يعدّ الانتقال الرقمي في الجزائر أكبر رهانات الإقلاع الاقتصادي الذي لن تدور عجلة النمو بمختلف القطاعات دونه، تشكل الرقمنة إذا إشكالا حقيقيا، لأنها الآلية الناجعة للقضاء على البيروقراطية والتهرّب الضريبي وتحقيق الشفافية في مختلف التعاملات، حيث أكد الخبير الاقتصادي بلال عوالي، أن الرقمنة سبب مباشر في خلق مناخ أعمال مستقطب وقاطب يسمح باسترجاع المليارات المهرّبة. قال الخبير الاقتصادي بلال عوالي، في اتصال مع «الشعب ويكاند» ان الحديث عن رؤية جديدة للإقلاع الاقتصادي في الجزائر، يفرض خيار رقمنة القطاع المالي، فوزارة المالية التي تضم مختلف المديريات التي تعتبر محورية وفاعلة في القطاع الاقتصادي، هي مديرية الخزينة العمومية، مديرية الضرائب ومديرية الجمارك، المديرية العامة للخزينة العامة ومديرية أملاك الدولة، تعاني للأسف الشديد على أرض الواقع من غياب التناسق بينها بسبب عملها بصفة منفردة. أوضح الخبير الاقتصادي أن غياب الرقمنة جعل المستثمرين يصطدمون بالبيروقراطية التي اعتبرها قاتلة لأي نمو أو حركية اقتصادية، مؤكدا على سبيل المثال أن العقار الصناعي الذي دعا رئيس الجمهورية بشأنه الى رقمنة أملاك الدولة في القريب العاجل بغية خلق سرعة في التعامل مع مختلف الملفات العالقة وسرعة في إحصاء مختلف العقارات الصناعية التي يمكن من خلالها انشاء استثمارات حقيقية. 4 آلاف شِكاية متعلقة بالعقّار الصناعي في 2020 في السياق نفسه، أشار عوالي الى ان رقمنة قطاع أملاك الدولة خطوة ضرورية لإرساء تعاملات إلكترونية مع مختلف المصالح الأخرى، فمثلا غياب الرقمنة والتعامل الالكتروني فيما بين هذه المديريات خلق نوعا من الصدام في الواقع، خاصة إذا علمنا أن المديرية العامة للضرائب عرفت 4 آلاف شكاية بالنسبة للتحصيل الجبائي الخاص بالعقارات الصناعية في سنة 2020، الأمر الذي غذى الارتياب وعدم الشفافية. فبعض العقارات عند شرائها أو بيعها يتم تخليص إتاوات أو رسوم للضرائب، وفي كثير من الأحيان يصطدمون بإشكال كبير يتمثل في إثبات الملكية، وبعد التوّجه الى مديرية أملاك الدولة يتوّجه المعني الى مديرية الضرائب، بسبب غياب التنسيق الالكتروني والتفاعلي بين مختلف المديريات، وأكد المتحدث أن الرقمنة ستكون سببا مباشرا في تحرير المبادرة وخلق شفافية في مختلف التعاملات الادارية، وستسمح هذه الإجراءات أيضا باستقطاب الأموال المهدورة أوالتي لا يرغب أصحابها في دفع مستحقات الدولة. قال المتحدث إن رقمنة قطاع أملاك الدولة ستسمح بإعادة إحصاء وتثمين مختلف ممتلكات الدولة التي لا يملك أصحابها وثائق، لابد من وجود حلقة إلكترونية ما بين مختلف القطاعات كقطاع الضرائب، قطاع أملاك الدولة وقطاع العدالة، بسبب ما تعرفه المحكمة العقارية من إشكالات يعلمها الكثيرون، وخير دليل على ذلك المشكل الكبير على مستوى «عدل» بسبب الوعاء العقاري، حيث تم منح دفاتر عقارية لعقارات هي في حد ذاتها ملك للدولة، معتبرا ان الجزائر اليوم تتحمل تبعات الضبابية السابقة، لذلك أي استثمار صناعي يرغب صاحبه في إطلاقه يجد صعوبة في اثبات ملكية العقار الصناعي، لذلك تعد الرقمنة العامل الأساسي والوحيد