عين على توفير اللقاح وأخرى على محاربة الإشاعات طريق العودة إلى الحياة الطبيعية بدأت بلغت الجزائر مع انطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا المرحلة الثالثة من الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها، منذ أواخر شهر فيفري الفارط، فبعد الغلق ثم التعايش مع المرض، وجاء التلقيح ليضع النقطة الفاصلة للعودة إلى الحياة الطبيعية، بعيدا عن الخوف من العدوى، حتى يصبح بإمكان الدولة الانتقال إلى ما بعد كورونا من أجل تجاوز تداعياتها الاجتماعية، الاقتصادية والصّحية. رصدت «الشعب» آراء المواطنين حول مدى تقبلهم للقاح فيروس كورونا، الذي تمكنت الجزائر من اقتنائه وإطلاق حملة تلقيح تزامنت ونهاية شهر جانفي، أبدى الكثير منهم تخوّفهم وترددهم، لكنهم اتفقوا في كونه الحل للمرور إلى حياة طبيعية بكل تفاصيلها الدقيقة. انتظار وترّقب.. لتبديد الشكوك والتردّد كانت سكينة جمّالي، موظفة في عقدها الرابع، واحدة ممن سألتهم «الشعب» حول إمكانية قبولهم أخذ اللقاح فأجابت: «في الحقيقة لن أكون من بين الأوائل، لكن ربما سأكون ممن يضطرون إلى أخذه في الأيام أو الأشهر القادمة خاصة وأن الحملة مستمرة لغاية 2022، ما يعني أن الكثير منا سيتحقق من الآثار التي تظهر على أولئك الذين يتلقون اللقاح هذه الأيام، فإن لم تكن له آثار خطيرة لا مانع من أخذه، على الأقل لتجنب كل ما نسمعه عن الآثار العضوية الدائمة التي تخلفها الإصابة بفيروس كورونا.» واستطردت سكينة قائلة: «اللقاح بالنسبة لي مجهول لذلك لا يمكن المغامرة بأخذه، فحتى وإن كانت محتوياته واضحة ومصنوع وفق الطريقة الكلاسيكية لإنتاج التطعيم، إلا أن الشك يبقى قائما حول فعاليته، فلا يمكن لأي من الأطباء أو المختبرات تأييدها بنسبة 100بالمائة، ولا يمكن أيضا نفي آثاره الجانبية أو تأكيد عدم خطورته، لأن عامل الزمن يقوم بدور كبير في الإبقاء على الحذر والتردد اتجاهه، فمدة صنعه لم تتعد سنة، شملت كل المراحل التي تسبق تسويقه، من الأبحاث العلمية والمخبرية إلى التجارب السريرية إلى إعلان نتائجه المخبرية، إلى اعتماده كلقاح من طرف منظمة الصحة العالمية، بالرغم من أن الأطباء في بداية انتشار الوباء في السنة الماضية، أكدوا عدم توفر اللقاح قبل سنتين لذلك لن يكون اختزال سنة كاملة من مراحل إنتاجه سهلا على المواطن في أي مكان كان فالعزوف أو التخوف ليست ظاهرة جزائرية، بل هي عالمية مسّت حتى الدول الأكثر تطورا.» ويتفق رئيس مصلحة بأحد البنوك الخاصة، محمد شايجي مع جمّالي، في تخوفه من أخذ اللقاح مع انطلاق حملة التطعيم، حيث قال ل «الشعب»: «لن يكون قبول أخذ اللقاح بالأمر السهل بالنسبة لي، فأنا ممن يشعرون بالخوف من الآثار الجانبية حتى وإن أكد الأطباء والمختصين عكس ذلك، فتلك الصور التي تتناقلها مختلف وسائل الاعلام لحالات الاغماء بعد تلقي الأشخاص الجرعة الأولى من اللقاح تضعه موضع شك. فلا يمكن استطرد الوثوق في لقاح تسارعت المخابر لإنتاجه فقط للاستيلاء على السوق العالمية، بمعنى أنه تحول إلى مجرد صفقة تجارية الرابح فيها من سيطر على أكبر طلبية، فلا يمكن أن يثق أي شخص كان في