الاستثمار في التّراث والسّياحة الصّحراوية رهان يمكن كسبه بسهولة حمل مشروعا رائدا يجمع بين حماية التّراث وتثمينه، وتوظيفه كمورد اقتصادي ينتفع به أهالي المناطق النّائية بولاية أدرار، حلم طالما راوده وهو يتخصّص في الجامعة في علم الآثار، واستطاع أن يضع له أولى الأسس بمشاطرة الفكرة ساكنة قصر «ودغاغ» وتجنيدهم نساءً ورجالا، كبارا وصغارا من أجل إعادة ترميم القصر وإنقاذ شبكة السّقي الفقارة معا، هو عمر هداجي باحث مهتم بالتّراث ورئيس جمعية فقارة «تغجمت» لحماية التّراث المادي واللاّمادي بقصر «ودغاغ» بولاية أدرار، الذي يكشف من خلال هذا الحوار عن تجربة اجتماعية واقتصادية وثقافية محلية تستحق التّشجيع. مجلة التنمية المحلية: من أين انطلقت فكرة توظيف الفقارة وقصر»ودغاغ» كموارد اقتصادية تساهم في انتعاش السياحة الصحراوية، وبالتالي تفتح الآفاق أمام شباب وعائلات المنطقة؟ الباحث عمر هداجي: يعود اهتمامنا بالفقارة والأبعاد الاقتصادية لها وفكرة تحويلها من قطب تراثي إلى فاعل اقتصادي، إلى سنوات خلت وحتى قبل تأسيسنا لجمعية فقارة «تغجمت» لحماية التّراث المادي واللاّمادي لقصر «ودغاغ»، التي اعتمدت رسميا شهر فيفري 2019، وهذا إيمانا منّا أنّ الجمعيات النّاشطة في التراث، يمكنها أن تقدّم حلولا بديلة للاقتصاد الرّيعي. ميلاد فكرة صيانة الفقارة كان حلما تجسّد على أرض الواقع برؤية كل أطياف المجتمع مجنّدين في عمل واحد، تطوّعي وخيري الهدف منه توحيد الجهود تحت لواء نحن ننتمي للقصر الواحد، الحمد لله نجحت الفكرة بفضل المتطوّعين، خاصة المتطوّعات اللّواتي شجّعن أبناءهن على الحفاظ على هذا الموروث. تعود فكرة جمعية فقارة «تغجمت» إلى صيف 2014، لكنها لم تجد التّربة الصّالحة للزّرع حتى جانفي 2019 في بداية ترميم الموقع الأثري «اقربيش» الجامع، الذي يعود تأسيسه إلى حوالي 600 سنة، لقد اخترنا فقارة تغجمت كاسم للجمعية لأنّ ولاية أدرار هي المنطقة الوحيدة في شمال إفريقيا التي تمتلك هذا النظام من السقي التقليدي، والمصنّف منذ سنة 2018، ضمن التّراث العالمي للإنسانية. - أوّل خطوة بعد الاعتماد الرّسمي للجمعية كانت في مجال التّراث المادي وتثمين الصّيانة، والانطلاقة من المسجد العتيق لقصر ''ودغاغ''، لماذا المسجد بالذّات؟ وأين وصل مشروع ترميم القصر حاليا؟ انطلقنا في البداية وحتى قبل اعتماد الجمعية في عملية إعادة التّهيئة لعدد من الفقارات من أجل السّياحة، ومن أجل الحفاظ على البيئة والحقول المعروفة في المنطقة باسم «الجنانات»، ثم جاء مشروع المسجد العتيق بالقصر الذي يعود تأسيسه إلى 600 سنة، كشق أول في مشروع اقتصادي تراثي وثقافي كبير، يهدف إلى توظيف هذا المعلم التاريخي والأثري وقصر «ودغاغ» ككل كاستثمار سياحي. لقد انتهينا من ترميم المسجد العتيق، الذي يحتوي على زخارف فيها مزيج من العمارة السّودانية والعمارة العربية الإسلامية والعمارة البربرية، وقمنا بالعملية بالتنسيق مع المركز الوطني للبناءات الطينية الموجود بتميمون، وباستعمال الموارد البشرية والمالية الخاصة بالجمعية، حيث قمنا بتكوين أحد الشباب المنخرطين في مجال ترميم البنايات الطوبية الصحراوية. - لقد سطّرت الجمعية أهدافا كثيرة، منها حفظ القصور الطّوبية وتوظيفها كمورد في التّنمية المحلية، ما هي الخلفية وراء ذلك؟ نحن اليوم بصدد تجسيد فكرة ترميم قصور المنطقة وتحويلها إلى مراقد للسياح، وفتح المجال أمام مشاريع للسياحة الدينية والثّقافية في المنطقة، وأيضا فتح الأبواب أمام الاقتصاد المحلي من خلال تحويل بيوت القصر إلى ورشات ومحلات للحرف التّقليدية القديمة، التي مازالت تتوارثها نساء المنطقة أمّا عن جدة، والتي نحاول الحفاظ عليها من الزّوال والاندثار بإعادة إنعاشها، وجعلها في قلب المؤسّسات المصغّرة والعمل العائلي. لابد من التّذكير، أنّ من اهتمامات الجمعية السّهر على تسويق وتفعيل التّراث بشقّيه المادي واللاّمادي كبديل اقتصادي، نحن نسعى جاهدين لحماية هذا الموروث من أجل تفعيله كبديل اقتصادي، كما أنّ السّعي إلى ترميم قصور الطين التي تعجّ بها منطقة أدرار وأولها قصر «ودغاغ»، الواقع على بعد 22 كلم من قلب الولاية على طريق رقان، يصب في إطار عمليات الترميم وإعادة التهيئة وتوظيفها كفضاءات سياحية لجلب السياح المحليّين والأجانب. مشروع لإنتاج زيت الأرغان ينقصه بئرا ارتوازية هل ستكتفي جمعية «تغجمت» بعمليات الصّيانة والترميم بقصر ودغاغ؟ أم أنّها ستوسّع برامجها لمشاريع أخرى تصبّ في ترقية التنمية المحلية بمنطقة توات بعيدا عن التراث؟ إضافة إلى مشاريع صيانة الفقارة وترميم القصر، هناك مشروع إنتاج زيت «الأرغان» الغني عن التعريف وزيت «العجليج»، وهي نبتة تستعمل في مستحضرات التجميل والصناعة شبه الصيدلانية، هو مشروع في أولى خطواته، تمّ قبول الفكرة وأعطى الوزير المكلف بالبيئة الصحراوية إشارة انطلاقه رسميا شهر جانفي2021. وهو مشروع يهدف إلى غرس ألف شجرة من الأرغان والعجليج في المنطقة الواقعة على الطّريق الوطني رقم 6، حيث يمكن للكثير من السّاكنة أن تنشئ ورشات تدريب على زراعة الأرغان وتعود بالمنفعة على العائلات، وتكون أيضا موردا للجمعية من خلال إشرافها على عصر وتسويق الزّيوت. لقد كانت المساحة المخصّصة لهذا المشروع في الماضي القريب، محطّة لرمي النّفايات وأكبر نقطة سوداء تلوث المحيط، تشكّل خطرا صحيا على مياه الفقارات المارة من تحتها. وجاءت الفكرة من الجمعية، وتمّ تجسيدها بالتّعاون مع السّلطات المحلية، لكن المشروع اليوم في حاجة إلى حفر بئر ارتوازية لسقي الأشجار. تدوين التّراث الشّعبي للمنطقة المهدّد بالاندثار - حدثنا عن إنجازات جمعيتكم في شقّ التّراث اللاّمادي؟ أخذت جمعية «تغجمت» على عاتقها منذ البداية تدوين التّراث الشّعبي والأمثال والعادات والتقاليد من خلال جمع شهادات المسنّين والنّساء حاميات التراث، لقد قمنا بتسجيل الكثير من «الحجا»، وهي الكلمة التي يطلقها أهالي المنطقة على كل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالأدب الشّعبي من أغاني، قصائد، أشعار، حكايات وقصص تراثية. - وكيف يتمّ توظيف هذه الكنوز التّراثية والاستثمار في السّياحة الصّحراوية؟ بعد التّدوين تأتي مرحلة مهمّة وهي تحويلها إلى أعمال سينمائية لعرضها في الفضاءات التي سيشملها الترميم، فعلى سبيل المثال هناك قصّة سندريلا الجنوب وهي حكاية «عويشة حواشة الرماد»، كل أهل الجنوب يعرفون هذه الخرافة أو الرّواية الشّعبية، فإذا قمنا بترجمتها في الفضاءات التّراثية المادية سيكون لها أثر جميل في نفسية السياح الذين يزورون الصّحراء ولا ينبهرون بالمراقد أو الفنادق، بل يبدون اهتماما وفضولا اتجاه القصور العتيقة والمعالم الأثرية، واتجاه العادات والتّقاليد والمنتجات والأكلات التّقليدية، الرّقصات والأغاني الشعبية. يضم قصر «ودغاغ»، اليوم، مكتبة والمسجد العتيق، في انتظار حديقة للتسلية والترفيه للأطفال وتهيئة مرافق ضرورية أخرى لاستقبال السياح.