لم يعد يفصل الشعب الليبي عن موعد انتخابات رئاسية وبرلمانية تاريخية سوى خمسة أشهر، ليقول كلمته الفصل ويختار رئيسا للبلاد، وسط مؤشرات إيجابية بانفراج الأزمة السياسية رغم تسجيل تحديات، تراها الأطراف الليبية حافزا للتمسّك باتفاق وقف إطلاق النار، وتجاوز كل المنعرجات الصعبة حتى بلوغ سلام دائم. بات حل الأزمة الليبية مسألة وقت فقط مع تقارب كل الأطراف وتمسّكها بآلية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر المقبل، وهو يوم تاريخي لدى الشعب الليبي ارتبط موعده بالاستقلال، ما يعتبر مؤشرا لتنظيم الاستحقاقات في هذا اليوم لما له من رمزية ودلالات. مؤشرات إيجابية أوضح الدكتور جمال الطاهر عبد العزيز، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الزيتونة الليبية، أن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية التي توحي بانفراج الأزمة السياسية الليبية قريبا، وهي مؤشرات واضحة ستسهم في حسم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وأكد د. الطاهر عبد العزيز ل»الشعب ويكاند»، أن من أبرز المؤشرات على انفراج الأزمة الليبية، هو توافق الدول التي تنشر قوات في ليبيا على سحبها، حيث تعتبر مسألة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا أكبر عائق يواجه المجتمع الدولي لتحقيق سلام دائم، بالنظر لصعوبة المهمة والتي وصفتها بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا بأنها شبه مستحيلة في كثير من الأحيان وقدّرت عدد القوات الأجنبية والمرتزقة بأكثر من 20 ألف مسلح. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية رفعت مستوى مساهمتها في حل الأزمة الليبية بعد تولي الديمقراطيين شؤون البيت الأبيض، وشدّد مجلس الأمن الدولي في اجتماعه الأخير حول ليبيا بضغط من واشنطن على ضرورة تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد، وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب المتواجدين عبر كل التراب الليبي لإنهاء الأزمة الأمنية والسياسية وفق توصيات مؤتمر برلين. ويعتبر التوافق على سحب القوات الأجنبية حسب الدكتور الطاهر عبد العزيز، خطوة أكثر من هامة في طريق الانفراج وحلحلة الأزمة الليبية. الطريق الساحلي ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية تتضح تفاصيل أكثر بشأن الاحتفاظ بموعد الاستحقاقات، فبالرغم من تسجيل تباين حول ظروف هذه الاستحقاقات بين الأطراف الفاعلة، يحافظ الجميع على اتفاق وقف إطلاق النار ويدعو لمصالحة شاملة توحد المؤسسات الوطنية. وفي هذا الصدد،اعتبر رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الزيتونة، أن فتح الطريق الساحلي الذي يربط شرق ليبيا بغربها، هو مؤشر واضح ومهم جدا في نفس الوقت لتفكيك خيوط الأزمة، وعامل آخر يسهم في إنشاء مناخ إيجابي لتنظيم الانتخابات نهاية العام الجاري، كونه يشكّل جسر ربط يجمع بين كل أبناء ليبيا من الشرق إلى الغرب، وهو بمثابة خطوة مهمة تؤكد سلامة مسار المصالحة الوطنية. وكانت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) التي أعلنت عن فتح الطريق الساحلي الإستراتيجي (مصراتة - سرت) الرابط بين شرق البلاد وغربها بعد مباحثات استمرت يومين في مدينة سرت، قد جدّدت مطالبتها لحكومة الوحدة الوطنية بتعيين وزير للدفاع وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي بسحب المرتزقة والقوات الأجنبية. تعهّدات ولأهمية الطريق المفتوح، تعهدت اللجنة العسكرية المشتركة بحماية وأكدت أن تأمين الطريق سيكون من اختصاص اللجنة العسكرية مع تكليف عدد من الضباط لمراقبة تنفيذ الاتفاق. ووفق بيان اللجنة، فإن الطريق الساحلي سيخضع لسيطرة لجنة الترتيبات الأمنية التابعة للجنة العسكرية المشتركة، وهي التي ستقوم بكافة الإجراءات الأمنية بحرفية وحيادية تامة لضمان سلامة وأمن المارة. كما تقرّر منع مرور الأرتال العسكرية على الطريق من بوابة أبوقرين شرق مصراتة إلى بوابة ال30 غرب سرت. ودعت اللجنة كافة الهيئات والجهات الرسمية إلى التنسيق المسبق مع اللجنة العسكرية متمثلة في لجنة الترتيبات الأمنية التابعة لها، فيما يتعلّق بحركة الشخصيات والوفود الرسمية على الطريق الساحلي. وثمّنت اللجنة العسكرية، جهود الأمم المتحدّة في فتح الطريق