منتج الغاية منه تجارية وليست إنسانية بالرغم من التحفظات التي يبديها البعض على المواد المصنوع منها.» وحول بيان وزارة الشؤون الدينية والاوقاف القاضي بجواز التلقيح وأنه حلال، قال محمد: «ساهمت هذه الخطوة التي قامت بها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في وضع النقاط على الحروف خاصة بعد انتشار أكثر من إشاعة تشكك في المواد المركبة لهذا اللقاح، لذلك جاء البيان لوضع حد لها والفصل في جوازها من عدمه، لكن مع ذلك يبقى المواطن في حيرة، هل يقبل الذهاب إلى أخذ جرعة التلقيح أم لا، فهذه الخطوة مرتبطة بأكثر من بيان تصدره وزارة الأوقاف، فبالرغم من التطمينات والارتياح الذي سجلته لدى الكثير من أصدقائي بعد صدوره، إلا أنهم لن يكونوا يقينا الأوائل في قائمة الملقحين». نجاح الحملة مرهون بمواجهة الإشاعات والخرافات ربط سمير بن فضة (موظف) نجاح حملة التلقيح في الجزائر بعدة عوامل كان التصدي للكم الهائل من الإشاعات في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي أبرزها وأهمها، حيث أكد في حديثه إلى «الشعب» قائلا: «لا يمكن تفادي الأثر الذي يسببه الكم الهائل من الإشاعات المنتشرة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فبين جينات حيوانية وشفرة إلكترونية للجيل الخامس، واستعباد الجنس البشري، لا يمكن للمتلقي تجاوز هذا الطرح لأن الجميع مقتنع بأن لا دخان بلا نار وأن الاشاعة فيها دائما جزء من الحقيقة، لذلك كان لا بد من التركيز على محاربة الإشاعة وما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات خاطئة قد يكون أثرها مدمرا على الأمد الطويل.» واستطرد سمير قائلا: «على الجهات الوصية التعامل بصرامة مع هذه الجزئية، لأنها مهمة ليتقبل المواطنون اللقاح، وكلنا يتذكر ما صنعته الإشاعة فيهم في بداية انتشار فيروس كورونا في الجزائر، حتى وصل الأمر ببعض المواقع إلى نشر معلومات خاطئة كادت تقسم المجتمع، لذلك كان من الضروري بما كان الوقوف في وجه كل من تسوّل له نفسه نشر إشاعات كاذبة الغرض منها خلق بلبلة في ظرف حرج كالأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر، فمن الأجدر مواجهة هذه الأكاذيب بحصص توعوية تحسيسية تعطي المواطن كل المعلومات المتعلقة باللقاح بكل وضوح وبساطة، مع حرص وسائل الاعلام على التعامل مع مختصين لنقل المعلومة الصحيحة والسليمة للمواطن، طبعا دون تجاهل ما ينشر في الوسائط الاجتماعية حتى تكون المعلومات المقدمة موجهة ودقيقة.» «آن الأوان أن نرتاح قليلا» سألت «الشعب» إسماعيل - ل (تاجر) عن رأيه في اللقاح فأجاب قائلا: «الأكيد أنني سأكون من الأشخاص الذي يأخذون اللقاح لأنني أعاني من مرض السكري، لكن لن أكون من الأوائل لأنني لست من الفئات ذات الأولوية أي الأطقم الطبية، المسنين وأسلاك الأمن والحماية المدنية وعمال النظافة، لكن المصابون بأمراض مزمنة يفرض عليهم اللقاح كحل لتفادي الأسوأ في حالة إصابتي بفيروس كورونا، فلا يمكن تناسي كل تلك الآثار الخطيرة التي يتسبب فيها كوفيد- 19 لكل شخص مصاب بمرض مزمن كالسكري. لكن لا يعني ذلك تقبل اللقاح بصفة طبيعية لأن الأمر