نشطت د.لويزة غاليز ود.زهية بن عبد الله، خبيرتا اليونسكو في التراث اللامادي، وباحثتيْ الأنثروبولوجيا بالمركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا، دورة تكوينية حول مشروع «جرد التراث اللامادي الجزائري»، نظمها مركز «فاعلون» للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية والاجتماعية.وتحدثت غاليز عن تكفل الدولة بتجسيد قاعدة بيانات لكل ما تم جرده، مع ضرورة تحيين البطاقات التقنية المنجزة. فيما قدمت بن عبد الله توصيات لنجاح عملية الجرد، حيث أكدت على أهمية التسجيل، الصورة، احترام جداول المواعيد، والتدوين المباشر. عقد مركز «فاعلون» للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية والاجتماعية، نهاية الشهر المنصرم، دورة تكوينية أولى حول مشروع «جرد التراث اللامادي الجزائري»، الذي يندرج ضمن برنامج المركز لسنة 2021. وقام بتأطير هذه الدورة التكوينية خبيرتا اليونسكو في التراث اللامادي، الدكتورة لويزة غاليز، والدكتورة زهية بن عبد الله، وكلاهما باحثتان في الأنثروبولوجيا بالمركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا. وقد نشر المركز تفاصيل هذه الدورة التكوينية. غاليز: عملية الجرد مضبوطة بشروط علمية في مداخلتها، أشارت الدكتورة لويزة غاليز إلى أنها ستسعى إلى الإحاطة بكل ما تنتظره اليونسكو من عملية الجرد الثقافي اللامادي بالجزائر، ومن جهة أخرى الإشارة إلى ما قامت به الجزائر إلى حد الآن في هذا الشأن، مع تبيان أهمية هذا العمل. وقد أكدت الدكتورة لويزة غاليز أن الجزائر تعد من أهم الدول الرائدة إفريقيا وعربيا في مجال تسجيل العناصر التراثية، حيث أشارت إلى أنه، وبالرغم من كل التهديدات التي يواجهها التراث لاسيما خلال فترة الحجر التي شهدتها الجزائر على غرار ما شهده العالم بأسره، غير أن هذا الواقع أعطى للتراث بعضا من الحظ في تجسيد ممارساته على مستوى الأسر سواء ما ارتبط بالطبخ أو الخياطة، كما أن بعض مظاهر التراث مهددة بالاندثار لعدة اعتبارات، وهو الأمر الذي دفع بغاليز إلى أن تتساءل: من المسؤول على حماية التراث من الاندثار بشكل رسمي وبطريقة تقنية وعلمية وحتى عالمية؟ وقد ساهمت غاليز، من خلال مقدمة مداخلتها، إلى تبسيط نظرة التراث بالقدر الذي سهل عملية إدراك مفهومه وأبعاده ومختلف مظاهره لدى المشاركين في فعاليات الدورة التكوينية. حيث أعطت الدكتورة لويزة غاليز تعريفا مبسطا للتراث، يعتبر أنه «مجمل المعارف والأشياء والممارسات التي تقوم بها الجماعات والمجموعات بطريقة طبيعية وباعتزاز، وهي متوارثة من الأجيال مع وجود الرغبة في توريثها للأجيال القادمة التي بدورها تملك الرغبة في تلقيها». عرجت بعدها إلى التأطير القانوني للتراث اللامادي بالجزائر، وذلك من خلال الإشارة إلى أهم النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع، ويتعلق الأمر أساسا بالقانون رقم 98-04 الممضي في 15 جوان 1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي لاسيما المواد 67 و68 منه، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 03-325 الممضي في 05 أكتوبر 2003 الذي يحدد كيفيات تخزين الممتلكات الثقافية غير المادية في البنك الوطني للمعطيات. كما بينت غاليز، بنوع من التفصيل، أهم التقسيمات التي تميز التراث منها التراث الطبيعي والتراث الثقافي، وهذا الأخير ينقسم إلى تراث مادي وتراث لا مادي، مع الإشارة إلى الميادين الخمسة التي حددتها اليونيسكو وهي: التقاليد وأشكال التعبير. الفنون وتقاليد أداء العروض. الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات. المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون. المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية والتقليدية. وبينت غاليز الطريقة التي ينتهجها المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا، في كيفية جرد التراث، عن طريق التنقل الميداني إلى عدة ولايات شملها عمل المركز، ويتعلق الأمر ب: المدية، برج بوعريريج، النعامة، وسعيدة، مع وجود ولايات أخرى في طور العمل على جمع وجرد التراث بها وهي: تلمسان، وهران وتيزي وزو. وأشارت غاليز إلى أن جوهر هذا العمل هو تسجيل عناصر التراث في قاعدة البيانات الخاصة بذلك بالشكل الذي يغذي ويثري هذه القاعدة، وقد عرجت إلى عدّ مجمل العناصر المصنفة التي سجلتها الجزائر على مستوى اليونسكو، على غرار «أهليل قورارة» المسجل سنة 2005، وكذا تسجيل الطقوس والمهارات المرتبطة بعادات لباس العروس التلمساني المسجل سنة 2012، فضلا عن تسجيل كيف ولماذا تصنع آلة «الإمزاد» الموسيقية، وغيرها من العناصر المسجلة. أكدت الدكتورة على أن عملية الجرد هذه، حتى لا تكون مجرد عملية جمع فقط، يجب أن تتوفر على جملة من الشروط التي تجعل منها عملا علميا بامتياز يخدم أهدافه المنشودة بكفاءة وفعالية، لا سيما ما تعلق بضرورة أن تبين البطاقات التقنية البعد المشترك، وتربط بين عناصر التراث عبر مختلف مناطق الوطن، مع ضرورة تحديد قائمة المراجع. في ختام مداخلتها، أشارت الدكتورة لويزة غاليز إلى السبب من وراء القيام بكل هذا العمل، والذي يتمحور أساسا حول تبيان وظهور كل ما تم تجسيده من أعمال جرد في أنترنت مع ظهور من قام به، وكذا مصادره، فضلا عن تكفل الدولة بتجسيد قاعدة بيانات لكل ما تم جرده، مع ضرورة تحيين البطاقات التقنية المنجزة. بن عبد الله: تجربة جمع التراث بالمدية «رائدة» من جهتها، احتوت مداخلة الدكتورة زهية بن عبد الله، بطاقتين، تضمنت البطاقة الأولى حوصلة لتجربة في جمع التراث اللامادي لولاية المدية، والتي وصفتها بن عبد الله ب «التجربة الرائدة»، وهذا باعتبار أن ولاية المدية هي أول ولاية اشتغلت فيها في جمع التراث، خاصة وأنها (أي الولاية) تقع ضمن منطقة معروفة بطابعها التاريخي والمناخي، وكذا اختلاف التركيبة الاجتماعية والمعروفة بمنطقة التيطري. أشارت الدكتورة زهية بن عبد الله إلى أن هذه الدراسة تدخل في إطار اتفاقية متعددة تندرج تحت مظلة عدة أطراف وهي بالأساس اليونسكو، وزارة الثقافة والفنون الجزائرية، مديرية الثقافة لولاية المدية، وكذا المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا، خاصة وأن هذا الأخير مكلف من طرف الوزارة بجمع هذه المادة وتبويبها فيما بعد في بنك معلوماتي، وقد أكدت الدكتورة على أن هذه الدراسة تعتبر بحثا أكاديميا يتضمن بحثا مونوغرافيا موثقا بالصور والخرائط والأشرطة السمعية البصرية والمقابلات الميدانية. كما بينت الدكتورة زهية بن عبد الله أهم المراحل الرسمية التي مرّت عليها الدراسة والتي تمثلت أساسا في: مرحلة تحسّس الميدان، من خلال الاتصال بالمخبريين والمرشدين وحاملي التراث، وتحديد ما يستحق من الأماكن والعادات والمعارف التي يجب حصرها، وتحرير دليل المقابلة. ومرحلة جمع المعلومات، وتحرير بطاقات الحصر. ثم تحرير المقرر الأخير وتثمين المعلومات بعد المصادقة عليها من قِبل مديرية الثقافة لولاية المدية. قالت بن عبد الله إن هذه الدراسة بولاية المدية امتدت على مدى سنتين (من ديسمبر 2012 إلى ديسمبر 2014)، وكان الهدف منها الحصر من خلال عمليات الجمع والنقل للموروث اللامادي، حيث ارتكز البحث ككل دراسة على العديد من الوثائق التاريخية والمراجع العلمية والثقافية، كما بينت بن عبد الله أن منهجية البحث ارتكزت على المقاربة الكيفية للميدان، حيث استعمل في