الساحلي، وكذلك جهود لجنة الترتيبات الأمنية ولجنة نزع الألغام ومخلفات الحرب، واعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة فتح الطريق الساحلي بالخطوة الجديدة في بناء وتوحيد البلاد. سيناريوهات أمام تقدم أشغال التحضير للانتخابات الليبية لاسيما من طرف المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، أشار الدكتور جمال الطاهر عبد العزيز إلى ظهور سيف الإسلام القذافي عبر مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ورغبته في خوض الانتخابات، ما يوحي بأن هناك عدة سيناريوهات تلوح في الأفق قبل الموعد المحدّد. في السياق، قال الباحث «أعتقد من وجهة نظري الشخصية وحسب ما أرى من مؤشرات أن الانتخابات ستعقد في موعدها المحدّد، وستكون هناك منافسة حامية الوطيس مابين بعض قيادات غرب ليبيا وظهور سيف الاسلام، ورغبة حفتر في دخول هذه الانتخابات». وعلى الرغم من أن كل الظروف الحالية مهيّأة لتنظيم الانتخابات حتى مع الاختلاف حول القاعدة الدستورية التي يجري النقاش حولها من طرف ملتقى الحوار السياسي الذي فشل قبل شهر في التوصّل لمقترح نهائي بشأنها، يبدى الدكتور جمال الطاهر عبد العزيز بعض التخوّف من حدوث خلافات بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، غير أن الحكمة وثقل التحديات قد تكبح تلك التخوفات وتقطع تداعياتها. مهلة أكبر ومع استمرار الاختلاف حول القاعدة الدستورية، أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، تمديد فترة التسجيل بسجل الناخبين لأسبوعين إضافيين ينتهيان يوم 17 أوت الجاري. وخلال مؤتمر صحفي عقده رئيس مجلس المفوضية عماد السايح، في مقر المركز الإعلامي بالمفوضية، أوضح أن منظومة التسجيل بالخارج سوف تنطلق يوم 18 أوت، وسوف تستمر 30 يوما لتنتهي يوم الأربعاء 15 سبتمبر، عبر رابط مخصّص للتسجيل على موقع المفوضية في شبكة المعلومات الدولية. وتعتبر المفوضية العليا للانتخابات مؤسسة تامة في ليبيا برز دورها بشكل واضح مع التحضير للاستحقاقات، وقد لاقت اهتماما كبيرا من طرف حكومة الوحدة الوطنية. وثمّن رئيس مجلس المفوضية جهود حكومة الوحدة الوطنية، مشيرا إلى القرارين (143) و (170) اللذين أصدرتهما الحكومة والقاضيين بتخصيص مبلغ إضافي لتغطية تمويل استحقاقات 24 ديسمبر وتشكيل لجنة وزارية لدعم وتنفيذ العملية الانتخابية. كما ثمّن التعاون مع وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، رئيس اللجنة المشكلة لدعم العملية الانتخابية، وكذلك التعاون مع وزير التعليم باعتباره الشريك التنفيذي الأول للمفوضية. وتشيد المفوضية بجهود قطاع الاتصالات بمختلف مؤسساته والتجاوب من مسؤولي القطاع، وجهود المجتمع المدني في مجال التوعية وتحفيز المواطنين. تنسيق دولي حثيث ومع تسارع الوقت نحو موعد الانتخابات، يسعى المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون مع السلطة التنفيذية الليبية لمرافقتها في مسعى تنظيم الانتخابات في موعدها دون تأخير، ووفقا لشروط يقبلها الجميع كان مؤتمر برلين قد وضع تصورا حولها بإشراف حكومة الوحدة. وتسعى إيطاليا الحليف القوي لليبيا لوضع كل ثقلها الدبلوماسي لمرافقة الشعب الليبي، وبحث رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في آخر لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، سبل دعم إجراء الانتخابات بموعدها المقرّر في 24 ديسمبر. وخلال لقاء جمع الطرفين في العاصمة طرابلس، وفق بيان المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، شدّد المنفي على «ضرورة حسم مسألة الإطار القانوني للانتخابات، وضرورة توصل مجلسي النواب والأعلى للدولة، لتوافق حول أحد المقترحات المطروحة لإجراء الانتخابات في موعدها». ولم يصل مجلسا النواب والأعلى للدولة إلى توافق حول قانون ينظم الانتخابات في موعدها المقرّر، لكن المنفي أكد «أهمية الشراكة وتعزيز العلاقات الثنائية بين ليبيا وإيطاليا خاصة في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري والاقتصادي». بدورها تبدي إيطاليا «استعدادها للتعاون والعمل مع ليبيا في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرها، خاصة في الجنوب الليبي» وفق بيان الاجتماع. ونقل البيان ترحيب دي مايو بفتح الطريق الساحلي الاستراتيجي «مصراتة - سرت» الرابط بين شرقي وغربي البلاد، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تأتي عقب هذا الإجراء بأيام، للتأكيد على «أهمية هذه الخطوة الكبيرة». وفي 25 مارس الماضي، زار دي مايو ليبيا لبحث ملفات الهجرة غير الشرعية والانتخابات والعلاقات الثنائية بين البلدين. في 16 مارس الماضي، تولّت سلطة انتقالية منتخبة، تضمّ حكومة وحدة ومجلسا رئاسيا، مهامها لقيادة البلاد إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، في 24 ديسمبر المقبل. رحيل المرتزقة وبالرغم من عدم إحراز تقدّم كبير في ملف خروج القوات الأجنبية والمرتزقة، إلا أن التفاؤل يخيّم على المشهد الليبي قبل خمسة أشهر على موعد الاستحقاقات التاريخية. لكن خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة، دعوا جميع المرتزقة والمتعاقدين الخاصين المرتبطين بهم إلى مغادرة ليبيا، معتبرين أن رحيل هؤلاء شرط مسبق حيوي لإجراء انتخابات سلمية. وقالت جيلينا أباراك، رئيسة فريق الأممالمتحدة العامل المعني باستخدام المرتزقة إن «المتعاقدين الخاصين المدربين والمسلحين بشكل جيد من هذه الدولة أو تلك، وبعضهم يستوفي معايير المرتزقة، يمكن أن يؤثروا سلبا على أمن واستقرار دول أخرى في المنطقة». وأضافت في بيان، أن «استمرار تجنيدهم ووجودهم في ليبيا بعد 9 أشهر من وقف إطلاق النار يعوق التقدم في عملية السلام، ويشكل عقبة أمام الانتخابات المقبلة». وطالبت أباراك «برحيل المرتزقة والجهات الفاعلة المرتبطة بهم على الفور»، مشددة على أهمية «وجود وقف فوري لنقل الأسلحة والعتاد العسكري إلى ليبيا». وكان ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي تسيره الأممالمتحدة قد اتفق على خريطة طريق لإجراء انتخابات وطنية ديمقراطية وذات مصداقية وشاملة نهاية السنة. ويرى خبراء أنه «إذا كانت الانتخابات ستُجرى في ديسمبر 2021 كما هو مقرّر، فيجب أن يكون الليبيون قادرين على القيام بهذه العملية في بيئة آمنة، ووجود هذه الجهات الفاعلة يعوق. وفي ماي 2020، حذّر الفريق من أن الاعتماد على المرتزقة والجهات الفاعلة ذات الصلة بها منذ عام 2019، قد أسهم في تصعيد الصراع في ليبيا وقوض عملية السلام، وهو ما يعد خرقا لحظر الأسلحة الحالي المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي، بحسب البيان. ولعدة سنوات، وبدعم من دول عربية وغربية ومرتزقة ومقاتلين أجانب، قاتلت مليشيا الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، حكومة الوفاق الوطني السابقة، المعترف بها دوليا. ويأمل الليبيون، أن يقود انفراج سياسي راهن بين الفرقاء إلى نهاية للنزاع في البلد النفطي، عقب تسلم حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي جديدين السلطة في مارس الماضي، لقيادة البلاد إلى انتخابات برلمانية ورئاسية. ظهور بعد فوات الأوان وعاد نجل الزعيم الليبي السابق للظهور في لقاء أجراه معه الصحفي الأمريكي روبرت وورث، لحساب صحيفة «نيويورك تايمز»، التي نشرته في شكل قصة خبرية مطولة عن الأزمة الليبية، ويمثل هذا الظهور أول دليل على أن سيف الإسلام، ما زال حيا، بعد أن ثارت شائعات بشأن وفاته. واعتقل سيف الاسلام في أكتوبر2011، عند محاولته الفرار نحو النيجر، واختفى أثره في 2017، بعد إطلاق المجموعة المسلحة التي اعتقلته سراحه من منطقة الزنتان، الواقعة بأعلى هضبة في الجبل الغربي (170 كلم جنوب غرب طرابلس). وكان آخر من التقاه خلال الفترة الماضية، الناشطان الروسيان مكسيم شوغالي وسامر سويفان، اللذين اعتقلا في طرابلس في 2019، ووجهت لهما تهمة الجوسسة، قبل أن يطلق سراحهما في 2020. ومنذ ذلك الوقت تضاربت الأنباء بشأن مصير سيف الإسلام، بل وشكك البعض في أنه موجود على قيد الحياة، إلى أن ظهر يوم الجمعة الماضي. وإن لم يعلن «سيف الإسلام» عن ترشحه للرئاسيات، لكن هناك شروط تعوق ترشّحه، منها الحكم القضائي غير النهائي الصادر من محكمة طرابلس في 2015،بإعدامه رميا بالرصاص، كما أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وفي الأخير و بالرغم من التحديات التي لازالت تعترض طريق السلام والاستقرار في ليبيا، إلا أن الضوء بدأ يتجلى في آخر النفق، ما يؤكّد بأن الأزمة تتجه الى نهايتها بالتزام كل الشركاء قواعد الحل السياسي.