لتجاوز هذه العراقيل والمشاكل. الرقمنة لتحصيل المليارات المهرّبة اعتبر المتحدث الرقمنة الحل لتحصيل الضرائب لأنها تُرسي قواعد الشفافية ما سيسمح بالقضاء على التهرّب الجبائي، فلوكان هناك اقتطاع من المنبع مثل الاقتطاع على ضريبة الدخل لتم الأمر بكل سهولة، لكن القطاع الاقتصادي يعرف إشكالا كبيرا في تهرب المتعاملين من دفع الضرائب. كشف الخبير الاقتصادي أن غياب إحصاء للوعاء الضريبي الصحيح، لوجود عدم رغبة في دفع الضرائب بسبب بيروقراطية قاتلة على مستوى هذه الضرائب، مؤكدا في هذا الصدد ضرورة اعتماد الرقمنة ولتسهيل العملية والقضاء على المشكل بصفة نهائية، بغية تحقيق انسيابية في الإجراءات الإدارية، وحتى يصبح ممكنا في المستقبل ان يقوم الشخص بالدفع دون التوجه الى مصلحة الضرائب بصفة مباشرة، حيث يتم التحصيل الجبائي من حسابه البنكي، وذلك بالتعاون مع وزارة البريد أوالبنك المركزي من خلال التعاملات إلكترونية شفافة وبعيدة عن أي تلاعبات إدارية. أكد عوالي أيضا أن رقمنة هذه القطاعات سيسمح بتحصيل المليارات المهرّبة باعتماد الشفافية في التعامل مع المستثمرين، وكذا التصريح الاجباري لرقم الاعمال أو الأرباح، والثروة والممتلكات، ما سيخلق انسيابية في التعامل، لذلك كان لا بد من أن تكون لمصلحة الضرائب علاقة إلكترونية آلية مع مختلف الوزارات الفاعلة الأخرى كوزارة الصناعة، وزارة الفلاحة وكل وزارة لها علاقة مباشرة في تسيير وتسهيل هذه التعاملات. تضخيم الفواتير.. المشكل الأبرز قال عوالي إن رقمنة قطاع الجمارك سيكون سببا في القضاء على مشكل تضخيم الفواتير وهو ما يسعى إليه رئيس الجمهورية من خلال تأكيده على ضرورة هذه الخطوة، حيث كانت له تجربة خاصة عندما ترأس وزارة التجارة بالنيابة في السنوات السابقة، حيث اكتشف وجود إشكال كبير متعلق بتضخيم الفواتير، لذلك ستقضي الرقمنة عليه وستحمي أموال الدولة وستنعش الخزينة العمومية من خلال استرجاع هذه الأموال. أعطى المتحدّث مثالا على ذلك حيث ستضفي الرقمية شفافية وواقعية على التعاملات المتعلقة بتصريح المصنع أو المستورد عن طبيعة السلع المستوردة، وكذا المبلغ الذي سيتم بيعها به داخل الجزائر، معتبرا انعدام هذه المعلومات خاصة في الجهة الخارجية السبب المباشر في تضخيم الفواتير ما يكبد الخزينة العمومية واحتياطي الصرف مبالغ باهظة، فالجزائر، اليوم، توّفر 8 مليارات دولار بسبب منعها تضخيم الفواتير وضبط الواردات. في هذا الصدد، قال بلال عوالي، إن الرقمنة ضرورية لغرس الثقة في المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، وخطوة مهمة لتحويل مناخ الاستثمار في الجزائر الى مناخ مستقطب وقاطب، وغير منفّر، بعيد كل البعد عن البيروقراطية والتلاعبات الإدارية، مؤكدا على ضرورة توفير الأرضية للاتجاه الى الرقمنة من خلال تكوين العمال المتواجدين في مختلف المديريات وسن قوانين اجبارية رقمنة قطاع المالية عبر مراحل، بالإضافة الى ضرورة وجود رقابة وصرامة في التنفيذ، من أجل إطلاق فعّال وناجع للرقمنة للخروج من التنظير الى التنفيذ، وتحقيق الاقلاع الاقتصادي برقمنة قطاع المالية بمختلف مديرياته التي تحت وصايته.