يستثمر بعض الحرفيين والمهنيين في الثروة النباتية بتحويلها إلى أغذية صحية خاصة في ظل تغير نظرة الإنسان الذي أصبح أكثر اقبالا على تناول المأكولات الطبيعية الخالصة أو البيولوجية، كي يتفادى الأضرار التي قد تصيبه جراء تناول مواد كيميائية مصنعة. تجلى ذلك في جولة ل»الشعب» نهاية الأسبوع المنصرم في معرض للمنتوجات المحلية بغرفة الحرف والصناعة التقليدية في بلدية أولاد يعيش بولاية البليدة، بمناسبة اليوم العالمي للتغذية المصادف ل 16 أكتوبر من كل سنة، وشارك في هذا المعرض حرفيون وشركات مصغرة متخصّصة في صناعة الأغذية البيولوجية. رابح لوراسي.. يُحول الفواكه البرية إلى أغذية صحية خلال التجوال بأروقة المعرض لفتت انتباهنا مأكولات تصنّف على أنها تقليدية، هي الكسكسي والبركوكوس وزيت الزيتون ذات القيمة الغذائية العالية. كانت هذه المنتوجات معروضة على طاولة يجلس أمامها صاحبها يجيب على أسئلة حول كيفية تحضيرها ومن أي مادة مصدرها، فرحب بنا بعد ابلاغه بأننا نمثل وسيلة اعلامية عمومية جاءت لتسلط الضوء على الأغذية التي يصنعها الجزائريون ومختلف الزيوت وبقية المنتوجات مثل الصابون والتحف الفنية التي كانت معروضة. محدثنا رابح لوراسي كيمائي من ولاية سكيكدة راودته فكرة استغلال الفواكه البرية لتحويلها إلى أغذية نظرا لفائدتها الصحية الكبيرة، من بين هذه الفواكه البرية الخروب والزعرور والنبق، حيث يقوم بتحويلها بورشته المتواجدة في بلدية الشبلي بولاية البليدة إلى أغذية مهمة، يسوقها بمحله التجاري التي يستأجره في بلدية الدويرة بالعاصمة. «بركوكس» «الخروب» و»روينة» «النبق» أطباق جديدة يحوز الحرفي رابح على شبكة علاقات مع مساعدين له في عدة ولايات يزودونه بالمواد الأولية، أي تلك الفواكه البرية وبعض النباتات الأخرى التي يستغلها على اعتبار أنه ينتج أيضا زيوت طبيعة مثل الزيت الضرو وزيت الزيتون، ويحاول أن يطوّر إنتاجه بسلع جديدة. ومؤخرا وبعد دراسة استكشافية توصّل هذا الحرفي إلى أن القائمة الغذائية لنبق السدر تتركز في نواته، لذا أصبح يطحن نواة النبق ويضيف لها الدقيق الطبيعي لتحضير الكسكسي و»البركوكوس» من هذه المادة، ليبتكر مأكولات جديدة بالإضافة إلى «بركوكوس» مصنوع من ثمار الخروب. وفي سؤال حول تسويق سلعه أوضح قائلا: «لدينا محّل صغير في الدويرة لكن نحن أذكياء، وقمنا باعتماد وكلاء في كل ولاية يقومون بتوزيع المنتوجات، وفي الحقيقة أصبحنا لا نلبي الطلبات لكثرتها، مشيرا إلى أنه اهتدى إلى انتاج «روينه» أي مسحوق طبيعي مكون من نباتات وفواكه طبيعية تعالج فقر الدم، كما أن كسكسي النبق يفيد مرضى السكري، وبعد تجريب هذه المنتوجات تزايد الإقبال عليها على حدّ قوله. فاطمة الزهرة خداوي .. مُعلمة قرآن تستخلص مشروبات صحية من الغابة شاركت في معرض أولاد يعيش سيدة تقيم في بلدية الشريعة تشتغل معلمة قرآن للأطفال، بمنتوجات طبيعية مصدرها الأشجار المتواجدة بكثرة في غابات الحظيرة الوطنية للشريعة مثل الأرز والصنوبر، لكن ما لفت انتباهنا هو أن فاطمة الزهرة خداوي مختصة في صناعة مشروبات صحية «سيروا» المعروف لدى العامة. على طاولة عرض هذه الحرفية التي تبدو وكأنها صيدلية، تجد مشروب ذوقه من ثمار شجرة الأرز يفيد مرضى الحساسية بحسب قولها، أما مشروب المصنوع من دباغة الصنوبر فهو مفيد للمعدة، وتُضاف هذه المشروبات إلى الطبق التقليدي «الحمامة» المعروف في البليدة (كسكسي يتم تحضيره بإضافة مسحوق من النباتات الصحية) لأجل