذا السياق، نسوق قول وزير الدفاع الإسرائيلي «إيهود باراك»: «يمكننا أن نرى تدهورا مثيرا للقلق في سيطرة مصر على الأمن في سيناء»، مؤكدا للصحفيين بالقول: «ننتظر نتائج الانتخابات، وأيا كان الفائز، فإننا نتوقع منه أن يضطلع بالمسؤولية عن كل التزامات مصر الدولية»، وهو في ذلك يشير إلى معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل. وعليه، تبقى إسرائيل هي المسؤولة الأولى عن التصعيد العسكري الجديد على قطاع غزة في هذا الظرف الدقيق الذي قد يؤثر على المنطقة برمتها، وهي بذلك تحاول أن تتخطى مطالبة 50 منظمة دولية وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) يوم الخميس الماضي، برفع شامل وكلي للحصار الإسرائيلي على غزة بمناسبة مرور خمسة أعوام على حصار القطاع، حيث أكدت هذه المنظمات بأن الأوضاع في غزة تحتاج إلى تدخل عاجل، والضغط على إسرائيل لرفع الحصار، وتفادي الآثار الكارثية على كافة مستويات الحياة بها. وبهذا الصدد أكد المفوض العام ل «أونروا» «فيليبو جراندى» أن حصار غزة من نتائج إستمرار الاحتلال الإسرائيلي، مطالبا بالتدخل لرفع الحصار الناتج عن فشل سياسي كبير جعل أكثر من 6ر1 مليون فلسطيني بينهم أكثر من مليون لاجئ في أوضاع مزرية. ولهذا فإن المشكل الحقيقي الذي يجب إيجاد حل سريع له اليوم هو رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، الذين عليهم أن يتمتعوا اليوم بحياة كريمة أسوة بغيرهم من سكان المعمورة، وليس بافتعال إسرائيل الأحداث لتنفيذ أحكام الإعدام في الأبرياء بدون محاكمة في قطاع غزة.