دخلت عملية التحضير للانتخابات الليبية مرحلة العد التنازلي، إذ لم يبق سوى نحو شهر على الموعد الأقصى لاعتماد القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، لإجراء الاقتراع العام بموعده المحدد في 24 ديسمبر المقبل، وسط تفاؤل داخلي ودولي بانفراج الأزمة السياسية. من المنتظر أن يحسم أعضاء ملتقى الحوار الليبي خلال اجتماعهم في 26 و27 ماي الجاري، النقاط الخلافية بشأن مقترح القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات. ففي الفترة بين 7 و9 أفريل الماضي، اجتمعت اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار، وخرجت بمسودة لقاعدة دستورية تتضمن 47 مادة، منها 6 مواد عليها تحفظات، وتركت مسألة حسمها لأعضاء ملتقى الحوار في اجتماعهم المقبل. وتركزت نقاط الخلاف الرئيسية حول القاعدة الدستورية في 3 محاور رئيسية موزعة على 6 مواد خلافية، تتمثل في مسألة انتخاب الرئيس، واشتراط عدم ازدواجية الجنسية سواء بالنسبة للرئيس أو رئيس الحكومة وحتى الوزراء، وأخيرا صيغة القسم التي تتضمن عبارة «وأن أسعى لتحقيق مبادئ وأهداف ثورة فبراير». الشعب والبرلمان بعد أن أصبح تنظيم الاستفتاء على مسودIة الدستور قبل انتخابات ديسمبر مسألة تجاوزها الزمن بسبب ضيق الوقت، أصبح الخلاف الرئيسي متمركزا حول طريقة انتخاب رئيس البلاد، والشروط الواجب توفّرها في المترشحين لهذا المنصب، فالرأي الأول يرى ضرورة انتخاب رئيس الدولة عبر الاقتراع السري الحر والمباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين. وفي حالة عدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلوبة في الجولة الأولى تنظم جولة ثانية خلال أسبوعين من تاريخ إعلان النتائج النهائية للجولة الأولى، يشارك فيها المترشحان الحائزان على أكبر عدد من الأصوات. أما المقترح الثاني فأكثر تعقيدا، حيث لا يتمّ انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب، بل يتمّ عن طريق نواب البرلمان، ما يعني أنه لن تجرى انتخابات رئاسية وسيتم الاكتفاء بالانتخابات البرلمانية فقط. فبحسب مقترح اللجنة القانونية المنشور على موقع البعثة الأممية فإن مجلس النواب ينتخب رئيس الدولة بالانتخاب السري. ويشترط في كل مرشّح أن يحصل على تزكيتين من كل دائرة انتخابية، حيث قسمت مفوضية الانتخابات ليبيا إلى 13 دائرة انتخابية. ويعتبر المرشح الحائز على أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (134 نائب من إجمالي 200) فائزا بالانتخابات في الجولة الأولى. وإذا لم يفز أي من المرشحين في الجولة الأولى تنظم جولة ثانية في أجل أقصاه سبعة أيام، يشارك فيها المرشحان اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى. وينظم الاقتراع السري للنواب حسب الدوائر الانتخابية كل على حدة، ويعتبر فائزا بها المرشح الحاصل على أغلبية الأصوات شريطة أن تضم، على الأقل، نصف النواب الممثلين لكل دائرة انتخابية. وإذا لم تسفر الجولتان الأوليان إلى فوز أي من المرشحين يفتح باب الترشح من جديد، وتعاد الانتخابات حسب نفس الإجراءات في أجل أقصاه أسبوعان، ويعتبر فائزاً بها المرشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الثانية. وإذا تعذر انتخاب رئيس الدولة خلال أجلٍ أقصاه 90 يوما يعتبر مجلس النواب منحلا تلقائيا، ويصار إلى انتخابات تشريعية في أجل أقصاه 90 يوما من تاريخ آخر جولة انتخابية. شروط الترشّح إحدى النقاط الخلافية التي أثيرت حولها تحفظات، هي شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة التي لا تتوفر جميعها لدى بعض الأطراف، الساعية للظفر بالسلطة. وأبرز تلك النقاط أن لا يكون المرشح حاملا لجنسية أخرى. لكن هناك ثغرة في المادة 27 من مسودة القاعدة الدستورية، يمكن من خلالها الترشح للرئاسيات إذا تخلى المرشح عن جنسيته، حيث لا تنصّ هذه المادة على فترة معينة لتنازله عن جنسيته الثانية، عكس مسودة الدستور المعلقة، التي تشترط عاما كاملا، أو مشروع قانون الانتخابات الذي يشترط «ألا يكون (المرشح) حمل هو أو أي من والديه أو زوجته جنسية أخرى». وتشترط المادة 40 من مسودة القاعدة الدستورية أن لا يحمل رئيس الحكومة والوزراء أي جنسية أخرى غير الليبية، وأثار ذلك تحفظ 3 أعضاء في اللجنة القانونية من إجمالي 17 عضوا. وتحرم هذه المادة الكثير من الكفاءات التي عارضت نظام معمر القذافي (1969-2011)، والتي درست وعاشت في الخارج، من تولي منصب رئيس حكومة أو حتى وزير، دون الحديث عن منصب الرئيس نظرا لحساسيته. ثورة