القضاء على ذوقه المر. وتقوم هذه الحرفية بتسويق سلعها في المعارض، مع العلم أنها توارثت صناعة هذه المشروبات من جدتيها والحصول على النباتات متاحا لها لأنها تقيم في منطقة غنية بالثروة النباتية سواء أشجار أو نباتات أخرى مثل الخزامة البري التي يستعمل لصناعة زيت الضرو. تنظيم مهني مشترك للنباتات الطبية والعطرية ما لفت الانتباه هو تنظيم مهنيين ينشطون في مجال تحويل النباتات إلى مواد طبية، في المجلس الولائي المشترك لشعبة النباتات الطبية والعطرية الذي تأسس في جانفي 2019 ويتكون من 15 عضوا، قام بتنظيم أربعة دورات تكوينية حول كيفية استخلاص الزيوت الطبيعية والأساسية بالتنسيق مع محافظة الغابات. ويضم هذا التنظيم كيميائيين ومختصين في الصيدلة ومنتجين، على شكل جمعية تهدف لحماية النباتات العطرية والطبية من الانقراض وكيفية تحويلها واستغلالها، وفي هذا الصدد تقول رئيسته جميلة بوشارب: «نحرص على ألا يكون استغلال هذه النباتات عشوائيا، ويقوم تنظيمنا بتوجيه الناشطين في المجال بالتنسيق مع مديرية الغابات، وزيادة على دورنا في الحفاظ على ما هو موجود من النباتات فنحن نقوم أيضا بزرع النباتات والتشجير لتكون المادة الأولية متاحة». ويضمّ المجلس الولائي مختصة في البيولوجيا تنتج أجبانا طبيعية خالصة مفيدة لصحة المستهلك وغنية بالسعرات الحرارية وينتج بيولوجي آخر «تيزانة « وزيوت متنوعة مثل زيت النعناع الأساسي، وهناك من يصنع مواد التجميل مثل الصابون، يتم تسويقها محليا وخارج الوطن. حميد شيخي.. يعيد لصناعة الزيوت الأساسية مكانتها تتقاطع صناعة الزيوت الطبيعية والأساسية مع المأكولات التقليدية كونهما مفيدتان لصحة الإنسان تصنعان بمواد طبيعية بدون إضافات كيماوية، وبدأت صناعة الزيوت الأساسية تستعيد مكانتها التي عُرفت بها البليدة منذ عقود من الزمن، ومعلوم أن الفترة الاستعمارية كانت تستغل وحدة تقطير بمحاذاة محطة القطار في بني مراد، ومنها كانت تحول الثروة النباتية ومستخلصات بعض النباتات إلى فرنسا لصناعة بعض العطور أو المكملات الغذائية والأدوية. وتعزّز مجال هذه الصناعة بولاية البليدة بشركة ناشئة تحمل اسم «bio extrapamal» تمّ تأسيسها في سنة 2018 من قبل المهندس الزراعي حميد شيخي في إطار وكالة دعم المقاولاتية (الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب سابقا)، والتي يقع مقرها في بلدية واد العلايڤ، تنتج حاليا ما يقارب 20 نوعا من الزيوت الأساسية. ومعلوم أن الزيوت الطبيعية مصدرها ثمار النباتات التي يتمّ عصرها، أما الزيوت الأساسية فيتم استخراجها من النباتات عن طريق عدة تقنيات مثل السحب بالبخار أو الغلي، تستعمل الزيوت كمواد للزينة والتجميل، كما تعتبر مواد أولية لإنتاج مكملات غذائية وأدوية. وخلال الفترة الاستعمارية كان يُستخرج زيت أساسي مهم من نبات الخزامى المتواجد بغابات البليدة، حيث كان يستغل في صناعة أجود عطر للعلامة الفرنسية الشهيرة «chanel» حسب ما أفادنا به حميد شيخي، مع العلم أن هذا الأخير يلقى الرعاية الكاملة من قبل محافظات الغابات التي توفر له النباتات التي يحتاجها مثل الصنوبر والكاليتوس والشيح والثوم البري.. وليس فقط الخزامى التي كان يتم تقطيرها لسحب الجزء العطري منها، بل أشجار الياسمين الذي ينتشر بكثرة في البليدة التي حملت اسم «مدينة الورود» لكثرة الورود بها، والتي كانت تستغل أيضا لاستخراج بعض الزيوت الأساسية ليتم استغلالها فيما بعد لإنتاج العطور الرفيعة.