قد يكون البحر هو اختيار اكبر نسبة من المواطنين الذين سألتهم “الشعب” عن أماكنهم المفضلة لقضاء أيام العطلة، ولكن هناك من يجد الغابة والأماكن الداخلية البعيدة عن العاصمة هي أفضل مكان للابتعاد عن ضوضاء العاصمة وضجيجها فساكنوها في فصل الصيف أناس لا ينامون. اشخاص شاركونا في اهتماماتهم وأذواقهم وبدون ضيق أو حرج أجابوا عن أسئلتنا فاختصرت إجاباتهم شهرا كاملا من الراحة والاستجمام. جلسات الشاي في واحات النخيل تسحرني نجيب 35 سنة موظف في مؤسسة عمومية يتحدث عن عطلته و أين يقضيها :” فصل الصيف بالنسبة لي يعني واحات النخيل وسواقيها التي تروي عطش الظمآن في فصل دخل بقوة هذه السنة ، وأنا ككل سنة بمجرد بدا عطلتي الصيفية اركب الحافلة إلى بسكرة حيث الأهل والأقارب ، وربما قد يستغرب البعض من ذهابي إلى الصحراء لقضاء أيام راحتي الوحيدة في السنة خاصة وأنها منطقة تعرف درجات حرارة مرتفعة جدا في فصل الصيف . الأمر بالنسبة لي عادي و في حدود المستطاع فمنذ صغري تعودت على مناخها الصحراوي الجاف ولأنها في المقابل تمنحني طبيعة عذراء لم تلوثها التكنولوجيا الحديثة بكل ما تحمله الكلمة معنى ، وطوال السنة اشتاق إلى تلك الجلسات الليلية مع الأقارب ونحن نحتسي الشاي تحت أشجار النخيل الفارعة وكأنها تعانق السماء ونجومها التي يحسبها المرء أنها في متناوله فصفاؤها لا يوصف،طبيعة غناء و عائلة إلى جانبي تجعل بسكرة المكان الوحيد المناسب لقضاء عطلتي الصيفية.” منيرة 45 سنة ماكثة بالبيت تقول عن العطلة ومكانها المفضل لقضاء العطلة :” في كل سنة نتقل عبر مناطق مختلفة فنذهب أولا إلى المسيلة أين يقيم أهل زوجي نبقى هناك خمسة عشرة يوما ثم نغادر إلى سوق أهراس أين ازور أقاربي واعرف أبنائي بأهلي البعيدين عني كثيرا خاصة وان عمل زوجي اضطرنا إلى الإقامة بالعاصمة. أحب تنقلنا عبر التراب الوطني لأنها سياحة في حد ذاتها وان كانت الحرارة مرتفعة فالمكيف موجود ربما يربط البعض الصيف بالبحر، ولكن هناك من الأماكن ما لا يمكن وصفه خاصة وان الجزائر تزخر بطبيعة متنوعة وأخاذة. تلمسان وجهتي المفضلة عماد 14سنة سألناه عن عطلته الدراسية فقال :”والداي يعملان طول السنة ولم اشعر في حياتي أنني استمتع بعطلتي فأمي تختار دائما الدخول المدرسي لعطلتي وأبي الصيف احد شهور فصل الصيف الذي تغلق فيه الروض الأطفال والمدارس التي أصبحت بالنسبة لوالدي حاضنات أطفال تسمح لهم تركنا داخلها دون خوف أو قلق ، لذلك أفضل أن اذهب عند جدي في العطلة المدرسية في تلمسان فعندها وان لم اذهب إلى البحر الذي استمتع بأمواجه أجد الحب والاهتمام الذي افتقده عند أمي وأبي .” أمين 50 سنة أب وجد يقول أن عطلته السنوية يقضيها في البيت يتحدث عن ذلك فيقول :” البيت هو المكان الوحيد الذي يجمعني بأحفادي وأبنائي الجامعيين والعطلة هي فرصتنا الوحيدة للاجتماع كعائلة واحدة نضحك ونمازح بعضنا البعض ، نستمتع بحكايات وأحداث صادفناها في سنة أنهكت أيامنا وأجسامنا نتعرف على بعضنا البعض من جديد لان المرء مع مرور الأيام بروتين ممل يجعلك تفقد الصور الواضحة لعائلتك. الأهم في عطلتي أنني صرت استمتع بها من دون التفكير في اخذ الأطفال إلى البحر أو الحدائق العامة للتنزه ، فكل واحد منهم يستطيع تحمل مسؤوليته، ما جعلني في عطلة من مرافقتهم إلى البحر أو التفكير في الطريقة التي أوفر بها المال لقضاء العطلة على الشاطئ في راحة تامة .” رضا 30سنة يقول عن يوميات عطلته فيقول:”أفضل الغابة على البحر في العطلة لأنها توفر الراحة والسكينة التي افتقده كثيرا في البحر فالمصطافون هناك في هرج ومرج لذلك اشد الرحال في أول يوم من عطلتي السنوية إلى بوشاوي هناك أجد الراحة التي ابحث عنها والتي بدأت افتقدها بسبب تزايد عدد الزوار في هذه الغابة ، ثم اذهب إلى جيجل أين ازور غاباتها التي تعانق البحر في سحر ظاهر ومثير وقبلها أتوقف في بجاية التي تعد غاباتها وبحرها امتداد طبيعي لتلك الموجودة في جيجل خاصة وان المنطقة عرفت استقرار امني ملحوظ أعاد السياح إليها. بين الراحة و“التشماس “.. العينات التي اقتربنا منها أكدت الفوارق الواضحة في اختيار مكان قضاء العطلة الصيفية التي يعتبرها المختصين راحة ضرورة لتجديد الطاقة والرغبة في العمل التي تنعكس إيجابا على المردود الإنتاجي سواء كان فكري أو جسدي . في ارويا يفكر المرء في عطلته ويخطط لها في أول يوم يعود فيه إلى مكان عمله فالعطلة بالنسبة لهم لحظة يتوقف فيها الشخص عن العمل ليستطيع أن يتقدم في قوة وثبات إلى الأمام . في الفترة الأخيرة اظهر الجزائري اهتماما بالعطلة وأصبح يعمل طول السنة من اجل شهر هارب من روتين الحياة ومتطلباتها المتسارعة وسك تضارب السوق الذي أدخل القدرة الشرائية في حرب غير معلنة وجعلها غريمته و عدوته اللدودة . إن كان بحرا وشمسا أو غابة واو واحات النخيل فالمطلب واحد ولكن على المرء أن يدرك أن العطلة وجدت للتغيير والراحة لذلك لا يهم كثيرا أين فالمهم تحقيق الهدف المرجو من ورائها. لن نستغرب من الأشخاص الذين يهربون إلى الغابات بدلا من أمواج البحر لان مشارب الناس تختلف واهتماماتهم كما هي أذواقهم وأخلاقهم. وبين الراحة و”التشماس” تختلف وجهات الناس فلكل معناه الخاص للعطلة والراحة ، وبين الغابة والبحر تتقاطع أحلام الناس وافاقهم.