متعلق بأزمة عالمية ولقاح لم تحترم المدة الزمنية للتأكد من فعاليته، يعني انه لقاح جاء في ظروف استثنائية أثرت على نظرة المواطن لفعاليته ونجاعته، لكن الأكيد أن الجزائر اختارت الأفضل لمواطنيها من أجل تجاوز الأزمة الصّحية التي أثرت تداعياتها على مختلف مجالات الحياة.» في سياق حديثه إلى «الشعب» كشف إسماعيل قائلا: «منذ سنوات طويلة أعمل تاجرا في مستلزمات الأعراس وحفلات الختان والولائم، لكن وعلى مدى الخمسة عشر سنة لم أشهد سنة ركدت فيها التجارة والأسواق كالتي عشتها في 2020، فالتجارة توقفت تماما ما أثر على تجارتي وحياتي، فحتى العمال أوقفتهم بسبب عجزي عن تسديد رواتبهم، في الحقيقة لولا بعض المدخرات وعمل زوجتي لأعلنت إفلاسي لا محالة، لذلك اللقاح بالنسبة لي أكثر من مجرد مادة طبية هو بالنسبة لي الحل للخروج من أزمة اقتصادية، اجتماعية وصحية.» تعمل ممرضة في عيادة متعددة الخدمات بالقبة، نبيلة كشيد، ترى في اللقاح الحل للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد ما يقارب السنة من حالة الاستنفار على مستوى جميع المؤسسات الاستشفائية والعلاجية، حيث قالت في هذا الصدد ل»الشعب»: «بالرغم من كل ما يقال وينتشر عن اللقاح، إلا أنه الحل الوحيد الذي نملكه بين أيدينا لتجاوز مرحلة الغلق والخوف والعودة إلى حياة طبيعية، بل خوف من عدوى فيروس خفي أطاح بأقوى المنظومات الصحية.» هنا تساءلت نبيلة: «ألم يحن وقت الرجوع إلى حياة نعيش فيها علاقاتنا الاجتماعية بصفة طبيعية، ألم يحن الوقت ليعود الأطباء وكل العاملين في قطاع الصحة إلى عائلاتهم التي عاشت الخوف من فقد أحبائها في كل لحظة، ألم يحن الأوان لنُعلنها مدوية يجب الانطلاق في صناعة الغد، بدل البقاء في حالة انتظار غير معلنة، ولعل ما فعلته صديقتي يعبر عن هذه الحالة بشكل عميق حيث احتفلت بعيد ميلادها دون وضع رقم على قالب الحلوى، لأنها وبكل بساطة اعتبرت سنة 2020 محذوفة من سنوات عمرها.» التخوّف عالمي والثقة أكبر التحدّيات أبانت التقارير العالمية حالة من التخوف تسود جميع الدول المعنية بحملة التلقيح ضد كوفيد-19، حيث سجلت معظمها اقبالا ضعيف على مراكز التطعيم حتى اصطلح على تسمية ما يعيشونه ب»فوبيا» أو رُهاب الخوف من أخذ اللقاح، بسبب خوف الكثير منهم من تحولهم إلى فأر تجارب ولعل الجميع يذكر الطبيبان الفرنسيان اللذان تحدثا عن تجريب اللقاح في قارة إفريقيا، لذلك لاحظت «الشعب» أن معظم من تحدثت إليهم يقبلون أخذ اللقاح، لكن بعد مدة أو مع اقتراب انتهاء حملة التطعيم، ما يفسر برغبتهم بإعطاء أنفسهم مهلة لانتظار ما سيخلفه تلقيح الأشخاص من آثار جانبية عليهم. وبالرغم من ان الأطباء والمختصين يعتبرون الآثار الجانبية البسيطة طبيعية لأي لقاح وليس مرتبط فقط باللقاح الخاص بكوفيد -19، مثل الطفح الجلدي أو احمرار مكان غرز الابرة، يبقى المواطن وعلى غرار باقي نظرائه في العالم متخوفا ومترددا، طبعا مع رفض القليل منهم رفضا قطعيا، لكن الأكيد ان حملات التحسيس والتوعية ستساهم في تقليص عددهم، لمساهمتها في مواجهة ما تنشره مختلف الوسائط الاجتماعية من خرافات متعلقة بلقاح كوفيد-19.