ذلك دليل المقابلة الذي تضمن أسئلة موجهة وأخرى نصف موجهة. بعدها، قامت الدكتورة زهية بن عبد الله بعرض نبذة تاريخية عن تأسيس مدينة المدية، مع الإشارة إلى أهم خصائصها الثقافية مع التطرق إلى مختلف التقاليد والأعراف التي تؤثر فيها المحاذية لأربع ولايات أخرى، والتي تتشارك معها ثقافيا في العديد من الأعراف والتقاليد. عرضت الدكتورة أيضا نتائج الدراسة، التي خلصت إلى حصر 22 عنصر ثقافي وهي: الطريقة العيساوية. الاحتفال بوعدة الحناشة. الاحتفال بالناير. الأساطير والحكايات الشعبية. الممارسات المتعلقة بمنابع ومجاري المياه. العناية بالجسد وموادها. حمام الرويس (العريس). حرفة المجبود ولباس العروس. طقوس الأمومة والولادة. طقوس الختان. آداب الجنائز. الأطباق والمأكولات اللمدانية. فنون صناعة المربى والحلويات التقليدية. مهارات رعاية وجني ثمار شجرة الكرز. شراب وحلوى العنب وصناعة الخل. المنسج والصوف والزربية. صناعة واستخدام الشكوة والقربة. حرفة الدوم. حرفة الجلد. أدوات السحق التقليدية وكيفية صناعتها واستخدامها. صناعة الفخار. صناعة الطين. وأشارت زهية بن عبد الله إلى أهم العناصر الواجب البحث عنها في كل بطاقة، والتي تمثلت أساسا في ضرورة وصف العنصر ومعرفة تاريخه واستعمالاته وفيما يفيد، فضلا عن كيفية وصوله وإن كان ما يزال ممارسا وهناك طلب عليه، أم أنه مهدد بالزوال، وفيم تتمثل هذه التهديدات إن وجدت، ومن يستخدمه، وهل يعمل المجتمع المدني على المحافظة عليه، وهل تحاول السلطات المحلية وضع استراتيجيات لصونه والمحافظة عليه؟ لتقوم بعدها الدكتورة وبنوع من التفصيل عرض مختلف العناصر التي شملتها الدراسة عنصرا بعنصر. وفي ختام محاضرتها، قدمت بن عبد الله أربع توصيات أكدت على دورها في إنجاح مثل هذه الدراسات، ويتعلق الأمر أساسا ب: أهمية التسجيل، أهمية الصورة، أهمية احترام جداول المواعيد، وأهمية التدوين المباشر واستعمال كناش العمل. نشر المعرفة الأنثروبولوجية يُذكر أن مركز «فاعلون» للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية، مؤسسة علمية ذات طابع غير ربحي تتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة عن أعضائها. ويفتح المركز العضوية لجميع المهتمين بتحقيق أهدافه، من أساتذة وباحثين وطلبة وعامة المهتمين بمجال البحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية في الجزائر والعالم العربي. تتمثل أهداف المركز في نشر المعرفة الأنثروبولوجية وتعزيز البحث فيها وفي باقي العلوم الانسانية والاجتماعية، وتشجيع الدراسات والبحوث العلمية، وتنشيط حركة الكتابة والإسهام في إثراء المكتبات بالدراسات والبحوث العلمية تلتمس قضايا العصر ومتطلبات واقع الفرد والمجتمع الجزائري والعربي، وإيجاد أرضية مشتركة للحوار وتبادل الخبرات والأبحاث العلمية بين مختلف المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث بما يخدم توطيد العلاقات المتينة بين الشعوب ونخبهم، والعمل على تأمين التواصل وتبادل الخبرات في كل ما يتعلق بالعمل الأكاديمي للأساتذة والباحثين والطلبة، وإنشاء فروع لمركز فاعلون داخل وخارج الوطن. من أنشطة المركز، تنظيم مؤتمرات وندوات محلية ودولية وورشات عمل ودورات تدريبية ومحاضرات ومسابقات ورحلات علمية، وتحرير المجلات والدوريات ونشر الكتب والرسائل الإخبارية والتقارير، وتقديم الاستشارات وإجراء الأبحاث والدراسات الميدانية، وإقامة روابط التعاون والشراكة مع الجامعات والمعاهد والكليات ومخابر البحث والمؤسسات العلمية ومراكز البحوث والمنظمات الدولية والجمعيات والشخصيات العلمية داخل الوطن وخارجه بما يخدم أهداف المركز ويتماشى مع القوانين المعمول بها.