فبراير حسب متابعين، بصمة أنصار «نظام القذافي» في اللجنة القانونية كانت واضحة، بتحفظهم على صيغة اليمين الدستوري لرئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء، لتضمنها عبارة «وأن أسعى لتحقيق مبادئ وأهداف ثورة السابع عشر من فيفري». فهذه المرة الأولى التي يشارك فيها ممثلون عن نظام معمر القذافي، الذي أطاحت به ثورة 17 فيفري2011، في حوار ليبي - ليبي، بعدما جرى إقصاؤهم في حوارات سابقة وحتى من المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني العام في 2012 ومجلس النواب في 2014. وبرّر المتحفّظون على المادتين 28 و41 من مسودة القاعدة الدستورية، اعتراضهم على عبارة «وأن أسعى لتحقيق مبادئ وأهداف ثورة السابع عشر من فيفري»، باعتبارها فضفاضة ولا توجد وثيقة رسمية تحدّد تلك المبادئ والأهداف. كما يشيرون إلى أن «القسم على احترام الإعلان الدستوري كافٍ، لأن ديباجته تشير إلى ثورة فبراير، وإن لم تكن تتضمن بشكل واضح الأهداف والمبادئ تعدل الديباجة». القاعدة الدستورية حتى وإن تمكّن ملتقى الحوار من حسم النقاط الخلافية قبل نهاية ماي الجاري، فإنه يتعين عليه إرسال مسودة القاعدة الدستورية بصيغتها النهائية إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لاعتمادها وإضافتها إلى الإعلان الدستوري، بحسب البعثة الأممية. لكن سيناريو اعتراض مجلس النواب أو مجلس الدولة على مسودة القاعدة الدستورية يظل قائما على غرار ما حدث مع مسودة الدستور التي كانت جاهزة منذ 2017، ولكن إلى اليوم لم تعرض على الاستفتاء الشعبي بسبب اعتراض فئة من النواب على بعض بنودها. وفي هذه الحالة، أوضح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في بيانه الصادر في 4 ماي عقب لقائه المبعوث الأممي يان كوبيتش، أنه «سيتم تنفيذ قرار مجلس النواب رقم 5 لعام 2014، لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة». لكن هذه المناقشات قد تستغرق وقتا لا يجب أن يتجاوز 1 جوان المقبل، كما اشترطت مفوضية الانتخابات لبدء التحضيرات لإجرائها. قانون الانتخابات وليست القاعدة الدستورية فقط ما يهدّد بعدم احترام موعد 24 ديسمبر، بل قانون الانتخابات ما زال غير جاهز، ولم تتمكن اللجنة القانونية لملتقى الحوار من إعداد مسودة له، متحججة بضيق الوقت. في حين مجلس النواب أعدّ مشروع لقانون الانتخابات في 2019، لكن هجوم مليشيات على العاصمة طرابلس وانقسام البرلمان عطّل عملية اعتماده، خاصة وأن الاتفاق السياسي يشترط موافقة المجلس الأعلى للدولة. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس النواب، في لقائه مع يان كوبيتش، بقوله إن «هناك مسودة قانون بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة جاهزة لعرضها على مجلس النواب». لكن بعض بنود مشروع قانون الانتخابات لا تتسق مع مسودة القاعدة الدستورية مما يتطلّب إدخال تعديلات عليها بما يجعل مواد النصين غير متضاربة أو مختلفة. وبالنظر إلى البطء الذي يسود عمل مجلس النواب وصعوبة اجتماع أعضائه بنصاب مكتمل، فإن احترام موعد أول ماي يمثل تحديا حقيقيا أمام جميع الأطراف المعنية بالملف الليبي. وهذا ما دفع المبعوث الأممي للتأكيد على ضرورة أن يتبنى مجلس النواب قانون انتخابي «قبل نهاية جوان المقبل». فعدم اعتماد مجلس النواب للقاعدة الدستورية ولقانون الانتخابات قبل 1 جوان، يتخوف أن يكون إشارة سلبية بأن الانتخابات قد لا تجرى في 24 ديسمبر. اعتراضات ومع تسارع وتيرة التحضير للانتخابات وسط تباين الآراء عبرت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الأحد، عن رفضها لما انتهت له اللجنة القانونية، فيما يتعلّق بالمسار الدستوري من تشكيل لجنة تتولى النظر فيما أسمته (الاعتراضات) على مشروع الدستور بالتنسيق مع الهيئة التأسيسية. وطالبت الهيئة في مؤتمر صحفي كافة المؤسسات والجهات المعنية باستكمال مراحل العملية الدستورية عبر الالتزام باحترام مخرجات الهيئة التأسسية المنتخبة من قبل الشعب، وعدم المساس بها، أو التعدي عليها، بأي شكل من الأشكال. وقالت إنها «تعمل على تمكين الشعب الليبي من قول كلمته الفصل حول مشروع الدستور الليبي عبر استفتاء عام حر ونزيه وشفاف وعادل». وأعلنت الهيئة أنها ستتخد «كافة الإجراءات اللازمة على الصعيدين الوطني والدولي، بهدف المحافظة على الاستحقاق الدستوري طبقا لأحكام الإعلان الدستوري الليبي وضمان حق الشعب الليبي في تقرير مصيره، وفقا لما تنصّ عليه كافة المواثيق والقرارات الدولية ذات صلة».